نبيل أبو جعفر
كان من المفترض أن ينحصر موضوع النقاش في الحلقة الأخيرة من برنامج
نبيل أبو جعفر
كان من المفترض أن ينحصر موضوع النقاش في الحلقة الأخيرة من برنامج الإتجاه المعاكس بين السفير العراقي المقاوم صلاح المختار والمستشار الأعلى لوزارة الخارجية الأميركية آدم إيرلي على موضوع معاهدة بيع العراق للدولة التي تحتله ـ الولايات المتحدة الأميركية ـ الذي أخذ على شاشة قناة الجزيرة عنوان ” المعاهدة الأمنية بين أميركا وحكومة العراق ” الأمر الذي يوحي للوهلة الأولى ـ سواء تم ذلك عن قصد أم لا ـ إقتصار الموضوع على ” الأمن ” ، واستبعاد واقع الإحتلال وجرائمه وأهدافه الأساسية المتمثلة بامتصاص الثروة والسيطرة الكاملة على هذا البلد العربي ، وليس مساعدته ليكون قويا وديمقراطيا وموحدا الى آخر إدعاءات الإحتلال المناقضة لطبيعته ولما يمارسه على الأرض يوميا .
لكن الذي حصل أن النقاش قد تمحور حول نقطة أخرى ، أو جانب واحد من جوانب موضوع المعاهدة اللعينة وهو ما حاول تكريسه مقدم البرنامج فيصل القاسم كلما أعاد المختار الحديث الى صلب الموضوع، وتلخص هذا الجانب بالسؤالين التاليين : لماذا تصرّ الولايات المتحدة على البقاء ، ولأي هدف تصرّ على توقيع هذه المعاهدة ؟ ، مع ان هذين السؤالين في حدّ ذاتهما ـ ورغم أهميتهما ـ لا يختلف على الإجابة عليهما أي وطنيين أو حرّين في هذا العالم ، والدليل نسبة الإستطلاع الذي أجرته الجزيرة وأذاعته على الملأ في بداية البرنامج وقد جاءت نتيجته لصالح 95 % من الأحرار ، مقابل 5% بالمئة هم أقصى ما أمكن حشدهم من زلم الإحتلال وعملاء مخابراته ومخابرات الأنظمة السائرة تحت طوعه .
غير أن القاسم ـ وهو إعلامي قدير لاشك في ذلك ـ أراد أن يلعب مع السفير المناضل نفس اللعبة الممجوجة التي لعبها قبل بضعة أسابيع مع ضيف مغربي يقيم في أوروبا ويصدر منها مجلة دورية ، حيث عمل على مقاطعته مرارا ، وكرّر أمامه عبارة “هذا كلام مفهوم وإنشائي ” .. الخ !، الأمر الذي أدى الى إرباكه وإفقاده التركيز على إبراز ما أعدّه من وثائق في مواجهة محاوره اللواء .. / المساعد السابق لوزير الداخلية المصري . لكن المختار ليس كصاحبنا الذي تمّت مصادرته منذ بداية الحلقة ـ مع كامل الإحترام له ـ ، وأقصد هنا ان السفير المقاوم يختلف من ناحية الحنكة السياسية والتجربة النضالية ـ كسائر رفاقه من أحرار القوى المقاومة للإحتلال ، الذين لم يبيعوا ضمائرهم ولا بدّلوا تبديلا ـ ، لذلك ، لم تفلح معه محاولة القاسم التي جاءت ـ كما أعتقد ـ ردا على النقد اللاذع والمحق الذي بدأ حديثه بتوجيهه الى غريب التكوين والشخصية أحمد منصور، وبرنامجه الذي استضاف فيه على نفس القناة أحد رموز السقوط من المسيرة العراقية الوطنية ، صاحب اللسانين والوجهين حامد الجبوري ، ناكر الجميل ورفاقية المسيرة التي حملته في غفلة من الزمن ـ كبعض أمثاله ـ الى موقع متقدم في سلم المسؤولية .
نعود للموضوع الأساس ، وهو تركيز الحوار في البرنامج ، أو انحصاره تقريبا ، في ما كان يطرحه القاسم او يكرره بصيغة السؤالين السابقين ، مع بعض الإضافات التفصيلية كقوله لإيرلي : لماذا تصرّون على البقاء في العراق ؟ ، وقوله للمختار : .. وما ضير المعاهدة طالما ان هناك دولا كبرى قد وقّعت معاهدات مماثلة مع الولايات المتحدة ؟
ندرك بالطبع أن كلام القاسم وأسئلته إما تحمل رأي طرف ، أو رد الطرف المعاكس ، أو ربما رأي مشاهد أتاه بالفاكس أوعلى شاشة الإنترنيت .. وهكذا دواليك . ولكنه في هذين السؤالين الأساسيين أراد حصر الموضوع مدار النقاش في نقطة محددة يستطيع إيرلي ان يدلي فيها بدلوه فيها أو يفضّل عدم الخروج عن إطارها ، إن لم أقل أنه أعدّ الأجوبة التقليدية عليها بما يتناغم مع الإدعاءات الأميركية اليومية وإن لم يصدّقها أحد .
في رأيي أن المحاولة لم تنجح مع القاسم ، ولا أتهمه هنا بالتآمر او العدوانية كزميله منصور ، فهو صحافي محترف وناجح ـ سواء اتفقنا معه أم اختلفنا ـ ، وهذه مهنته والحدود التي يمكن ان يتحرك في إطارها دون ان يقع في مطب زميله الذي يتعمّد اختيار ضحيّته من الذين يستطيع افتراسهم بسهولة وحسبما يريد ، بهدف التنفيس عما في داخله أو الإنتقام من الماضي . وانطلاقا من هذا الهدف قام مؤخرا وعلى التوالي باستنطاق كل من مراد غالب وحامد الجبوري، بتصميم مسبق على محاولة الإساءة لكل من الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر ورمز شهداء أمتنا وفرسانها صدام حسين المجيد .أما النقطة التي تمّ جرّ الحوار الى التركيز عليها ، وهي إصرار الأميركان على البقاء في العراق ، فقد نفاها إيرلي مرارا مكررا نفس الجُمل والتعابير كما لو كان قد حفظها عن ظهر قلب ، رغم تأكيدات المختار على ذلك بالأمثلة .
.. وحتما إذا كان من الطبيعي أن ينفي إيرلي سماعه بتصريحات لكبار المسؤولين الأمبركيين مثل الرئيس ونائبه تثبت إصرارهم على البقاء . فإن من الطبيعي أكثر أن نذكره بأمثلة أخرى يعود بعضها الى خمسة عشر عاما من اليوم ، وتحديدا الى 20 أيار/مايو 1993، كقول مساعد وزير الخارجية مارتن إنديك الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في اسرائيل وقتذاك في محاضرة ألقاها بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ما يلي بالنص الحرفي : ” أهدافنا الصريحة تتلخص بتأمين النفط والحفاظ على وجودنا العسكري (في المنطقة ) ، وضرب القوى المناوئة لنا . وبعبارة أخرى أقول : علينا أن نحتوي الشرق الأوسط على الدوام ونجعل منه مركزا لمصالحنا ، وسنعمل مع إسرائيل وليس ضدها “ !
والمعنى نفسه عبّر عنه وزير الدفاع الأميركي وليم بيري في تقرير مكتوب من 305 صفحات ، صدر في مطلع العام 1995 وحمل عنوان “حول استراتيجية أميركا الجديدة للمرحلة القادمة” ، جاء فيه بالنص الحرفي أيضا : ” إن منطقة الشرق الأوسط بالذات نموذجية للمصالح الأميركية على الدوام ، مما يستدعي البقاء فيها على أهبة الإستعداد للتحرك والرد ، إنطلاقا من ان مهمة الحلفاء والأصدقاء الإقليميين ضرورة حيوية للأمن الأميركي تقع على عاتق قواتنا التي يجب أن تتمركز على الأرض .. وباختصار :إنها استراتيجية أميركا في القرن الواحد والعشرين ” .
يبقى القول : على السفير آدم إيرلي أن يرجع الى أرشيف دولته “العظمى” ، او يسأل مسؤوليه الكبار عن دقّة هذه التصريحات ، لئلا تكون مفبركة من قبلنا كما تفعل إدارته .
ملاحظة : كل هذا الذي سبق لا ينفي التسجيل لإيرلي مخاطبته المختار بالسفير العراقي ، في الوقت الذي أسمته الجزيرة في بداية الحلقة “سفير العراق السابق” ، مما اضطر القاسم ـ بعد اعتراضه على ذلك وملاحظة أسلوب إيرلي في مخاطبته ـ الى ” تسميته ” في نهاية الحلقة بسفير العراق ، دون أن يقول السابق “