منذ عهد ديغول مرورا بعهد شيراك وميتران وصولا لعهد ساركوزي, حاولت الجمهورية الفرنسية انتهاج سياسة متوازنة حيال قضية الصراع العربي_الإسرائيلي عامة وحيال محور ولب الصراع”القضية الفلسطينية”
, وتحديدا بعد العدوان الثلاثي”الفرنسي البريطاني الإسرائيلي” على جمهورية مصر العربية,بعد أن أعلن الزعيم جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس عام 1956 , ولعل هذا الصراع هو احد الأسباب الرئيسية في فشل الاتحاد الأوروبي,لانتهاج سياسة خارجية موحدة حيال القضايا السياسية الإستراتيجية الإقليمية والدولية,حيث وجود الشوكة البريطانية في حلق توحيد السياسة الخارجية الأوروبية.
الرئيس الفرنسي ساركوزي, والذي حضر إلى المنطقة في زيارة دامت ثلاثة أيام, زار خلالها المناطق الفلسطينية, وقام بصحبة الرئيس الفلسطيني/ محمود عباس, ورئيس الوزراء/د.سلام فياض بافتتاح المنطقة الصناعية في بيت لحم وقد أدلى بتصريحات معتدلة ومقبولة فلسطينيا, مؤيدا فيها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة, ودعا من على منبر البرلمان الاسرائيي, إلى معارضته لاستمرار الاستيطان كعائق أمام تقدم عملية التسوية السياسية, داعيا إلى حل الدولتين وعاصمتين في القدس الشرقية والغربية, بل وكان ذو خطاب قوي دعا فيه طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, إلى الشجاعة في اتخاذ قرار إطلاق العملية السلمية بشكل جاد, وإخراج مفاوضات القضايا النهائية لحيز التنفيذ العملي,قدس وحدود ولاجئين, وربما فاجأ خطابه في الكنيست الإسرائيلي كثير من المراقبين, على اعتبار أن البعض قدر سياسته صوب الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي,انطلاقا من نسبه إلى أم يهودية, أو انطلاقا من تصريحاته بالصداقة مع إسرائيل, والتضامن معها في وجه الخطر النووي الإيراني, بل وربما هذا الخطاب واللجة المعتدلة الصريحة والجريئة بعيدا عن التحيز المعلن, الذي سبق وان أطلقه الرئيس الأمريكي”بوش الابن” في زيارته الأخيرة للكيان الإسرائيلي, بان أثار حفيظة ركن من القيادة السياسية الإسرائيلية, وربما أثار غضب غلاة التطرف الصهيوني.
فكانت زيارته للمناطق الفلسطينية ومالقيه من ترحاب, وما لامسه من إقدام جاد من القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني/ أبو مازن من اجل تسوية شاملة وعادلة لانتزاع الحقوق السياسية الفلسطينية, وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس, انطلاقا من قرارات الشرعية الدولية, من اجل تحقيق سلام في ربوع المنطقة, وقد لامسنا تعاطفا بل تأييدا فرنسيا لنهج القيادة الفلسطينية الجاد في عملية السلام, والإعراب علانية عن الدعم السياسي والاقتصادي الفرنسي والأوروبي من اجل قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي, فكان الرئيس الفرنسي آمنا في المناطق الفلسطينية التي يحذر دائما قادة الكيان الإسرائيلي من خطورتها وعدم استتباب الأمن فيها, بل ووصفها بالمناطق الخطرة حيث بؤرة الإرهاب, فحضر سالما وغادر سالما ولقي من الترحاب وتأييد دور سياسي فرنسي نزيه وعادل في عملية السلام.
وأثناء مغادرة الرئيس الفرنسي وعقيلته مساء الثلاثاء , وتحديدا أثناء المراسم الرسمية لوداعه في مطار”بن غوريون” حدثت عملية إرباك وهلع نتيجة سماع طلقات نارية,قيل فيها من مصادر الشرطة الإسرائيلية,أن شرطي من حرس الحدود ربما أقدم على عملية انتحار, وهنا تطرح العديد من التساؤلات حول ملابسات تلك الحادثة الخطيرة, وعدم منطقية الادعاء والتبرير العلني, الذي قد يقف خلفه قصد وأسباب غير الادعاء, فلماذا في ذلك الوقت بالذات وفي ذلك المكان؟ وما الذي أثار ذلك الشرطي ليقدم على عملية انتحار؟!! الحقيقة أن الحادثة تثير الاستفسار والنبش في المجهول, أو فيما يراد التعتيم عليه في حال وجود أسباب غير المعلنة, أو حول جهة وصوب إطلاق النار؟؟!!! وربما ننطلق في التشكك بذلك الادعاء انطلاقا من سابقة أقدم فيها مستوطن وشرطي مسلح على اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق”اسحق رابين” وقيل أن القاتل”إيجال عمير” مريض نفسيا وقدمت العديد من التبريرات الغير منطقية, تبين أن ذلك المتطرف خطط أو خُطط له مع سبق الإصرار والترصد, في عملية دقيقة لاغتيال رئيس دولته, نتيجة اختراقه حرمة العدوان, والسعي إلى تحقيق تسوية وسلام مع الجانب الفلسطيني, ونتيجة هذه السابقة, فمن اغتال رئيس دولته ليس مستبعدا عليه أن يغتال رئيس دولة أخرى, ويطلق عليه مريض نفسيا أو عملية فردية, والحقيقة أن الغموض مازال يحيط بتلك العملية الخطيرة, بل هي مؤشر وسابقة خطيرة, عندما يأتي زعيم أو رئيس أي دولة ولا يقدم ولاء الانحياز الأعمى الكامل للأوهام الصهيونية العنصرية, وعلى رأسها شعار”القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية” فربما من يدعوا لغير ذلك ولتقسيم القدس, لتكون القدس الشرقية”عاصمة لدولة فلسطين” ربما في عرف غلاة التطرف الصهيوني يهدر دمه.
فهل كانت فعلا الحادثة مجرد, شرطي حرس حدود, فاضت عليه أشجانه وأحزانه,في تلك اللحظة بالذات ليطلق على نفسه الرصاص؟؟ أم أن إطلاق الرصاص من جهة أخرى أصابت ذلك الشرطي المتواجد بمقربة من الرئيس الفرنسي”ساركوزي” وعقيلته, مما حدا بالأمن لإبراز الأسلحة الأوتوماتيكية, والإسراع بأخذ الرئيس وزوجته إلى داخل طيارة الرئاسة الفرنسية؟؟؟!!! كل هذا يتطلب من الاتحاد الأوروبي خاصة الوقوف عند الملابسات الحقيقية لتلك الحادثة, التي كان بالإمكان تحت أي ظرف من الظروف أن تودي بحياة رئيس الجمهورية الفرنسية, أو أي رئيس غيره يجرؤ على إطلاق تصريحات تعتبر في قاموس برتوكولات بني صهيون جريمة, تستوجب العقاب والمبرر جاهز ,مريض نفسيا أو عملية فردية؟؟؟!!!!!
فهل كانت تلك الحادثة, مخطط فردي للاغتيال, أم هي عملية انتحار, في غير ميدان العشق والأحزان والمعركة؟؟!!!!! على العموم الحادثة مهما كانت ملابساتها المعلنة أو المجهولة, ذكرتني بحادثة اغتيال”الكونت برنادوت” في العام 1947 والذي كان يشرف على قرار التقسيم “181” ميداني, فعندما انتهى من الجانب المقرر للكيان الإسرائيلي, وانتقل إلى الجانب العربي,تم اغتياله بأيدي غلاة الصهيونية, ممن لايؤمنون بالتقسيم أو بوجود غير وجودهم في فلسطين,تحت أكذوبة ارض الميعاد والهيكل والأجداد.