، وتهافت من لا مكان له في مستقبل الخريطة السياسية للمغرب على أبوابها المشرعة يمينا ويسارا وعلى موائدها الزاخرة بكل ما تطيب له الأنفس وترتاح له الأنفاس . وهي حركة تهدف بحسب تصريحات أعضائها إلى إعادة ثقة الشعب بالنخب وزرع وعي سياسي جديد يقوم على تحصين وتقوية ما راكمه المغرب من مكتسبات في مجال الديموقراطية والحداثة وحقوق الإنسان ، ويلتزم بالقضايا الكبرى للوطن والمواطنين ، ويتجاوز واقع السلبية والإنحطاط من خلال مواجهة الفساد والمفسدين والتصدي لكل مستفيد من عملية الرجوع بالوطن إلى سنوات الرصاص وعهود الإستبداد .
وإذا كان مهندس الحركة والتابعون له ، والمصفقون عليه ، والمنضوون تحت لوائه لا يملون من تكرار أسطوانة القيمة المضافة التي ستصقل بها حركتهم الجديدة المشهد السياسي المغربي ، ولا يتنافسون إلا على إعلاء شأنها وإبراز أهميتها في الوقت الحاضر وفي مستقبل الأيام القادمة ، ولا يمسهم سوء أو يعتريهم حرج من عزف ترانيم الديموقراطية والحداثة والأصالة والمعاصرة بعيدان الحروف المكونة للشق الثاني من إسم الحركة ، فإن ما جرى في ” سيدي إيفني ” من أحداث ووقائع وانتهاكات لحقوق الإنسان وخروقات للقانون فيما أضحى يعرف بــ ” السبت الأسود في المغرب ” ، كشف النقاب عن حقيقة هذه الحركة ، وأماط اللثام عن مصداقية الشعارات التي ترفعها وأزال الجدية عن الأهداف التي تتغنى بها ، وأثبت بالواضح الملموس صدق ما يقال عنها في السر كما في العلن من كونها ورقة مخزنية جديدة يلعب بها المخزن لعبته القديمة المتمثلة في التغطية على مساوئه المتعددة بصرف نظر الشعب عن جبروت النظام المتحكم فيه ، وإلهائه عن مشاكله اليومية وقضاياه المصيرية بخلق اهتمامات جانبية توحي بأن الأمور على أحسن ما يرام ، وتوهم من يبحث عن الحقيقة بأنه ثمة في البلد ديموقراطية يجب التصفيق عليها بحرارة .
إن حركة موجهة لكل الديموقراطيين كان من الواجب عليها أمام ما حدث من مجازر رهيبة في ” سيدي إيفني ” أن تصدر بيانا تنديديا بما وقع ، وأن تتبرأ من المخزن وطرقه الفريدة في معالجة المطالب الشعبية ، و أن تقوم ــ وذلك أضعف الإيمان ــ بزيارة تضامن ومواساة للمعطوبين والمجروحين والمغتصبات والمعذبات والمكتوين والمكتويات بنيران الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتبين بحق أن شعار القرب من المواطن هو شعار حقيقي يتجاوز حدود الأفواه ليفك القيود والأغلال الموضوعة على رقاب وأعناق وأيدي المواطنين .
إن من يرقص لا يخفي وجهه ، والشمس لا يمكن إخفاؤها بغربال ، هكذا علمتنا الدنيا ، ودنيا السياسة في المغرب قاسية لا ترحم ، فالذي يريد أن يسوس المغاربة عليه أن يدرك أن شعب ” قولوا العام زين ” قد وعى واستوعب الدروس جيدا ، فلا الإنتخابات الصورية تحرك فيه ساكنا ، ولا الأحزاب التي وصلت إلى سن اليأس تبعث فيه أملا ، ولا الحركات البلهاء تدفعه للوثوق بالشعارات المرفوعة إلى عنان السماء، ولا العصي المكدسة في غياهب المخافر والدروب السلطوية تنفع معه إذا ما ثارت ثائرته وحاول حكم نفسه بنفسه .
إنه شعب بدأ يخرج من رحم الخوف والتخويف قويا ، ومن ظلمة الصمت ناطقا بقومة على الطغيان ، ومن جدران الظلم كاسرا ومكسرا للطوق المفروض عليه ، ومن ربق المخزن مؤمنا بأن الكرامة لا ينبغي أن تداس أطرافها بسياسة التجويع والتفقير والتركيع ، ومن حكمة الوقائع مقتنعا بأن له حق في الوطن الذي يعيش فيه ، وأن القبة ما لم تعدل نصوص الدستور المتحكم فيها ستبقى بعيدة كل البعد عن تمثيله والنيابة عنه والنطق بحاله وأحواله ….
إنه شعب جديد يبحث عن همة حقيقية تقوده لتحقيق مطالبه وتسهر على أمنه وترعى مصالحه وتسعى للرقي به في شتى المجالات ، همة توفر له الغذاء والكساء والدواء ، وتعينه على نوائب الدهر ، وتحميه من شر التقلبات السياسية والإقتصادية ، همة تنسى قربها من القصور ، وتبتعد عن سياسة الحرباء ، وتفني ذاتها في خدمة الشعب لا في خدمة صاحبها ومولاها .
فعفوا يا أصحاب الهمة العالية …
ما عاد هذا الشعب كما تظنون
وما عادت رياحه تجري بما تشتهيه سفنكم وأنفسكم .