بقلم ناصر ثابت
في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، يتوهمون أن تقديمَهم التنازلاتِ في سبيل
بقلم ناصر ثابت
في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، يتوهمون أن تقديمَهم التنازلاتِ في سبيل تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، مثمرٌ ومفيدٌ، لإصلاح ما أفسده الدهرُ على أيدي الانقلابيين الظلاميين في غزة.
الرئيس محمود عباس، مَثلُه مَثلُ معظم الفتحاويين، طيب إلى حد كبير، يصدق هذه الأوهام الباهتة، والأحلام الساذجة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تصمدُ أمام حقائق التاريخ الدامغة، تلكَ التي رأيناها وقد أثبتتها الأحداثُ على أرض الواقع، وشاهدها بأم عينه المثقفُ والعاملُ ورجلُ الشارعْ.
أزعمُ، وأنا مرتاح الضمير، أن حركة مثل حَماس أنشِئتْ أساساً بهدف إذكاءِ روح الفُرقة والتعصب، وقتل روح الوحدة الوطنية في الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تعملَ يوماً من أجل الوحدة أو من أجل إنهاء الانقسام.
كيف ننتظرُ من هذه الحركة أن تعملَ من أجل الوحدة وقد رأيناها في الانتفاضةِ الكبرى ترفضُ أن تتوحد مع بقية أبناء الشعب الفلسطيني وبحجج واهية تافهة، مع أن الوحدة وقتها كانت مطلوبة ومهمة، وكانت على أساس النضال والمقاومة فقط لا غير. فلم تراجعْ نفسَها وهي تشق الصف، وتنشر الفتنة والانقسام، وتنخر في الجدار الصلب الذي شكلته الفصائل الفلسطينية، لحماية انتفاضة الشعب الفلسطيني، حتى صار مجبراً على الالتزام بإضرابات وفعاليات تقترحها جهتان مختلفتان، واحدة وطنية اعتاد على نضالها وتضحياتها، وأخرى “إسلامية” جاءَت لتفرضَ نفسَها بناء على خطة مرسومة من قبل المحتلين الصهاينة.
وهذا يقودنا إلى الحديثِ ولو باختصار شديد، عما قاله الإسرائيليون أنفسهم، عندما أكدوا أنهم دعموا نواةَ حركة حماس عن طريق فتح المجالات أمامها للعمل على استقطاب المجتمع واستمالته نحوها بشتى الطرق. كما أنهم دعموها بالمال، كما قال حاكم غزة في ذلك الحين (يتسحاق سيجيف)، وهذا فقط من أجل ضمان الفرقة والانقسام في صفوف الشعب الفلسطيني حتى لو كان ذلك بعد عدة سنوات أو حتى عدة عقود.
نعم، أقبل الانتقاد أخي القارئ الكريم أنني كررتُ هذا الكلام في مقالاتي كثيراً، لكنني أرجو منك أن تتفهم أهمية ذلك، فنحنُ نتحدث عن أمر خطير جداً، وأنا أحتاجه في مقالتي هذه حتى أؤكد للجميع أن من يتوقع من حركة مثل حركة حماس أن تعمل من أجل وحدة الشعبِ فهو واهم، واهم، واهم.
حركة حماس رفضت وثيقة الوفاق الوطني التي كتبها الأسرى، مع أن أحد عقلائها في الأسر، وافق عليها ومهرها بتوقيعه بالاشتراك مع الأخ مروان البرغوثي وأخرين. رفضوا وثيقة الوفاق الوطني، ولا زلتمْ تعتقدون أنهم سيعودون إلى “رشدهم” يوما ما، ولم يخجلوا من أنفسهم وهم يزرعون الفرقة والخلاف بين أبناء الشعب الواحد لمدة عام كامل، اعتبره أهل التحليل السياسي أنه من أسوأ الأعوام التي مرت على القضية الفلسطينية على الإطلاق.
تنازلَ لهم الرئيس محمود عباس في المرة الآولى في اليمن، فلم يحركوا ساكناً ولم يفعلوا شيئاً في سبيل المصالحة.
تنازلَ لهم مرة أخرى، في خطابه الشهير في ذكرى الرابع من حزيران، ووافق على ما طالبوا به منذ ارتكبت أيديهم الآثمة جريمة الانقلاب، وهو الحوار غير المشروط، لكنهم لم يفعلوا شيئا، ولم يستفيدوا من هذا التنازل الخطير، الذي أسمحُ لنفسي باعتباره طامة كبرى سندفعُ ثمنها عاجلا أم آجلاً.
ألا تقتضي المصالحة أن يقدم الطرفان من التنازلات ما يسمح بالتقائِهما في نقطة المنتصف؟ فأين هي تنازلات حركة حماس من أجل إبعاد غول الفرقة، وطرد شبح التشتت والضياع؟
الرئيس عباس تنازل لهم، وتقدم خطواتٍ إلى الأمام، لكنهم لا زالوا يتمسكون بمواقفهم المتطرفة، ويرفضون أن يتنازلوا للرئيس عباس مع أنهم تنازلوا لإسرائيل حتى تنجح التهدئة، وتخلوا من أجل إرضائِها عن جزءٍ من اسمهم، وهو المقاومة، ولم يفعلوا أي شيءٍ لخدمة الجهود المبذولة من أجل المصالحة الداخلية، وتحقيق الهدف الأسمى لنا جميعاً وهو الوحدة الوطنية، لأنه ليسَ الهدفَ الأسمى لهم، وأذكِّر القارئَ للمرة المليون أنهم وُجدوا لإحداث الشرخ وافتعال الانقسام، والغريب هو ألا يفتعلوه.
نحنُ باختصار أمام مجموعة مكشوفة أكثر مما نتخيل، لكن مشكلة الشعوب أنها تملكُ ذاكرة قصيرة جداً، وتنسى أن أحد كبار قادة حماس يوماً قال بالحرف الواحد: “إن معركتنا مع فتح هي معركة إسلام ورِدَّة”، أفبعد هذا كلِّه تنتظرون منهم الوحدة؟
رحم الله أباعمار، الذي حاورهم أكثر من عشرين عاماً، ولم يستطع أن يضمهم إلى المنظمة، ولم يستطع أن يفعلَ شيئاً أمام عشقهم غير المحدود للفتن، وتطلعهم إلى الحكم والسيطرة مهما طال الزمن.
هذا أيام القائد الكبير ياسر عرفات، ولا ننسى ما فعلوه أيام عبدالناصر (كإخوان مسلمين) عندما سمحوا لأنفسهم أن يحاربوه داخلياً، وقد تكالبت عليه الأممُ كما تتكالبُ الأكلةُ على قصعتها، متجاهلين أنه كان تحت العدوان الصهيوأمريكي معظم فترات حكمه.
باختصار، الساذجُ الواهمُ هو الذي ينتظر من حركة حماس أن تفعلَ شيئا في سبيل الوحدة وإنهاء الانقسام.
الساذج الواهم هو الذي يعتقدُ أنهم يريدون الحوار وتحقيق الوحدة، كما يبثُّ إعلامهم الكاذب، متناسين حقائق التاريخ التي لا يمكن إلا أن تفرضَ نفسها علينا لأنها حدثتْ بالفعل، وأعطتنا من الدلالات الشيء الكثير.
غير أنني لا أريد أن أغفلَ الجانبَ الفكري من هذا الأمر، بمعنى أن عندَ حركة حماس أسبابها الفكرية التي تمنعها من السير في الطريق القويم، والالتزام بالصراط المستقيم، وهو ما سنفردُ له مقالة كاملة يوماً ما، بإذنه تعالى.