بقلم رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي
العنوان الذي ابرزته فضائية العربية اليوم كان كوقع الصاعقة على الجميع فيما هو “هجوم على السنّة” وذلك ضمن تغطيتها للاحداث الي جرت في شمال لبنان على اثر هجوم مجموعة من السلفية ضد ابرياء وعزّل من السلاح في المناطق ذات الغالبية الشيعية. فضائية العربية معروف للجميع ان السعودية كانت قد أسستها بالتعاون مع الاردن لمواجهة فضائية الجزيرة القطرية وان التسابق المحموم بين الفضائيتين مشخص ولاحاجة لنكرانه. ذلك يعني ان تبعية فضائية العربية للسلفية لايختلف عن تبعية الجزيرة مع فارق التمويل الدولي وان كان كلتا الفضائيتين وبالادلة المادية تستلمان تمويلا من مؤسسات اميركية تحت حجج الدعاية والاعلانات تارة والنهوض بالاعلام الحر ومساندة الديمقراطية حينا اخر. الوتر الذي ضربت عليه فضائية العربية كان بمثابة سبق صحفي لسد الطريق امام فضائية الجزيرة للاستئثار بالموضوع، هذا من جهة اما الجهة الاخرى فكانت تنم عن طريقة التفكير في دهاليز تلك الفضائية والمهمة الاخرى التي أنشات من اجلها وهي تشويه صورة المسلمين الشيعة العرب تحديدا في العالم. مثلا لم نقرأ او نسمع ان فضائية العربية قد تبنت رأيا او قرارا خطيرا من هذا النوع واظهرت مانشيتا كالذي رأيناه اليوم رغم ان الشيعة في العراق قد عمدت فلول السلفية المتمثلة بتنظيم القاعدة على انتهاج الابادة بحقهم وعلانية وباعتراف قادة التنظيم فلم نر مثلا ان كتبت العربية “هجوم على الشيعة”! ايضا ما المصلحة من محاولة اظهار ان السلفية هم السنّة وان السنّة هم السلفية رغم الفرق الشاسع بين الاثنين ورغم مايعانيه وماعاناه السنّة انفسهم من الوهابية والسلفية وما الساحة العراقية الا خير دليل وشاهد! اذن هل ماوراء الاكمة شي لاتريد ان تظهره فضائية العربية بشكل صريح وواضح؟ الاحداث الميدانية تفيد بالاجابة بنعم.
الخلاف السعودي-السوري حول مايحدث في لبنان اساس عناوين وانباء من هذا النوع وماتبني فضائية العربية لهكذا مواقف الا لمحاولة تأجيج الشارع اللبناني وتحديدا السنّي منه لمساندة حكومة السنيورة التي بدأت تفقد ثقة هذا الشارع بقدرتها على ارادة الازمة باعتبارها حكومة لكل اللبنانيين وليس لطائفة دون اخرى. كذلك محاولة مكشوفة من غرفة ادارة الازمات الحكومية في المملكة لزج السلفية في صراع طائفي مع الاخر لاجل ضرب عصفورين بحجر كما يقول المثل العربي الشهير. فمن جهة محاولة للتخلص من الضغط السلفي المتمثل بتنظيم القاعدة داخل المملكة كما حدث مع العراق من خلال التنفيس وتصدير الازمة الى الخارج تحت ذريعة “الجهاد”. اما الجهة الثانية فهي محاولة يائسة لجر سوريا الى صراع طائفي على اعتبار ان الاشتباكات قد حدثت بين العلويين والسلفيين لاجل اظهار سوريا بمظهر الطائفية وهي محاولة مكشوفة لكسب التأييد الخليجي والعربي عموما للسياسة السعودية في لبنان والتي تلاقي اعتراضا من اكثر من دولة عربية وخليجية.
نجاح اتفاق الدوحة بين اللبنانيين يعني بالنسبة الى السعودية خسارة كبيرة لدبلوماسيتها من جهة ولنزاهتها باعتبارها طرفا ووسيطا لانجاح التصالح “لاجل لبنان” كما شيع في اتفاق مكة العام الماضي الذي لم يكتب له النجاح لاسباب عدة اهمها محاولة السعوديين لترجيح كفة الاكثرية النيابية وحكومة السنيورة على الطوائف الاخرى. بيد ان نجاح اتفاق الدوحة سيحرج السعودية حتما خصوصا وان اي اجتماع او تلاقي بين الفرقاء على الارض السعودية لم ينجح حاله حال الاتفاق الذي جرى من قبل سواء بين العراقيين او بين الفصائل الفلسطينية فتح وحماس. كل ذلك يعطي انطباع ويؤكد مدى نزاهة وشفافية اي اتفاق على الاراضي السعودية تكون فيه السعودية طرفا. لذلك فان افساد اتفاق الدوحة بين اللبنانيين يعني ارجاع الامور الى نقطة الصفر لخلط الاوراق وايقاظ الفتنة بوجه اكبر واحداث اضخم ومحاولة لافساد النشوة القطرية التي تفوقت على السعودية كما في العديد من الميادين.
الزيارات المتكررة للمسؤولين الامريكيين لم تكن بعيدة بطبيعة الحال عن مجريات الامور هذه وان دفع الادارة الامريكية بهذا الاتجاه يلاقي ترحيبا من الموالاة خصوصا وان الامر فيه توريط لسوريا ومحاولة لكسر شوكة حزب الله الذي اظهر حنكة شديدة في التعامل مع الازمة وأصر على حل الازمة بين الموالاة والمعارضة على اسس وطنية بعيدا عن الادارة الامريكية واللوبي الصهيوني في المنطقة.
ترى هل ستنجح فضائية العربية في وقت لم تربح فيه الجزيرة من قبل؟ وهل ستسفر الايام القادمة عن تفجير عبوات هنا وهناك في لبنان لحبك القصة بشكل افضل؟ ام ستتراجع العربية عن عناوين نارية مثل “هجوم على السنّة” لكي لاتخسر المزيد من المصداقية والحيادية على الاقل كما خسرت الجزيرة من قبل. واذا لم يكن ذلك ممكنا فهل سنقرأ يوما ما من على شاشة تلك الفضائية “هجوم على الشيعة”؟! الجواب في رحم الايام القادمة.