لعل المراقب لأخبار العراق ملتفت أكثر للخبر السلبي وقد لا يكترث بلا إرادة للأخبار السارة المفرحة. والإعلام بصورة عامة مهتم بالأخبار الجذابة لعدد القراء والمشاهدين وهذا همهم الوحيد.
وفي كثر من الأحيان يهتمون بأمر الدعاية لجهة معينة، وغالباً يسلطون الضوء على حدث يجلب الانتباه…لكن قليلاً ما يعطون للخبر السار أهمية.
أقرأ بين الحين و ألفين أن السيد نائب رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ طارق الهاشمي يستقبل وفد من البصرة (ممثل السيد السيستاني) ومن الديوانية رياضيين وشخصيات مختلفة ومن مناطق نائية معدومة من أطراف بغداد…وسوف أركز حديثي حول الزيارة التي قام بها وفد من منطقة الحسينية لمقابلة السيد طارق الهاشمي.
لقد سكنت هذه المنطقة لفترة لا تزيد عن شهر وبضعت أيام…هروباً من أمور ولجوءاً للهدوء…لكنني صادفت المأساة وتعايشتُ مع كل حلوةٍ ومرة…الحلاوة في ناسها البسطاء. يقال أن عدد سكان منطقة الحسينية يزيد عن مليون إنسان…لكن الماء له رائحة كريهة بسبب الخلط بين الماء النقي والماء الثقيل…الشوارع غير مبلطة…فلا يمكن سلكها في الشتاء وفي الصيف غبار السيارات والمارة. المستوصف مزدحم…الأسواق بدائية…محطة الوقود قتال دامي، والغاز لا يحصل عليه إلا من له علاقات خاصة…
هذه المنطقة ليست الوحيدة التي تعاني النقص في كل شيء…فأن أكثر المناطق المحيطة ببغداد في حالة يرثى لها…نعم أمانة بغداد بدأت تهتم بجمالية بغداد، لكن ليس بغداد الأطراف فتلك منسية…حالها حال بعض البلدان التي زرتها لاحظتُ أن الشوارع الرئيسية فيها أبنية فخمة و كل شيء يبدوا متطور ونظيف، لكن حين أسلك طريقاً فرعياً أصطدم بمناطق نائية تفتقر لأبسط مستلزمات جمالية المنطقة فضلاً عن المستلزمات الضرورية…فهم أرادوا تغطية الوضع السيء للمناطق النائية وإظهار ما يلاحظه السائح…أو عندما يمر المسؤول في موكبه.
منطقة الحسينية بحاجة لشبكة مياه صالحة للشرب …وبحاجة ضرورية لشبكة تصريف المياه الثقيلة ولعدد من دور الصحة ومراكز التلقيح ومراكز طبية حديثة. خصوصا تقديم الدعم لمستشفى (حمادي شهاب) سابقاً..والذي يعتبر في حينه من أكثر المستشفيات تطوراً…لكن بعد (الفرهود) لم يبقى شيء يذكر…حتى أنني ناشدت المنظمات الدولية من أجل إيصال ماء صالح للشرب للمستشفى، لأن لا فائدة من المناشدة في تأمين الدواء الضروري للحالات الخطرة.
لكن السؤال الذي يحيرني هو لماذا إقدام الوفود لزيارة السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية…وهو لا يمثل الجهة التنفيذية…لماذا لا يزورون السيد رئيس الوزراء أو أحد نوابه؟
هل بدأ العراقيون يشعرون بأن القائد الوطني الذي يشعر بآلام الفقراء وإن كان رئيس حزب إسلامي سني …لكن نشاطاته وفعالياته ومشاريعه أثبتت خلال الفترة الماضية أنه يعمل من أجل جميع العراقيين دون تمييز…أم أنهم يشعرون أن دور السيد النائب الإنساني بدأ يظهر أكثر من أي سياسي آخر…أم أن مهام السيد رئيس الوزراء كثيرة وثقيلة فيحاول الهاشمي تخفيف الحمل عنه…بتصوري أنهما مكملان للبعض…ويا حبذا لو أصطف معهما قياديين آخرين لكي يثبتوا أنه لا فرق بين أهالي البصرة وديالى والموصول…والديوانية أو إحدى مناطق بغداد النائية المعدومة…لأنه نائب رئيس جمهورية العراق…وليس رئيس حزب إسلامي سني فقط…والمالكي ليس رئيس حزب إسلامي شيعي فهو رئيس وزراء العراق كل العراق.
لقد قرأت أن الهاشمي وعد أهالي منطقة الحسينية بالخير من خلال حديثه مع أمين العاصمة…ووعدهم بالزيارة للإطلاع عن كثب عن أحوالهم…نعم، لكن السؤال الذي يدور في خلدي…لو فرضنا بأن لدى السيد الهاشمي صلاحيات خاصة تمكنه من اتخاذ قرارات لسد احتياجات هذه المناطق النائية… (ماذا سيكون الوضع في حينه) سمعنا وقرأنا عن الفائض الكبير في ميزانية الحكومة العراقية…مع أن إنتاج النفط 3 مليون برميل يومياً كيف يكون الحال لو أصبح الإنتاج 6 مليون برميل يومياً.
لماذا لا تطلق بعض من هذه الأموال الفائضة لبدأ مشاريع شبكات المياه الصالحة للشرب وصرف المياه الثقيلة…وبناء مراكز طبية تليق بكرامة المواطن العراقي…لكي لا تهان داخل العراق قبل خارجه. لا أعرف كيف يمكن لمسؤول في الحكومة أو في مجالس المحافظات أو في مجالس البلديات أن يناموا لياليهم وهم يعلمون علم اليقين أن المواطن لا يعيش حياة البشر…من يكذبني فقد عشت الحالة…ومن لا يصدق فعليه زيارة أمثال هذه المناطق صيفاً وشتاءاً وإن استطاع العيش فيها لأيام وليس أشهر أو سنين.
لو كان هناك قرار من الحكومة العراقية بأن جميع الوزارات (التي تعني بشؤون الخدمات) خصوصاً تزور جميع المناطق المحيطة ببغداد بصحبة وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية. لكي ترى حال الإنسان العراقي…ولكي تأكل من أكلهم وتشرب من نفس الماء وتغتسل به…وتدخل المدارس والمراكز (الصحية)…فالذي يدخلها يمرض…فكيف بالمريض. هل هذا المقترح صعب التطبيق أم أن الظروف الأمنية لا تساعد…لا أعرف السبب في عدم تنفيذه.
هناك سيطرة في مثل هذه المناطق من عصابات تحطم لكي تبني …وتحصل على المال…وتعرقل لكي تسرق…والفساد يجب أن يحارب في كل مكان بجولات وصولات…وليس فقط المليشيات.
أنني أنتظر والكثيرين معي حملة وطنية شاملة تشترك فيها جميع السلطات الرئاسية…حملة من أجل رفع الظلم والمعاناة عن الإنسان العراقي الذي لا صوت له.
أو أنه يجب إعادة النظر في توزيع الصلاحيات، لكي نعطي كل ذي حق حقه…ولكي لا نحمل إنسان أكثر من طاقته…ولكن نوزع المسؤوليات بشكل أوسع لتعم الفائدة ونحصل على المردود.
في الختام…أهنئ السيد نائب رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ طارق الهاشمي لاستقباله الوفود من جميع أنحاء العراق…فهنيئاً له مواقفه وحسن تصرفه…والعراق بحاجة لمن ينظر للجميع بعدالة وإنصاف ولا يفضل طيف على طيف…العراق بحاجة لأب عطوف وقيادات مخلصة تفعل أكثر مما تقول وفعلها تطابق قولها.
المخلص
عباس النوري
2008-06-26
[email protected]