مرهف مينو
– هل مازلت تؤمن بالحبر ؟
نظرت إليه وهو يشعل سيجارة بيضاء طويلة في يده , ينظر لعلبة التبغ الفارغة في يده ويكلمني .
– ألن نجلس
أعطاني الكرسي الوحيد الموجود وجلس على حافة الرخام السمراء المصقولة .
– ها ؟
المشكلة أعرف عزام وأدرك مدى معرفته بي , يسألني عن الحبر , عن تفاصيل لم يستطع يوما أحد فهمها إلاهو .
كان المتفرج الوحيد في مسرحي , مرآة تطرفي الوحيدة
اقترب هامسا :
– بما تفكر ..؟
لم أجبه بل اكتفيت برشف ما تبقى من كأس الشاي البارد , وأراقب العابرين
– تمشي … تعال
شارع الدبلان يعلن انتهاء يوم متعب وينفض غبار زائريه بكسل , إلا من بعضهم هنا وهناك
لوحات النيون التي تنير المكان تخبو لم يبق إلا بائعي الذرة والفول .
– لم تجب عن السؤال ؟
لم يستطع وجه الطفل الذي يحمله أن يخفي ” لؤم ” السؤال , يحاول دائما أن يستثيرني بسؤال فلسفي يحتاج ساعات من الكلام
– كيف أقنعك اليوم أن تتكلم , منذ وصولك لم أسمع منك إلا ” مسا الخير ” وصمتت
لم يكن لي رغبة اليوم أن أتكلم , بشكل أوتوماتيكي ارتديت ثيابي كيفما اتفق وهرولت مسرعا للقاء المساء معه المليء بالكثير من الكلام والصمت وكميات السجائر التي نستهلكها .
يكلمني عن حبيبته الوحيدة , عمه الذي يعشقه ويصمت كلما تكلمنا عنه .
التفت اليه :
– عزام .. ألا زالت عيناها كبركة السباحة
التفت وهو يبتسم :
– وأخيرا تكلمت , كنت أعلم أنك ستتكلم
– كنت قد قلت لي سابقا إن عيناها كبركة ماء .
أخرج الصورة من جيبه , نظر إليها , وأعادها
– أالن تريني إياها .
– أنت تهرب من سؤالي ….. أعرف ولعك بالنساء ولن أخاطر
سره الذي لا يعرفه إلا انا , قابع في جيبه ناحية القلب , لا ينساه أينما ذهب , لم أسأل يوما نفسي إن كانت حقيقية أم هي نسج خياله فقط
لم يذكر اسمها أبدا أمامي , كان يصفها فقط , كان يقطع جلساتنا أحيانا لينزوي بركن الغرفة ممسكا هاتفه الجوال وهو يكتب الرسائل
خرجنا من الشارع نتبع خط النور المتبقي من مصابيح الساحة الصفراء .
– تذهب للبيت ؟
- لا اليوم نتمشى ….
مقاهي الساحة تودع آخر زبائنها , العمال يلملمون كراسي الخيزران ومظلات القش , شرطي المرور الوحيد يستعد للرحيل
– تعبت
جلسنا على حافة ” مصطبة حجرية “
– كنت أتساءل هل هي حقيقية
أطرق برأسه :
– وهل هناك فرق …. أنت نفسك تغيرت , لم تعد تفرق بين الخيال والواقع , تحاول دائما أن تناطح جدران غير موجودة إلا في رأسك , تكتب عن أرض غير موجودة … تختلق أشخاص من خيالك تلبسهم أقنعة الغير .. ترميهم في أقبية أو تسجنهم داخل فكرك المتعب
صمت …. وأضاف وهو ينظر إلي بنظرة تحد :
– نعم لازالت عيناها كبركة ماء صافٍ ولكن هل ما زلت تؤمن بالحبر ؟
كاتب سوري