……..من المعروف والمهم جداً قوله أن الإدارة الأمريكية،هي ضد أي مصالحة عربية،خارج إطار الأهداف والمصالح الأمريكية،ومن هذا المنطلق ووفق هذه الرؤيا فهي تقف ضد المصالحة الداخلية الفلسطينية ،بدءً من رفض تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية،وانتهاء باتفاق صنعاء،وكذلك لنا في التجربة اللبنانية خير مثال وشاهد،فهي تضع العصي في دولاب اتفاق الدوحة للمصالحة اللبنانية، وتسعى لتجويف هذه الاتفاق من الداخل،بعد أن خرج إلى حيز التنفيذ والتطبيق الفعلي رغم أنفها،من خلال منع تشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية،وافتعال مشكلة هنا وأخرى هناك،وما تريده هو تفجير الوضع الداخلي اللبناني واستمرار أزمته الداخلية،أما على الجانب الفلسطيني،فالرئيس الفلسطيني محمود عباس أطلق مبادرته للحوار الوطني وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني،وبغض النظر عن العوامل والظروف التي أملت إطلاق هذه المبادرة،والتي لربما كان انسداد أفق التسوية وتعثر،بل فشل وسقوط الرهان على نهج المفاوضات في مقدمتها،وهذا ما اتضح من خلال جولات المفاوضات العلنية والسرية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية،وكذلك لقاءات السلطة مع رئيس ورجالات الإدارة الأمريكية،ومع أن كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ،وفي مقدمتها حماس رحبت بهذه الدعوة،ودعت إلى توفير الأجواء لنجاح مثل هذه الدعوة،من خلال وقف الحملات الإعلامية المتبادلة ،والتحريض والتحريض المضاد،وجبهة اليسار الفلسطيني عقدت عدة لقاءات مع حماس وفتح ،لوضع آليات الحوار موضع التنفيذ،ورغم كل هذا الجهد الذي يبذل فلسطينياً وعربياً،من اجل تذليل العقبات التي تشكل موانع وعوائق أمام انطلاقة جدية لمثل هذا الحوار،إلا أن هذا الحوار ما زال بحاجة لرفع “الفيتو” الأمريكي،والعديد من الأطراف الإقليمية المرتبطة بالطرف الأمريكي،والتي ترى أنه من غير الممكن انطلاق هذا الحوار،دون تطويع حماس وقبولها لما يسمى بشروط الرباعية الدولية والتزامها بالاتفاقيات السابقة،وانطلاقة جدية لهذا الحوار،تعني أن تكون السلطة الفلسطينية،جاهزة لتحمل تبعيات هذا الحوار الوطني الفلسطيني،وخاصة أن السلطة الفلسطينية في أغلب موازنتها تعتمد على المساعدات الخارجية،وهذه المساعدات هي التي تسير عمل الكثير من مؤسسات وأجهزة السلطة،والاتفاق مع حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى،على ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني،وتشكيل حكومة وحدة وطنية،وبدون رفع الفيتو الأمريكي، قد يعني فرض حصار شامل على غرار الحصار المفروض على أهلنا وشعبنا في القطاع،وقطع للمساعدات الدولية،وتقييد حركة وتنقل وسفر رجالات السلطة،وسحب كافة الامتيازات منهم،وإذا ما أردت التطرف،تعرض العديد منهم للاعتقال وغير ذلك.
فهل السلطة الفلسطينية في سبيل حوار مع حماس وإقامة حكومة وحدة وطنية،وإقرار انتخابات رئاسية وتشريعية بمشاركتها، مستعدة أن تقطع الحبل السري مع الدول المانحة،والتي تعد الشريان الرئيسي،الذي يضمن لها الاستمرار في دورها وممارسة سلطتها وصلاحياتها ؟،وهل السلطة الفلسطينية،تولدت لديها قناعات جدية بفشل هذا الخيار وهذا الرهان؟،أم أن المسألة لها طابع تكتيكي واستخدامي،بغرض توجيه رسالة للأمريكان،إما أن يمارسوا ضغوطاتهم على إسرائيل لتلين مواقفها،وتقديم تنازلات جدية،تمكن فريق السلطة من تسويق انجازات ملموسة،تم تحقيقها من خلال التفاوض،أو فالبديل هو العودة لحماس والوحدة الوطنية الفلسطينية.
وانأ أرى أن هناك الكثير من العوامل المتشابكة والمركبة،والتي لها تأثيراتها ودورها في الشأن الفلسطيني،وليس فقط قوة الحضور الأمريكي والإسرائيلي في هذا الشأن،والالتزام الأمريكي خاصة والدولي عامة بأمن إسرائيل ووجودها،وهذا ما عبر عنه الرئيسان الأمريكي ورئيس الحكومة الفرنسية”بوش وساركوزي”،أمام الكنيست الإسرائيلية،بل أن التطورات الحاصلة إقليميا وخصوصاً المتعلقة بالملف النووي الإيراني،وصراع النفوذ والوجود والحضور والدور الأمريكي- الإيراني تحديداً،تلقي بظلالها وتأثيراتها على أكثر من ساحة وجبهة،فإذا ما أخذت الأمور منحاً نحو التصعيد والمواجهة بين أمريكيا وإسرائيل من جهة ومعهما العديد من أطراف النظام الرسمي العربي،وبين إيران وحلفاءها من دول وقوى الممانعة والمقاومة سوريا وحزب الله وحماس من جهة أخرى،فإن ذلك سيجد له تأثيراته وبصماته التصعيدية في أكثر من جبهة وساحة من العراق وحتى فلسطين،وبالمقابل إذا ما اتجهت الأمور بين إيران وأمريكيا وإسرائيل نحو التهدئة ،والاعتراف بالمصالح المتبادلة فهذا أيضاً، سيعكس نفسه وتأثيراته على تلك الساحات،والتي قد تشمل رفع”الفيتو” والاعتراضات الأمريكية على تشكيل حكومات وحدة وطنية فلسطينية ولبنانية.
ولكن العالم والخبير بالسياسة الأمريكية،يدرك تمام الإدراك،أن سياسة الاحتواء والعقوبات التجارية والاقتصادية والمالية والحصار وغيرها،بحق إيران قد أثبتت فشلها،وهناك قيادة مصممة على امتلاك التكنولوجيا والسلاح النووي،وبما يعني تحدي ومخاطر جدية على المصالح والنفوذ والدور والوجود الأمريكي في المنطقة،وهذا بالملموس يعني أن أمريكيا، لن تقدم على رفع”الفيتو” أو المعارضة على تشكيل حكومة وحدة وطنية سواء في لبنان أو فلسطين،وكذلك الأدوات الإقليمية المرتبطة بها غير قادرة على الخروج على عصا الطاعة الأمريكي،ناهيك عن السلطة الفلسطينية القائمة بتكوينها وتركيبتها وبرنامجها وخياراتها،حتى اللحظة الراهنة لم تحسم خياراتها،نحو المزاوجة بين التفاوض والمقاومة،أو نفض اليد من خيار التفاوض والعملية السلمية وفق النهج والآليات القائمة.
ومن هنا أرى أن نجاح الحوار الداخلي الفلسطيني،يجب أن يستند إلى خيارات وقناعات واضحة،وكذلك أسس وبرامج واستراتيجات أيضاً واضحة،وإذا ما أريد للحوار الوطني الفلسطيني،أن ينجح ويحقق أهدافه،فإنه على فريق السلطة أن يدرك،أن وجود “فيتو”أمريكي على هذا الحوار،سيعني منظومة وسلسلة من الإجراءات الأمريكية – الإسرائيلية بحق هذه السلطة،قد تصل إلى ما يحصل حالياً مع الحكومة المقالة في غزة،فهل فريق السلطة الفلسطينية جاهز لتحمل تبعيات ذلك وحسم خياراته،على أساس قطع الحبل السري مع الدول المانحة،وما يعنيه من توقف رواتب لموظفيها ومساعدات للعديد من القطاعات والأجهزة المرتبطة بها وبمصالحها؟.
راسم عبيدات
القدس – فلسطين
27/6/2008