يا سمير سامي القنطار، يا أيها العربي اللبناني، يندي جبين فلسطين خجلاً منك، وتنخلع قلوب الساسة الفلسطينيين كلما مر طيفك على طاولة اجتماعات مجلس الوزراء الفلسطيني الفاخرة، وتخلع الكرامة العربية عباءتها لتندس في ثياب السجن الإسرائيلي التي امتزجت بجسدك، ثلاثون عاماً يا سمير، من الانتماء الصادق لأحد التنظيمات الفلسطينية، ذابت قضبان السجن منك، واستحت، وخزان وجدك يفيض بالأمل الذي مات في قلب الوزراء، ورؤساء الوزراء الفلسطينيين، وفي قلب المفاوض الفلسطيني، وهو يتحدث عن كل شيء مع الإسرائيليين على مدى سنوات التفاوض، تحدثنا عن أنواع بطاقات v.i.p. ، وعن أنواع السيارات المستوردة للقادة وللمسئولين، وعن كيفية التنقل بين غزة والضفة الغربية، وعن الأموال، وعن المصروفات، والمحروقات، وعن النثريات، وعن الحسابات في البنوك، ولم يتحدث المفاوض الفلسطيني إلا قليلاً ـ وخجلاً ـ عنك وعن أمثالك من ألاف الأسرى الذين ما زالوا يعزفون معك تقاسيم الوفاء، ولم يكن الإسرائيليون أكثر احتراماً ورحمة لإنسانيتك من المفاوض الفلسطيني، فمثلك لا يمثل للإسرائيليين أكثر من رقم في الكم العربي المهمل، أنت واحد من مئات ملايين العرب الباحثة عن لقمة العيش الفائضة عن حاجة اليهود، الذين تناسوا أن جيوش العرب والمسلمين قد زحفت يوماً من أجل امرأة استنصرت، فانتصرت، لقد استبدل الإسرائيليون واهمون كل طاقة الأمة العربية، والإسلامية بالمفاوض الفلسطيني، وضيقوا صراع البقاء، والوجود على هذا التراب، فصار نزاع حدود بين الفلسطينيين في غزة وإسرائيل، وبين الفلسطينيين في مدينة نابلس، أو مدينة الخليل وإسرائيل، وأغرقونا في وهم التفاوض على المطالب اليومية، والحاجات الإنسانية، والمصالح الضيقة. تخلينا عنك يا سمير القنطار، وتركناك في السجن دون خجل من أنفسنا، ونحن ننجز صفقة تبادل أسرى مع الإسرائيليين سنة 1983، وتخلينا عنك أنت المنتمي لأحد التنظيمات الفلسطينية، ونحن ننجز صفقة تبادل الأسرى مع الإسرائيليين سنة 1985، وقبلنا بالحجة والتعنت الإسرائيلي؛ لأنك لبناني الأصل، وتركناك في السجن ونحن نخرج مع التوقيع على اتفاقية أوسلو في سنة 1994، وخضعنا للشروط الإسرائيلية، والمواصفات التي منعت خروج الأسرى العرب، وأسرى فلسطين المحتلة سنة 48، وأسرى مدينة القدس، ومن تطهرت أيديهم بالمقاومة. يا سمير القنطار، لقد تخلت عنك الثورة الفلسطينية التي انتميت إليها طمعاً في تحرير الأرض والإنسان، تخلت عنك الثورة عجزاً، أو ضعفاً، أو خذلاناً، أو فشلا، أو طمعاً، أو تكتيكاً، أو للتآمر عليها، فالنتيجة واحدة، فلا الأرض تحررت بعد أربعين سنة من الثورة، ولا الإنسان فك أسره، بل زاد الاحتلال للأرض واكتسب الشرعية ، وصار عدد الأسرى الفلسطينيين والعرب أكثر من عشرة ألاف. لقد جاءك الفرج يا سمير، جاءك اليوم من يحمل همك، ويحفظ مكنون سرك، ويعيش وجدانك، ويقسم بالله على تحريرك من الأسر حتى لو انطبقت السماء على الأرض، فكان بيان حقك وأمثالك حرب لبنان 2006، الحرب التي هزم فيها الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، الحرب التي أهانت إسرائيل، وأسقطت هيبتها، وجردتها من قوة الردع الوهمية، وكان الشعار ” تحرير الأسير سمير القنطار” تحريرك أنت يا سمير، يا من هزمت الجيش الإسرائيلي سنة 1979 عندما اقتحمت مستوطنة ” نهاريا ” فما زلت احتفظ بحديثي الموثق معك في سجن نفحة الصحراوي في غرفة 6 قسم (ج ) سنة 1992، وقد قلت حرفياً ” يعرف الكولونيل ” يوسف تساحور ” الذي أصيب في المعركة بإصابات بالغة، يعرف مضمون العملية الاستشهادية، ويدرك قرب المسافة التي فصلتنا عن قواته، ويقر بأن المعركة كانت وجهاً لوجه.ونحن نعرف يا سمير، أنك لست بقاتل أطفال، وأن الطفلة التي قتلت في اليوم ذاته، قد ماتت بيد أمها التي اختبأت تحت السلالم، وعندما بدأ تبادل إطلاق الرصاص بين مجموعتك والجيش الإسرائيلي، صرخت الطفلة، فما كان من أمها إلا أن تغلق فمها خوفاً، ولم ترفع يدها عن فم ابنتها إلا وقد فارقت الطفلة الحياة، هذا وفق الرواية الإسرائيلية في حينه. اقترب عرسك يا سمير، ولاحت بشائرك؛ بأن معركتك العادلة قد صارت نموذجاً وقدوة لآلاف المقاتلين في غزة، ورفح، وبيروت، وبنت جبيل، وقرى جنوب الليطاني، لقد عاد إلينا زمان المقاومة الحقيقي، زمان كسر إرادة إسرائيل في الميدان، لقد خرجنا من زمان الخوف، والضعف، والتردد، والوهن، ودخلنا زمان الوثوق من النصر، لنزف إليك عروسان؛ الأولى من لبنان؛ يزفها إليك حزب الله، صفقة تبادل أسرى أنت قلبها، صفقة توشك على الانتهاء، وحتماً ستنجح في تحريرك، وإن لم تعجب إسرائيل، فالثانية من غزة؛ صفقة تبادل أسرى مع حماس، إذ لا يعقل أن يتخلى عنك الفلسطينيون مرة أخرى، ولا يزفوك لحريتك في عملية التفاوض الراهنة، بل لا بد من إصرار فلسطيني على تحريرك من الأسر قبل كل الأسرى الفلسطينيين، لأنك أسير فلسطين قبل أن تكون لبناني المولد، وهذا ما يقوله منطق الوفاء، وهذا ما يقوله كل من ذاق مرارة القيد، واكتوى بنار الفراق خلف القضبان؛ وهذا ما تقوله الأغلبية الصابرة من الشعب المكابر في غزة، يقولون: لتمت غزة، ويحرق بحرها، وتسقط الحمم من سمائها، ولتخسف الأرض بغزة، وينشق قمرها، كل ذلك أهون على قلوبنا وعقولنا من أطلاق سراح الأسير الإسرائيلي ” جلعاد شليط ” دون إطلاق سراح أولئك الأسرى المحكومين ظلماً بالمؤبد في سجون إسرائيل، وإلا كيف نصدق يا سمير، أن من يعجز عن فك قيود أسراه بعد عشرات السنين، أمثال: سعيد العتبة، وكريم يونس، وعبد الله البرغوثي، ويحيى السنوار، وسليم الكيالي، وحافظ نمر قندس، وحسن سلامة، كيف نصدق أن من فشل في تحرير الأسرى، سينجح في تحرير فلسطين، وإعادة الحق المغتصب؟ إن من ضحى بالإنسان بلا خجل، قد فرط بالأوطان بلا وجل!