ولا زال يناضل حتى تحرير كامل التراب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، وجاءت حرب تموز 2006 لتثبت أن هذا الحزب لا زال متمسك بقيمه الوطنية والنضالية التي ينادي بها ويمارسها منذ تأسيسه.
ونتيجة الثبات والمبدئية التي يتصف بها هذا الحزب وقادته السياسيين بات هدف تتكالب عليه قوى دولية وإقليمه وداخلية لبنانية، كل هذا التكالب يهدف للقضاء على حزب الله كحركة مقاومة وطنية لصالح مشاريع سياسية أمريكية وإسرائيلية متعثرة في المنطقة رغم حجم الدمار والقتل التي تمارسه هذه القوى بدعم وتأييد من دول وأنظمة عربية باتت لا تخفي تحالفها من أجل تحقيق هذا الغرض.
وبعد فشل الحل العسكري في القضاء على حزب الله وقيادته السياسية والعسكرية أخذت هذه القوى تسخر الكثير من الجهود السياسية والإعلامية للمس بسمعة الحزب ومصداقيته في الشارع العربي عبر بث الكثير من الإشعاعات والأقاويل القائمة على أساس طائفي مقيت، محاولين ربط حزب الله بقوى وعصابات القتل في العراق من منطلق طائفي، كون حزب الله هو حزب شيعي كما هي عصابات جيش المهدي في العراق وغيرها من قوى وعصابات القتل في العراق التي هي في الأصل منتج أمريكي بحت، ولا يوجد هناك وجه للشبه والمقارنة بينها وبين حزب الله الذي يحظى باحترام وتقدير كل القوى الوطنية التحررية في العالم وليس في المنطقة العربية فقط، ومن يتهم حزب الله بالتآخي مع ميلشيات قتلت الفلسطينيين في العراق لا يهدف من وراء ذلك إلا المس العبثي وغير المنطقي بسمعة هذا الحزب وتاريخه النضالي، وقبل محاولة وصم الشيعة كافه بالطائفية المقيتة لنرى واقع القيادات السنية التي تحذر ليل نهار من خطر الطائفية الشيعية المزعومة.
ويحاول البعض الإساءة لحزب الله في استباق الأمور في موضوع مصداقية حزب الله في قضية مفاوضته مع الاحتلال الإسرائيلي في قضية الجنديين الأسريين لديه منذ تموز 2006، ولسان حال هؤلاء يتمنى أن لا ينجح في تحرير أسرى فلسطينيين لكي يستطيعوا إثبات نبوءتهم بأن حزب الله شيء مختلف عما يعتقد أغلبية الشارع العربي، وأن هذا الحزب هو حزب طائفي ليس إلا.
ونحن لا نعلم ما يدور في الكواليس من مفاوضات وعروض من كل طرف للطرف للآخر، ولكن الشيء الوحيد الذي يفترض بنا أن نكون متأكدون منه أن حزب الله لن يترك أية فرصة أو مناسبة لتحرير أسرى لبنانين وفلسطينيين وعرب في صفقة التبادل المتوقعة خلال الأسابيع أو الشهور القادمة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فعلى أصحاب النبوءات توفير جهودهم وأقلامهم وتحليلاتهم لحين إتمام هذه الصفقة ومعرفة نتائجها والظروف التي مرت بها ليحكموا على مواقف حزب الله ونتائج أدائه في هذا الموضوع.
ومن يتمترس خلف آراء مسبقة عن حزب الله لن يرضيه ولن يقنعه أي إنجاز سيحققه حزب الله في موضوع عملية تبادل الأسرى سواء شملت أم لم تشمل سجناء فلسطينيين، وحتى إن شملت أسرى فلسطينيين سيكون حينها موضوع العدد هو محور النقاش وليس المبدأ في هذا الموضوع، مع أملنا بأن يستطيع حزب الله تحرير أكبر عدد ممكن من الأسرى الفلسطينيين القابعين خلف القضبان الإسرائيلية منذ عشرات السنيين.
وقبل توجيه اللوم المسبق لحزب الله علينا أن نوجه رسالتنا وعتبنا لا بل وغضبنا للقيادة والمؤسسات الفلسطينية الحقوقية ونسألها عن حجم الجهود المبذولة في هذا الإطار، فالجهود الفلسطينية في معظمها لم تكن إلا عبارة عن تصريحات سياسية وبيانات إعلامية لا تغني ولا تسمن من جوع، إلى جانب بعض التحركات الجماهيرية الهزيلة في معظمها والتي لن نجد فيها غير ذوي الأسرى وعائلاتهم فقط في معظم الأحيان، مما يجعل مبرر وجود وزير ووزارة لشؤون الأسرى محط نقاش حول ضرورتها من عدمه في ظل الواقع الحالي، وفي ظل “إنجازات” هذه الوزارة التي خلقت انطباع بأن قضية الأسرى هي قضية كنتين وراتب آخر الشهر ليس إلا.
لا بل أن الأدهى من ذلك أنه عندما قامت ثلاث فصائل فلسطينية بأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط تعرضت في حينه لسيل من الهجمات السياسية والإعلامية على خطوتها هذه، ووصل الحد بالبعض للقول بأن أسر الجندي شاليط كلف الشعب الفلسطيني ما يقارب الخمسمائة شهيد وكأن عمليات القتل والمجازر الإسرائيلية ضد قطاع غزة بدأت من لحظة أشر شاليط، ولم تكن هي السياسية اليومية للاحتلال وأجهزته الأمنية طوال ستون عاماً من الاحتلال.
ولننظر كيف يتعامل الجانب الإسرائيلي مع قضية جنوده الأسرى وعائلاتهم وكيف نتعامل نحن مع قضية أسرانا وعائلاتهم، فذوي الجنود الإسرائيليين وصلوا لقصر الإليزيه برفقة رئيس وزرائهم، وصالوا وجالوا في ربوع البيت الأبيض لشرح عدالة قضيتهم، فهل يستطيع رئيس وزرائنا أن يجوب العالم برفقة زوجة فخري البرغوثي الذي أتم اليوم ثلاثون عاماً في سجون الاحتلال ليثير قضيته على المستوى الدولي؟، وهل يستطيع أن يدخل معاناة أسرة الأسير سعيد العتبة لأروقة البيت الأبيض ولقصر الإليزيه، وهو رئيس الوزراء الأكثر قبولاً وترحبياً على الساحة الدولية.
فعندما نعطي نحن الفلسطينيين قضية أسرانا حقها على كل المستويات الرسمية والشعبية والدولية يمكننا حينها توجيه اللوم والانتقاد لغيرنا عندما يقصر في حق قضيتنا الوطنية بشكل عام وقضية الأسرى بشكل خاص، كون العجز والفشل في هذا الموضوع فلسطيني بالدرجة الأولى وعلينا عدم إلقائه لا على حزب الله ولا غيره.