نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا لها تحت عنوان سياقة سيارات الأجرة بدلا من بناء الجسور مهارات اللاجئين العراقيين تضيع في الولايات المتحدة أوضحت فيه معاناة العراقيين ذوي المهارات الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة هربا من الموت الذي كان يلاحقهم في العراق بسبب مساعدتهم للقوات الأميركية.
فقد نقلت واشنطن بوست عن المهندس المدني هاشم عباس الذي حصل على فرصة اللجوء للولايات المتحدة بعد أن كان يعمل مترجما للجيش الأميركي في العراق، وصفه للحياة التي يعيشها في ولاية تينيسي الأميركية بأنها صعبة للغاية.
ويقول عباس الذي تحدث باستفاضه عن خبرته في بناء المكاتب والجسور في العراق، إنه يعمل حاليا كسائق أجرة في النهار، وفي الليل يعمل في سوق مركزي، وأن كل ما يحصل عليه هو خمسين دولارا في اليوم، مشيرا إلى أن المبلغ لا يكفيه بسبب ظروف مرض الشلل الدماغي الذي يعاني منه ولده.
ويتابع عباس بأن القلق ينتاب العائلة على الدوام لأنها لا تملك تأمينا صحيا لمراجعة الأطباء، مما يضطرون إلى طلب المعونات المالية من المؤسسات الخيرية، الأمر الذي يسبب الكثير من الحرج، متمنيا الحصول على فرصة عمل يستطيع من خلالها ممارسة اختصاصة في الهندسة المدنية لتحسين أوضاعه المعيشية.
أما اللاجئ العراقي أثير مسلم الذي يسكن في ولاية فيرجينيا فقد قال إنه كان يحلم بالقدوم إلى الولايات المتحدة منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره ولكن لم يكن يتوقع أن يبقى بدون عمل لثمانية أشهر مضت ، مشيرا إلى أنه لا يستطيع العودة إلى العراق، وأنه لا يحب البكاء على أكتاف الآخرين، مؤكدا أن كل ما يريده هو البدء من جديد على الاراضي الاميركية.
وتنقل الصحيفة عن فراس الصفار الذي كان يدير مطبعة ناجحة في بغداد قبل سنتين. إذ حصل الصفار على عقود مع السلطات الأميركية في العراق لطبع كتيبات لبعثات المساعدة، وملصقات لوحدات الجيش الأميركي، فضلا عن طبع ملايين النسخ من الدستور العراقي الجديد.
أما اليوم فالصفار الذي يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، لاجئا عاطلا عن العمل في مدينة تاكوما بارك في ولاية ميريلاند الأميركية، بعد أن جاء إلى الولايات المتحدة ضمن مجموعة من العراقيين من ذوي الخبرات الفنية، تلقوا امتيازات هجرة خاصة، اثر التهديدات التي تعرضوا لها، بسبب عملهم مع منظمات أميركية. وبالنسبة للكثيرين مثل الصفار فالعملية تعد استبدال الأمن الاقتصادي الذي كانوا يتمتعون به في العراق بالأمن الشخصي على الأراضي الأميركية.
ويقول الصفار الذي جاء الى الولايات المتحدة مع زوجته وابنتيه الصغيرتين ليعيش في شقة صغيرة تضم سريرا وبعض الألعاب التي تم التبرع بها، يقول إن أكثر شيء يتمنى امتلاكه هو حاسوبا دفتريا يحتوي على صور عمله في العراق، صورٌ يأمل من خلالها الصفار الحصول على مهنة جديدة في الولايات المتحدة.
ولكن صحيفة واشنطن بوست ترى أن الصفار حصل على أكثر مما حصل عليه الآخرون. إذ تؤكد الجماعات الأميركية المؤيدة لقضية هجرة العراقيين المتضررين من الحرب إلى الولايات المتحدة، بأن الآلاف من المؤهلين منهم لم يصلوا الأراضي الاميركية بعد، أما أن يكونوا محاصرين في العراق وعرضة للانتقام من المسلحين بسبب مساعدتهم للقوات الأميركية، أو في أماكن أخرى في الشرق الأوسط ينتظرون إجراءات مطولة ومرهقة للموافقة على طلباتهم.
ويبرر مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية بأن أحد أسباب التأخير هو أعباء مكاتب القنصلية الأميركية في العراق والبلدان الأخرى، والسبب الآخر هو الاختناقات الناجمة عن ضرورة الحصول على فحوصات شاملة من وزارة الأمن الوطني، لا سيما للمهاجرين من منطقة الشرق الأوسط في عصر يزداد فيه قلق الإرهاب، حسب قولهم.
ويقول أحد مسؤولي وزارة الخارجية بأن طلبات الهجرة تجاوزت الأعداد المتوقعة، لافتا إلى حصول تغيير كبير في السياسة الأميركية التي كانت تؤيد بقاء العراقيين ذوي المهارات في العراق للمساهمة في إعادة إعمار بلادهم.
ولكن كرك جونسن موظف إغاثة أميركي سابق في العراق يرى أن حكومة بلاده لم تفعل ما يكفي بعد بالنسبة لقضية اللاجئين العراقيين، مشيرا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حثيثة للحفاظ على سلامة العراقيين خاصة الذين أظهروا شجاعة فائقة عندما كانوا يقومون بوظائف الترجمة الفورية ووظائف خطيرة أخرى في مناطق القتال.
ويحاول جونسن الذي يدير منظمة غير ربحية تدعى “مشروع القائمة” لإحضار ألف عراقي، نجح في إحضار واحد وثلاثين منهم حتى الآن، يحاول تشجيع المسؤولين للإسراع بإعادة توطين العراقيين. إذ قام بإحضار عدد من العراقيين الذين قدموا حديثا إلى الولايات المتحدة إلى واشنطن للإدلاء بإفاداتهم أمام الكونغرس وللحديث مع عدد الصحفيين.
ونقلت الصحيفة عن جونسن قوله في ورشة عمل لشؤون اللاجئين في المنطقة عقدت الشهر الجاري، بأن العديد من هؤلاء العراقيين تعرضوا إلى تهديدات او تعذيب أو تعرضت قريباتهم للاغتصاب أو حتى القتل، وذلك كله لأنهم ساعدوا الولايات المتحدة، الأمر الذي يعد وصمة عار لا تتبخر، حسب قوله.
وتقول الصحيفة أن الجزء الآخر من حملة جونسن ركز على مساعدة اللاجئين العراقيين المهنيين على إيجاد فرص عمل مجزية أكثر من سياقة سيارات الأجرة ومراقبة كراج للسيارات والتي تعد مصير أكثر اللاجئين الأجانب المثقفين، مشيرة إلى أن ورشة العمل التي عقدت في الآونة الأخيرة نـُظمت لتعريف العراقيين بسبل اقتناء فرص العمل والتركيز على كيفية إجراء مقابلات التعيين.