بقلم: سعيد الشيخ
راودتني نفسي بالانتحار..
عفوا، هل قلت الانتحار، وأنا اقصد الانتشار؟!
أذاً راودتني نفسي بالانتشار، ومن اسرع انتشارا غير النشر الأليكتروني؟
فأجتهدت في البحث عن مواقع لم يصلها قلمي من قبل.. فوصلت الى موقع تسمع منه قرقعة السيوف، وتقرأ فيه شعارات تدك القصور. ويجتهد صاحب الموقع في ان يخالف المبرزين في المشهد الثقافي العربي
المعاصر. خلاف اساسه الخلاف ولا شئ غير الخلاف. او هو خلاف من حالة اضطراب نفسي، والله أعلم.
بالصدفة كان آخر مقال كتبته يعني بالشأن الثقافي بعدما اصابتني الكآبة بسبب التفكير والكتابة بالشأن الفلسطيني خصوصا والعربي عموما.. اقنعت نفسي ان تداعيات الكتابة في الثقافة ترد للروح ألقا وجوديا بعدما احسست بالروح تذوي رويدا كوردة امام الخسارة المتكررة للسياسة العربية، والتراجع المريع في عالم يتقدم… اذ بعدما استوردنا كل الصناعات من الخارج، جاء دور الزراعة لنستورد البطيخ من قبرص والفلفل من تركيا، والمسلسلات طبعا.. وكأننا كنا عطشى لدراما البيئة التركية التي لم نر فيها على أي حال نوع من “الخلوَعة” على عكس ما يتيسر في الدراما العربية.
أرسلت مقالي الى عنوان الموقع دون أناة وبحماس شديد وكأنني مقدم على فتح سيحقق لي الفوز العظيم، خاصة وان الموقع يعلن انه لكل الكتاب والادباء الشرفاء. وانا من عادتي ان أصدق ما اسمع أو اقرأ، وهذه عادة سببت لي الكثير من المتاعب إذ صدقت مرة وكنت صغيرا في المدرسة الابتدائية ان الدول العربية تعد جيوشها من اجل استرداد المسكينة أختهم فلسطين التي ابتلعها الصهاينة،ومن يومها وأنا تعبان.. تعبان لانني صدقت.
مرت أيام ومقالي لم ينشر بعدما شبع نشرا في مواقع اخرى عديدة… خلال سويعات الفراغ كنت أمر على الموقع لعلّني اعثر على مقالي الذي أحسسته قد تاه في الشبكة العنكبوتية. وخلال هذه السويعات كنت استطيع ان اقرأ بعض العناوين التي لم ألحظها من قبل. احدى هذه العناوين اليك ايها القارئ العربي، تدعوك الى مقاطعة قناة الجزيرة الفضائية وجريدة القدس العربي لأنهما بوقان اسسهما الموساد.
– يا سلام … يا سلام!
رحت أقولها مندهشا على طريقة الطفلة “رفيف” في المسلسل التركي “سنوات الضياع”.
وتذهب بي الذاكرة الى سنوات خلت كنت أقرأ فيها ان حركة حماس الاسلامية هي من صنيعة “اسرائيل”، أوجدتها في الداخل الفلسطيني(الضفة والقطاع) لمنافسة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في منافيها تسعى الى تمثيل كل الفلسطينيين في مفاوضات لتحقيق السلام مع “اسرائيل”.
مرتبكا بيقيني… وهذا ما أراده الفيلسوف صاحب الموقع ان يربك القارئ العربي بمسلمات ترعرعت عبر التاريخ من جيل الى جيل في وجدان الامة .. ورحت افكر على النحو التالي:
اذا الجزيرة والقدس العربي واسعتا الانتشار وصاحبتا الخطاب القومي والوطني من صنيعة الموساد..فماذا يمكن القول في وسائل اعلامية عربية اخرى اسقطت باسم تجديد الخطاب حق الشهداء بالتسمية ووصفتهم بالقتلى والصرعى وكل شيئ يعني الموت الا ان لا يكونوا شهداء ” أحياء عند ربهم يرزقون” حيث نعرف بوعينا كم تحمل الكلمة من معاني القدسية والطهارة. واذا الذين يموتون في سبيل دينهم وأوطانهم ليسوا بشهداء، اذا فمن هم الشهداء؟
ما عادت بي رغبة ان أرى مقالي منشورا في هذا الموقع الذي يشبه صاحبه بأضطرابه، وأخذ ينمو بداخلي احساس الندم ويؤرقني لمراسلتي له… ولكن لم اكف عن زيارة الموقع حتى وقع نظري على مقال تحت عنوان”الانحطاط العربي” بقلم صاحبنا الفذ فأخذت اقرأه مدفوعا بحب المعرفة عن ماهية هذا الانحطاط ، فلكل منا رؤيته في الانحطاط. فأذا بالكاتب المخضرم يصف المواطنين العرب فردا فردا من المحيط الى الخليج بالجهل والامية واشياء اخرى هي من خصوصيات الحمير والغربان.
-“شوفوا ازاي”…
قلتها في نفسي على الطريقة المصرية.
ويضيف بأن النهيق والنعيق اهم شجوا وغناء من صوت الشاعرين سميح القاسم ومحمود دررويش، وهما كما نعلم أهم مفخرتين فلسطينيتين في واقع الثقافة العربية.
أحسست بالدم يغلي في عروقي، في الاثناء وقع نظري على جملة تحدد عدد زوار الموقع..فهدأ دمي وأنا أقرأ ان عدد الزوار “زائر واحد”.. التفت حولي فلم ار الا نفسي انا الزائر الواحد الاوحد في هذه العزلة ..هذه الغيبوبة.
هل قلت خطأ في بداية الحكاية ان نفسي تراودني على الانتحار..فذلك لم يكن خطأ وانا أروم الانتشارفي الموقع الخطأ. في الموقع الذي يستجدي صاحبه الاثرياء العرب لدعم هذا الانحطاط المصاحب بالتخريف.
سعيد الشيخ/ كاتب وشاعر فلسطيني.