ما حدث معنا في دنيا الوطن مؤخراً ما هو إلا نموذج بسيط يدل على هشاشة العلاقة بين الأعلام وأصحاب الأقلام وبنسب متفاوتة “وهذا النموذج ببساطته يعطي مؤشراً لمسالة ربما يتسائل عنها الكثيرون “والسؤآل في معظم الأحيان يدور حول الكاتب وإهمال الموضع الذي ينشره ما يُبعد القراء عن الجوهر إلى تفاهات ومناكفات يستفيد منها فقط من يهدفون لها ويبتعد الناس تدريجياً فتنتهي الفكرة مهما كانت جيدة
ما حدث هنا ، وهي إشكالية بسيطة لو أخذناها بحجمها الطبيعي ، ولكنها كبرت ككرة الثلج وكادت أن تهوي إلى القاع لولا تدارك الأمر من قبل طرفي الأشكال وأعني هنا
( ألادارة والمحتجون ) وحبة من هنا وحبة من هناك انتهى تفاعل الأنهيار في العلاقة بين طرفي المشكلة . وطرفي المشكلة ليس لهم علاقة بجوهر المشكلة الا ان طرف يرى فيها أمر عادي وطبيعي والطرف الآخر يرى فيها أنها مرفوضة .
ولكن ما جرى يجب عدم التوقف عنده لأن هناك خلفية أعتقد أنها خطيرة جدا ً ولولاها لما حدث ما حدث ويحدث باستمرار بين الكاتب وبعض القراء ومراكز الأعلام
سأطرح موضوعاً هنا لم يكن يخطر على بالي إطلاقاً من قبل ولكن تجربتي الأخيرة مع دنيا الوطن وفراس وقبلهما مواقع فتحاوية وحمساوية وقبل كل هذا مع صحف ورقية ذكرتني بأمور وأحداث في غاية الأهمية ربما تفيد إخواني القراء
والكتاب وخاصة أنني تعرضت لحملة من قبل بعض المتابعين والذين كالوا إلي التهم ومنها (العصبوية ومحاولة الاقصاء والتفرد والدكتاتورية وحتى النرجسية ) ولست هنا بصدد الدفاع عن النفس ولكن للدفاع عن قضية مبدأية أئمن بها إيمانا قاطعاً وكلفتني أثماناً باهظة ” ورغم هذا فأنا متهم عند بعض من استهوتهم المسألة
ولا أدري ربما أن بعضهم محق لأن الأمر خرج عن العادة والروتين الذي يعيشه الناس من خلال التلقي المطلق دون البحث أو محاولة إشغال العقل في حيثيات الموضع الذي يُطرح فتجد من يأخذ العنوان ويستند اليه في رأيه أو تعليقه لا بل حتى صورتك وهو يراها كل مرة في حال أو هيئة تختلف عن رؤيته السابقة وذلك حسب مزاجه
واعتقد أن المشكلة تكمن في الثقافة السائدة والتي طغت على جمهورنا من خلال سياسة فرض الأمر الواقع لتمرير مخططات وُضعت لتغييب الاجتهاد والتسليم بكل شيء مهما كان مغايراً لقيمنا ومبادئنا التي تربينا عليها
إنه خلل خطير وكبير ليس لهؤلاء ذنب فيه لأنهم منصهرين ببوتقة العصر رغما عنهم
وأخطر ما في الأمر هنا هو ( وسائل ا لأعلام ) وخاصة شبكات ومواقع النت التي أصبحت المؤثر الأكبر في ثقافتنا
لمعرفة الخلل الكبير الذي تقع فيه بعض وسائل الأعلام والتي ربما يكون بعضه عن علم والبعض الآخر عن جهل “ وشتان بين العلم والجهل ولكن الجهل هو الوصف
الألطف إذا أردنا افترضنا حسن النوايا وخاصة في القضايا التي تمس مصلحة الوطن
لا أدري وهل يحق لي أن اكشف كل أوراقي رغم أن كثيراً من الناس لا يحبون أن يكشفوا أوراقهم حفاظاً على شعرة معاوية مع من لا يرغبون أن تنقطع ” ولكن
بالنسبة لي فالتقطع الحبال وحتى آخر شعرة مع من أجد أن السكوت عن أخطائه
تسبب الضرر للوطن والمواطن
ربما أختلف عن الكثيرين في هذه النظرة إلى الأمور ” ولا أزكي نفسي الأمارة بالسوء ولا أدري إن كنت على حق رغم أن الله تعالى قال ..
( بل الانسانُ على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) صدق الله العظيم “وأسأل نفسي دائما هل أنا على حق ام على باطل ..! والجواب موجود من خلال بل الانسان على نفسه ..وهذا يعود أيضاً لتقييم بعض من لديهم نظرة ثاقبة للأمور وليس لمن هب ودب ممن يرون الأمور من زاوية ضيقة أو ينتهزونها كفرصة للنيل مني وهذا
ولا تزكوا أنفسكم الله يزكي من يشاء صدق الله العظيم .
الحمد ل لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه وأنا لا أجد في مكان مستقراً مريحاً لأني لا أستكين ولا أسلم بالأمر الواقع ولا أهز رأسي على أي شيء حتى لو كان لي نصيب من خلال السكوت والطبع غلب التطبع وهو أمر ليس بيدي
وعندما كان ما جرى في دنيا الوطن من إشكال وتبعه نفس الأشكال في فراس هو سبب مقالي هذا ” فلا يعني أني سأنتقد الموقعين ” لا بل على العكس تماما ً فأنا أشكرهما لأنهما فتحا لي باباً جديداً للدخول في واحة الأعلام الرحبة والمتشعبة وهي فرصة
للجميع لفتح حوار ونقاش حول ما وصلت اليه وسائل الأعلام في عالمنا العربي وفي فلسطين بشكل خاص
الموضوع طويل ومتشعب وسأجزئه إلى فقرات وعلى حلقات حتى يستوفي حقه وليعذرني الأخوة والأخوات لما سأطرحه من وقائع وأحداث وأسماء أشخاص لأن الموضوع لا يحتمل الاخفاء او الاختباء بين السطور ” وكما أنني لا أتهم أحد أيٍ كان ولكن الأحداث والوقائع وكما حدثت تروي وتحدد مكامن الأخطاء والخطايا إن وُجِدت .! وكما أقول دائماً أني أتحمل مسؤولية كل كلمة أقولها وعلى الله الاتكال
(( البداية كانت مع صحيفة الأيام اليومية ))
بداية الحكاية كانت في عام 1997 بعد عام من أوسلوا وعلى صحيفة الأيام اليومية
كانت زاوية للكاتب نمر سرحان (مدير عام في وزارة الثقافة )
وكانت يوميات بعنوان (شبابيك )التاريخ الشفوي لثورة ال 36
كانت حلقات مشوقة تحكي وبأسلوب بسيط وباللهجة الفلسطيني الريفية
قصص وروايات شهود عصر عايشوا ثورة ال36 ” حيث كان الكاتب يتنقل من بلدة وقرية إلى أخرى ويجري مقابلات مع قرويين كبار ممن شهدوا أحداث الثورة ” في البداية كان الأمر مسلياً وقد شد هذا الموضوع الجمهور الفلسطيني لمتابعة المسلسل والذي زاد من أعداد المبيعات في الجريدة رغم قصر مدتها كصحيفة جديدة
كنت أقرأ المواضيع بشغف وأنتظر اليوم التالي لأتابع المواضيع ” إلا أنني فوجئت بأمر خطير جداً من خلال تطور الروايات تطوراً مقلقاً منها حقيقي ومنها مزيف
مؤداها يعني فتح جروح قديمة لخلافات عائلية طواها الزمن وأصبحت في النسيان ” وبدأت اسمع همس الناس حول تلك القضايا مما دعاني لكتابة موضع أرسلته إلى نفس الصحيفة وكان بعنوان ( هل هي شبابيك أم أبواب مشرعة لفتنه ..! )
تحدثت خلاله عن خطورة استمرار هذا المسلسل المريب وطالبت بايقافه وفوراً .
رفضوا نشره في الأيام فتوجهت إلى صحيفة القدس والحياة الجديدة فنشرته الحياة الجديدة مشكورة ” مما فتح الباب لدخول أكثر من كاتب وصاحب رأي فكتبوا وأسهبوا في المطالبة بوقف النشر ” واتصل بي أكثر من شخص يطلب أن نشكل حالة لمنع هذا الموضوع ” اتصل بي رئيس مجلس إدارة الصحيفة غسان الضامن مستوضحا ً .!
والتقيت به في مكتبه وكما التقيت بمسؤول آخر من عائلة المصري وتحدثنا سوياً واقتنعوا بكلامي وحولوني إلى رئيس التحرير الأستاذ أكرم هنيه ” والذي استقبلني بكل ود واحترام واستمع لرأيي بكل انتباه وتفهم وقد شرحت له هواجسي وهواجس الناس مما يمكن أن يترتب على مثل هذا الأمر الخطير من إثارة لعواطف الناس وخاصة أن المواضيع تتحدث عن خيانات من قبل أسماء لأشخاص لهم أبناء وأحفاد بالمئآت ومنهم من هم في السلطة أو مع المقاومة وان السلاح منتشر وبشكل كبير” وطرحت وجهة نظري حول وضع السلطة الحساس وهي في طور النشأة وما زلنا في بداية عهدنا ” وأننا نريد أن نبني الوطن ونؤسس مجتمع قادر على حماية مشروعه الوطني ، لا أن نُحشد الناس ونستنفرهم ضد بعضهم ونحن نعيدهم إلى تاريخ غابر وخاصة أن أحداث (أل 36) كان لها ما لها وعليها ما عليها وما عليها كان أكثر بكثير مما لها ” حيث الجهل والتخلف الذي استغله المستعمرون في ضرب أسافين الفتنة والفساد بين العائلات الفلسطينية آنذاك حتى قتل الثوار بعضهم بعضاً
وقلت له أيضاً ” هل نحن ملزمون بأن يستمر هذا المسلسل .!
وما الفائدة الذي سنجنيها من هذا السرد الذي لا يصلح إلا لشعب وصل من الاستقلال والرفاهية كما هم أهل سويسرا .! ونحن ما زلنا نعيش العشائرية .!
الحقيقة أني خرجت من مكتب الأستاذ أكرم هنيه والذي تحدثت معه ما يقارب الساعة بينما لم يتحدث هو أكثر مما مجموعه دقيقتين ” كان جلها عبارات مقتضبة منها … صحيح …ماشي …. كلامك مزبوط ….ما في داعي …. بنشوف …. بصير خير ….. لا ما يَصح …..معك حق ….. بارك الله بك… وتوكل على الله
خرجت من عنده متوكلاً على الله ومقتنعاً بأن الرجل كصاحب فكر وسياسي لامع ووطني لا يُشقُ له غبار اقتنع بوجهة نظري مما أوهمني بأني سأرى صحيفة الأيام في اليوم التالي خالية من أي شباك أو نافذه تطل برأس الأفعى (الفتنة ) كيف لا .!
والأخ هنية قال لي…. ((توكل على الله )) .!
فعلا توقفت الشبابيك لمدة يومين متاليين فارسلت مقالاً اشكر فيه الأستاذ هنية على جهده وتجاوبه ولكن لم ينشر ” ولكن لم أكن لأتوقع ما تخبئه الأيام ..!
من يتخيل ماذا كان في اليوم التالي .! حصل أمر لا يُصَدق
كان إعلان وعلى الصفحة الأولى ما يلي ….
(( تعلن وزارة الثقافة عقد مهرجان للتاريخ الشفوي لثورة ال36 ))
واستند الاعلان إلى جهود الكاتب المبدع نمر سرحان والدكتور مصطفى كبها
ونشرت مقالة له تشيد بقرار وزير الثقافة والذي كان لحلقاته الرائده (شبابيك ) أكبر الأثر مما حفز وزارة الثقافة لأن تتبنى الفكرة وتعقد هذا المؤتمر الثقافي الكبير
الى اللقاء في الحلقة القادمة
منذر ارشيد