بقلم: أنور مالك – باريس
قد يبدو العنوان لمحدودي الرؤية والنظر أنه مغلف بخلفيات ضيقة
بقلم: أنور مالك – باريس
قد يبدو العنوان لمحدودي الرؤية والنظر أنه مغلف بخلفيات ضيقة ومشينة، أو تشم منه رائحة التشفي مما وصل إليه حال شعبنا البائس في الجزائر، أو يراه آخرون ممن يتحاملون علينا أننا نتمنى او نتضرع لله تعالى بأن يحل على وطننا الخراب،على غرار ما هم عليهم من القهر والظلم والموت والفقر المدقع والجبروت والإستبداد، لكن علينا أن نكون واقعيين جدا في تناولنا للأمور، ويجب أن نستجلي القادم من خلال ما نحن عليه في الحاضر، فالكون محكوم بنواميس وقوانين سنها الله وكل منا يصل إلى نتيجة ما من خلال الحال التي إختارها لنفسه، والقانون الذي سقط تحت طائلته وإحتكم إليه في صيرورته ومسيرة حياته…
لقد تحدثت من قبل عن “عودة المهام القذرة” مع رجوع أو ظهور اويحيى كرئيس لما يعرف بالحكومة، وأفضل تسمية ما حدث بالظهور لأنه كان في إجازة مفتوحة فقط، عكس ما روجه بعض أدعياء السلطة من صحفيين أو حتى حزبيين أو باعة الغث السياسي، فقد تكفل فيها – بمحض إرادته وفي كامل قواه العقلية – عبدالعزيز بلخادم بمنصب “المنسق الحكومي” ليس إلا على ذمة إكتمال ملفات وصفقات سرية في الدهاليز بين السلطة الفعلية الموازية والسلطة التمثيلية الظاهرة، وتتجلى فيما بين الجنرالات ومؤسسة الرئاسة والسائر بينهما زعيم حزب الإدارة “احمد اويحيى” طبعا، ولكن بقيت أشياء لم أتحدث عنها فقد أجلتها لحينها ورأيت من الضروري أن أتكلم عن بعضها الآن تاركا الباقيات غير الصالحات لوقت لاحق، لما تنجلي بعض الخفايا عن هذا التداول العجيب في الفقة السياسي على رئاسة الدولة، كما حدث بين علي كافي وزروال أو زورال وبوتفليقة فيما بعد، وايضا على رئاسة ما يسمى تجاوزا بـ “الحكومة” في الجزائر، هذا التداول يجري ما بين أحمد أويحيى وآخرين ممن يحسبون قبل عزلهم من رجال الرئيس بوتفليقة، كما جرى مع أمين سره وذراعه الأيمن علي بن فليس، الذي شاءت الأقدار أن التقيته في مداومة المترشح عبدالعزيز بوتفليقة عام 1999، وجمع الحديث بيننا حول مستقبل البلاد في ظل هذه التحولات، وأذكر حرفيا ما قاله لي علي بن فليس وبحضور وفد مساند لبوتفليقة قادم من ولاية تبسة: (بوتفليقة آخر أمل للجزائر وللجزائريين إن لم ينتخبوه فليبشروا بالكارثة والدمار)، لكنه انقلب على عقبيه – في الظاهر طبعا – في رئاسيات 2004 وأسرف في النقد والتجريح والذم، فقد أبدعت المنظومة السياسية والديمقراطية في الجزائر تداولا يمكن ان يدخل خانة المعجزات في عالم لا يؤمن بالخوارق، فعندما يغضب الرئيس على موظف عنده عينه رئيسا للحكومة، يأتي بأويحيى غير المرغوب فيه شعبيا، ليشفي غليله في الوزراء وربما في المواطنين الذين لم يتحركوا تجاه ما يحدث في حق المال العام من نهب وسرقة موصوفة، ولا إنتفضوا على حالهم البائس كبقية الشعوب التي تحترم نفسها، وان حدثت بعض المفارقات في تاريخ الرئيس بوتفليقة نذكر مثلا ما جرى مع الوزير الشريف رحماني الذي وصفه بأقدح الأوصاف في حوار تلفزيوني مع قناة أجنبية، وكان وزيرا فوق العادة لما يسمى “محافظة الجزائر الكبرى” الذي بذر الملايير على حفلات بني مزغنة المشبوهة، فإعتقدنا أنه سيعزله للأبد عند عودته ولكن تمت ترقيته إلى وزير بحقائب مختلفة وثقيلة !!…
هذه المرة جاء بأويحيى في إطار أجندة حاسمة، حيث بدأت تسرب دوائر مقربة من الجنرالات أنه خليفة الرئيس في قصر المرادية، عن طريق تعيينه كنائب لبوتفليقة الذي صارت أيامه معدومة بسبب وضعه الصحي الذي لا يبشر بالخير، حتى ان بعض المصادر تفسر مايجري من جدل وما يسيل من حبر حول العهدة الثالثة يدخل في إطار فرض واقع يتجاوز صحة الرئيس ويبعدها من التداول الاعلامي، والتي بلا شك ليست على ما يرام لإعتبارات عديدة ليس المجال لبسطها… ففي الأجندة التي تطبخ في الخفاء عكس ما يروج له إعلاميا، أنه سيتم تعديل الدستور عن طريق البرلمان ومن ثمة يترشح بوتفليقة – رغم كل شيء – رفقة أرانب تم الفصل في اسمائهم مسبقا، ويعين أويحيى نائبا له عن طريق مرسوم رئاسي بعد تقديمه لإستقالة حكومته للرئيس المزكى في إستفتاء سموه تجاوزا إنتخابات تعددية، وهكذا يكون سيناريو بقاء السلطة في قبضة العسكر وجنرالاته عن طريق تعبيد الطريق لإبن تيزي وزو ليصبح أول رئيس “قبائلي” يدخل قصر المرادية بعد شغور المنصب بالوفاة أو بالتخلي لأسباب صحية… ليس عن طريق إنتخابات ستلفظه حتما لو ترشح لها، بل بواسطة ما يمكن وصفه بالمؤامرة الأخرى على الإرادة الشعبية، وهو الإغتيال الثاني الكبير للديمقراطية بعد إنقلاب 1992 الذي ستحل بعده كارثة وخراب جديد لا يستفيد منه بؤساء الجزائر طبعا، الذين هم الأغلبية الساحقة من الشعب، وستعود كل الفوائد على مصاصي الدماء وتجار الموت المتربصين.
ربما الصورة تجلت بعض الشيء عن سر بقاء هذا الرجل واقفا وصامدا في حزب أغلب قيادته من أبرز الإنتهازيين في الجزائر الآن، فقد إنقلبوا على الجنرال محمد بتشين لما صار غير مرغوب فيه بدوائر القرار، ومنه طبعا إستهدفوا رأس الرئيس الاسبق اليمين زروال، وهنا أغتنم الفرصة على ذكر الرئيس زروال حيث تلقيت رسائلا تلومني لعدم التحدث عن شخصه أو عن حكمه، ولهذا أؤكد على سبيل التذكير بإختصار أن فترته كانت دموية للغاية وتحت وصايته أباد الجنرالات شعبنا عن طريق مجازر قذرة ستظل لعنة أبد الدهر، ولكن في الوقت نفسه له موقف مشرف فقد آثر العودة لبيته وهجر السياسة للأبد بدل البقاء في رئاسة أدرك أنه مجرد دمية ووظيفة صورية لا تقدم ولا تؤخر شيئا، ورفض أن يظل مجرد بيدقا في أيادي تلطخت بدماء الأبرياء كما ثبت لديه، وفي مفهومي أن ما يحدث الآن هو تراكمات بدأت منذ 1962 وتواصلت كومة الثلج في التدحرج وهي تكبر شيئا فشيئا، ولكل فترة معطياتها التي تزيدها إنتفاخا، حتى وصلنا لحال لا نحسد عليه أبدا، والأيام القادمة والمستقبل أخطر بكثير إن لم نتحد هذا النظام المتعفن، وأولويتنا هي هذه المرحلة الخطيرة من عمر مأساتنا التي عمرت…
قلت أن “الإنتهازيين ” وبإمتياز قد جاءوا من مدرسة مرموقة وإحترافية في الفساد والرشوة والمحسوبية وللأسف تحت عنوان بارز إسمه “حزب جبهة التحرير الوطني”، وإلتحقوا بحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي ولد من فراغ بشنباته كما يشاع في الجزائر، وجمع في سلته عصابات ولصوص ثبتت عليهم الإدانة في كل الجرائم التي أقترفت وحتى تلك التي هي على الأبواب… أكثر مما ذكرنا في إطار هذه التشكيلة فقد تم بالأمس – غير البعيد – الإغتيال البشع وعلى المباشر للثوري التاريخي محمد بوضياف قبل أن يكمل صناعة هذا الحزب وفق أجندته التي تستهدف المرتشين والمفسدين في عقر دارهم، وأغتيل عبدالحق بن حمودة في يوم إستعراضي بموقف محصن بقلب قصر الشعب “الإتحاد العام للعمال الجزائريين”، وهو أحد أقطاب الحرب الأهلية المشؤومة وصانعي الإنقلاب، لما حاول بن حمودة الإستحواذ على الحزب وفق ما يخدم تطلعاته ورغباته وحساباته، أيضا انقلبوا على الطاهر بن بعيبش كأمين عام وقاد ذلك الإنقلاب رجل المهمات القذرة أحمد أويحيى، لما إنتفخت أوداجه وحاول الخروج عن إرادة الجنرالات في إيصال بوتفليقة للحكم… في ظل هذا الحزب الذي حاله في هذه الصورة البشعة وتاريخه قذر للغاية لا يمكن ان نختزله في كلام عابر، نجد أنفسنا مجبرين هنا على التساؤل حول صمود أويحيى كل هذه السنوات ومن دون أن تطاله موجة الإنقلابات كباقي الأحزاب الأخرى كلها، بإستثناء حركة حمس التي لها حسابات إنتهازية من طراز آخر، ولماذا ظل يتبجح علنا أنه يعرف كيف يعود إلى قصر الدكتور سعدان كلما تم الإستغناء عن خدماته؟ ولماذا يتقلب كالحرباء ففي عهد الحل الأمني كان إستئصاليا للنخاع ولما عزف الجنرالات على وتر المصالحة تسربل ثوبها بلا استحياء؟.
عندما نطرح هذه الأمور ليس من باب محاولة إقناع الناس بان الرجل هو ذيل المخابرات وعون الجنرالات في السلطة التنفيذية، أو انه الوحيد الذي يتفنن في خدمة أولياء نعمته وبإمتياز يفوق حدود التخيل، عكس بلخادم الذي هو بدوره وفي “وفاء الكلاب” لأسياده، إلا أن تاريخه المعروف بالتقارب من دوائر إيرانية وتوجهاته التي تحسب على الوطنيين وقناعاته الدينية، جعلته مجرد مرحلة عابرة وقاطرة وإن إدعى بجرها فهو يهرف فقط، لأن البردعة فوق ظهره والقاطرة تسير أمامه، والذي لم يجد من منفذ يقيه حرج حضور إحتفالات الأرندي في مؤتمره الثالث بعودة الحكومة إلى أحضان أمينه العام، سوى البقاع المقدسة – كما يروج طبعا – التي ستكون ملاذا وتحت أعتاب الكعبة فرصة الخشوع بالدعاء لنفسه بالعودة حيث كان، وعلى خصومه بالسخط والسقوط والداء العضال… وسيوضع تحت وقع صور تجعله في قمة الخجل والحنق بلا شك لما يجد غريمه الذي قاد بنفسه حملة إسقاطه في 2006 وإن جمعهم بدعا ما يسمى الإئتلاف الرئاسي، يتبختر كالديك الرومي من على المنصة كأمين عام للحزب وفي جيبه ختم باسم رئيس الحكومة…
غير أن حقيقة أحمد اويحيى وعلاقاته بالجنرالات لا يختلف فيها حتى المتسولون على أرصفة طرقات الجزائر العميقة، ولكن نريد وبكل حرص أن ننبه – على الأقل – هذا الشعب بمصيره الذي كان من قبل مجهولا وصار اليوم معلوما وهو “الخراب” بلا تنميق ولا تردد، وذلك بفضل حكام من طينة “أحمد أويحيى” الذين إحتلوا قمة هرم السلطة منذ بداية التسعينيات، وتراهم ينفقون الوعود ذات اليمين وذات الشمال ولم يتحقق منها أي شيء، سوى تلك الإنجازات التي لا تظهر إلا في التلفزيون الرسمي “اليتيمة” وعلى يد بائع الكلام المعلب المسمى حمراوي حبيب شوقي، وللأسف الشديد يوجد من يصدق ذلك ويطبل له ولا يستحي أمام نفسه على الأقل وليس امام الله، وهو على يقين بكذب ما يروج له.
ربما يراني البعض متحاملا على النظام تحاملا غير مسبوق، أحدهم يبرره بأسباب شخصية مع بعض أطراف في الحكم، وآخر يدعي أنني أعمل لصالح جهات ما في فرنسا أو حتى واشنطن، وبين هذا وذاك من يراني مجرد بائع حديث فارغ لا يسمن ولا يغني من جوع ألهث من خلاله على شهرة أو منصب مفقود… ولكن اترك الحكم للقارئ ولكل مواطن جزائري صادق وغيور، فلينظر من خلال واقعه هو، وليتأمل كل واحد حاله وما عليه وضعه ومنه يعلن موقفا صائبا من هذه الحكومات أو هذا النظام برمته، لأن الحكومات تتغير في تشكيلاتها ولكن النظام ظل يراوح مكانه لم يتجدد ولم يتطور ولن يتفتح ولن يتعدد، فإن كان وضعك – أخي الجزائري – يسير لتحسن وتطور فأتفل في وجهي إن دعوتك يوما إلى الوقوف في وجه هذه العصابة الحاكمة أو عصيانها، وأضرب عرض الحائط بكل ما أكتب، وأغلق القناة الفضائية التي اطل منها عليك… أما إن كان حالك يسير من سيء لأسوأ، فالموقف هنا والشهامة والرجولة تفرض عليك وتقتضي أن تكون لك كلمتك قبل أن تصبح ترى أبناءك يموتون جوعا وبأوبئة فتاكة – عافانا الله جميعا – ولا تستطيع أن تفعل شيئا، بل هناك أمر آخر تأمل حال من يتولون المسؤولية على حسابك أو أولئك الذين يترشحون في البلديات أو الولايات أو البرلمان هل حققوا لك من تلك الوعود التي قدموها من قبل انتخابهم؟ وكيف حالهم المادي الآن؟ وكيف يعيش أبناؤهم وبناتهم وأقاربهم؟ وهل يبذرون المال العام في خدمة الشعب أو في القمار والخمور والسجائر والمخدرات والدعارة والليالي الحمراء؟.
أعتقد أن من ينظر إلى واقعه بعين الصدق وبعيدا عن تأثيرات مغناطيسية لهؤلاء المرتزقة الذين يبحثون عن مصالح أنفسهم وغرائزهم فقط، والشعب هو آخر ما يهتمون به بعد الكلاب التي تحرس بيوتهم وكانيشات بناتهم وفتيانهم المدللين، سيصل بكل وضوح إلى ما نحن نصوره في محطاتنا المختلفة وما نحذر منه دوما، أجد نفسي مضطرا أن أروي حديثا جمعني بأحد النواب البرلمانيين ذات يوم من عام 1998 ولما سألته ببراءة: هل تزور دائرتك الإنتخابية؟ وكان جوابه ما لم أتصوره: ماذا سأفعل بأولئك الرعاة الوسخين؟ رددت عليه وكأنه نحرني: تعايرهم وهم إنتخبوك وأوصلوك حتى صرت تملك محلا فاخرا في بن عكنون !!… رد بعجب آخر: شرفتهم لما قبلت أن أمثلهم، حينها لم أجد ما أقوله وبكل أسف وحنق: نعم… يحق لك أن تصفهم بالرعاة – وان كان الرعي شرف وليس مذلة – ووسخين لأنهم إنتخبوا على قذر مثلك… وسبب لنا ذلك الصداع في ما بعد !!.
على ذكر الإنتخابات فقد إنتخب الشعب الجزائري عام 1991 بأغلبية ساحقة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فصودرت إرادته لأنه “أخطأ الإختيار” على حد زعمهم، وصار أبيا لما رضخ لإرادتهم وتزويرهم واحتيالهم… وطبعا تسبب ذلك الإنقلاب على الخيار الشعبي في حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس، ففاق عدد القتلى 250 الف في حصيلة رسمية، والخسائر المادية أيضا تجاوزت 50 مليار دولار بكثير، ولقد كانت الحيثيات كلها قبل الإنتخابات تؤكد أن الخيار الشعبي سيكون لصالح جبهة الإنقاذ، فترى لماذا تمت هذه الإنتخابات مادام قد بيت لها بسوء والكل نذكر ما قاله سعيد سعدي لعباسي مدني في برنامج تلفزيوني متحديا ومتعجرفا من أن جبهته لن تصل للحكم مهما كان الثمن؟ !! .
أمر آخر من الضروري الإشارة إليه على سبيل المثال لا الحصر، هو أن الشعب الجزائري قاطع انتخابات 27 مايو 2007 بأغلبية ساحقة قاربت 12 مليون جزائري من مجموع يفوق 18 مليون مسجل في القوائم الإنتخابية، وتلك الأقلية المتمثلة في 1.315.686 صوت إختاروا جبهة التحرير، ولكن الرئيس عين زعيم حزب الأرندي الذي لم تبلغ نسبة الأصوات المؤيدة له سوى 591.310 صوت، فما جدوى الإنتخابات إذن مادام ميزان التعيين في السلطة التنفيذية لا يخضع للبرامج ولا للأشخاص ولا إلى عدد أصوات المنتخبين ولا حتى نسبة المشاركة تؤخذ بعين الإعتبار؟ هل التعديل الدستوري في هذه الحالة عبر البرلمان سيحوز الشرعية الشعبية التي يتغنون بها؟.
قد يبررون ذلك من أن الحكومة تنفذ “برنامج الرئيس” الذي إنتخب عليه الشعب، فما فائدة تبذير الملايير على إنتخابات شكلية أفسدت على الرئيس نشوة انتصاره وجعلته بنفسه يحتقر الهيئة التشريعية ولم ينزل ليخطب تحت قبتها منذ إعتلاءه سدة الحكم في 1999؟ أليس من الأجدر إنتخابات رئاسية واحدة في كل خمس سنوات وبعدها يعين الرئيس ما يريد في البلديات والدوائر والولايات والبرلمان والوزارات والسفارات أفضل من خسائر مالية ومصاريف كبيرة لو وجهت للبؤساء لخرج الآلاف من عنق الزجاجة ؟.
أويحيى الذي عاد للحكومة رغم أنف جبهة التحرير التي تتباهى بقيادتها لقافلة العهدة الثالثة لبوتفليقة، أول ما صرح به هو ضرورة الإستيقاظ من ما سماه “وهم البحبوحة المالية”، هذه التسمية التي تشبه لحد بعيد مصطلحاته القديمة “اللاحدث” لمؤتمر سانت ايجيديو وصار في 2005 عرابا لأطروحاته التي صودق عليها من طرف شخصيات توافقية حريصة على مستقبل البلد، وبسنوات قبل وئام أو مصالحة الجنرالات الذين نسخوه وحرفوه وإدعوا حق التأليف والإبداع، كذلك “بقايا الإرهاب”، “المهمات القذرة”، “حملة الآيادي النظيفة”… والتي كلها إصطلحات أثبتت الأيام زورها وكذبها وبهتانها، لقد بررها بما هو إستخفاف بعقول الناس من مختصين في الإقتصاد ومحللين إستراتيجيين، حيث إدعى أويحيى أن مصاريف ونفقات نظام الجزائر تفوق مداخيل الخزينة، فترى أين تذهب هذه النفقات؟ هل حققت شيئا للجزائر والجزائريين كالقضاء على البطالة والحرقة مثلا؟ هل تعتبر هذه النفقات هي السبب الحقيقي الذي دفع النظام إلى العودة مجددا للمديونية، بالرغم من قرار بوتفليقة الذي أعلنه وهو في نشوة عودته من رحلة الموت لفال دوغراس بباريس في جانفي 2006، والقاضي بقرار توقيف الإستدانة بصفة نهائية؟ !!… سنواصل في الجزء الثاني الحديث عن النفقات وبعض النماذج منها وكذلك واقع الفقر وبؤساء الجزائر واشياء اخرى مهمة.
يتبع