قالوا عن عاطف بسيسو أنه رجل الظل وقالوا أيضا أنه رجل الصرامة في وجه البراءة التي تعبر عن البراءة الإنسانية للشعب الفلسطيني كله بل العربي ، فارس من فرسان الأمة العربية والشعب الفلسطيني رحل عن عالمن
ا ولكن ترك لنا ذكريات الحب والوفاء والنقاء لفلسطين ولشعب فلسطين وللأمة العربية .
في الثامن من حزيران عام 1992 وفي ليل باريس امتدت يد الغدر والقتل الصهيونية ومن معها من القوى التي تعبث في الشأن الفلسطيني وتتعامل مع قوى الإحتلال نفذ الموساد عملية الإغتيال بتوجيه رصاصات من قبل أفراد يركبون الدراجات النارية إلى رأس عاطف بسيسو وعلى بوابة فندق المريديان وهو فندق ينزل فيه المسؤولين العرب بمن فيهم المسؤولين الفلسطينيين وذكرت صحيفة نيويورك تايمز بأن إغتيال عاطف بسيسو في هذا التوقيت هو ضربة قوية لتوجهات منظمة التحرير المحافظة والمتمسكة بالثوابت الفلسطينية .
عاطف بسيسو هذا الفدائي الفلسطيني الذي كان له الشرف بأن يكون أحد مخططي ومنفذي عملية ميونخ إغتالته إسرائيل في تلك الليلة المشؤومة للمناضلين الفلسطينيين والليلة السارة لمن كانوا يترقبون فناءه من الساحة السياسية الفلسطينية والأمنية لبداية مرحلة جديدة ربما أعد لها ما قبل استشهاد عاطف بسيسو حيث كانت بدايات الإتصال الجادي لمقدمات أوسلو مع الجانب الصهيوني وكما ذكر الرئيس الفلسطيني التي بدأت برجال أعمال صهاينة مع أبو علاء قريع .
بعد مرور عشرين عاما تمكن الكيان الصهيوني من تصفية هذا الرجل الجاد ذو النظرة الحادة والموضوعية في مجالات الأمن والسياسة ، في حين أن تلك التصفية يمكن أن لا يقدر لها النجاح إذا لم تتوفر المعلومات الدقيقة لتحركات رجل الظل عاطف بسيسو ، قد اغتالته إسرائيل في عملية سمتها ” غضب الرب ” ، وكانت تلك المعلومات مقدمة من الجاسوس ” عدنان ياسين ” رجل العلاقات الخارجية لسفارة دولة فلسطين في تونس ، والمكلف بتأشيرات الدخول والخروج للطبقة السياسية الفلسطينية .
ويذكر الدكتور أحمد أبو مطر في أحد كتاباته عن عدنان ياسين أنه أعاق دخوله إلى تونس للقاء أبو إياد ” صلاح خلف ” الرجل الثاني في حركة فتح في ذاك الوقت ، وبعد إتصال المذكور بأبو إياد تمكن من الدخول ، وعند خروجه من اللقاء سأله عدنان ياسين عما حدث في اللقاء بينه وبين أبو إياد معاتبا الدكتور ” يعني لازم أعرف من الآخرين عن هذا اللقاء والاجتماع ؟ ” واستطرد قائلا : ” أقلك عنوان الشقة الي تم فيها الاجتماع ؟ ” ، وسأل أيضا عن الأسباب التي دعت عاطف بسيسو لأن يتأخر عن هذا الإجتماع ، وهنا أعلق ، من هم الآخرين الذين أبلغوا عدنان ياسين عن الإجتماع وحيثيات الإجتماع وعنوان الإجتماع ، إذا بالتأكيد هناك شركاء لم يكشف عنهم الستار ومازالوا يتمتعون بالحماية في المؤسسات الفلسطينية ، فعندما تم القبض على عدنان ياسين يوم الإثنين 25 أكتوبر 1993 لم يعتقل معه ولم يكشف النقاب عن إعتقال أطراف فلسطينية أخرى معه .
وعلى لسان الدكتور أبو مطر ، وهنا يبدأ الذهول بالتورية التي مارسها عدنان ياسين عندما طلب من أحد المواطنين الفلسطينيين ثلاث صور لدخول قريب له إلى أراضي تونس فسأله لماذا الثلاث صور ؟ .. فقال له ساخرا : صورة للداخلية التونسية وصورة للملف وصورة للموساد !!، وكما ذكرت التقارير أن هذا الجاسوس المجرم تم تجنيده عام 1991 في باريس وأعتقد من مجريات الأحداث يمكن أن يكون قبل ذلك عن طريق رحلة علاجية لزوجته التي دفع مصاريفها توقيع الرئيس الفلسطيني الحالي 250 ألف دولار .
وقد التقى الجاسوس عدنان ياسين بعاطف بسيسو في فندق المريديان قبل إغتياله بساعات ، وكما ذكرت التقارير أيضا أنه وضع أجهزة تنصت في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ومكتب محمود عباس أبان مفاوضات أوسلو ، وكان الوسيط في تبادل المعلومات إبنه الذي كان له رحلات منتظمة إلى باريس وأوروبا .
تم إعتقال هذا المجرم بمحض الصدفة وبتعاون بين الأمن القومي التونسي والأمن الفرنسي حيث راودت الشكوك تصدير سيارة مرسيدس محشوة بالمتفجرات وأجهزة الإتصالات والتنصت ومصدرة إلى تونس ، وكانت المفاجأة أن المستلم عدنان ياسين ، ومن المفاجئ أن منزله يحتوي على محطة إرسال متطورة .
قامت السلطات التونسية بالتحقيق المبدأي معه واعترف بجاسوسيته مع الموساد ، ومن المرشح أن يكون له ضلع كبير في عملية إغتيال رجل العاصفة أبو جهاد الوزير ، وربما أيضا أن تكشف بعض المصادر عن تجنيده عام 1991 عن تغطية للصدمة الكبرى إذا تم الإعلان عن تجنيده ما قبل ذلك ومسؤوليته عن إغتيال القائد رجل الصمت والمهمات والمتمسك بالخط الوطني المقاوم في منظمة التحرير .
تقول التقارير أن السلطات التونسية سلمته فورا إلى منظمة التحرير نتيجة تهديدات الموساد للدولة التونسية ورفضت تونس عملية إعدامه على أراضيها وتم نقله إلى اليمن وطلبت السلطات اليمنية من منظمة التحرير المحافظة عليه وعدم إصابته بأي ضرر ، وحين عرض على السلطات اليمنية عملية إعدامه خارج المياه الإقليمية رفضت هذا الطلب أيضا ، وتم نقله إلى الجزائر وعاش هناك فترة من الزمن مرفها وبتنسيق بين الموساد وجهات لم يعلن عنها تم نقله في حاله لجوء إلى السويد في منطقة نائية لا يسكنها إلا خمسمائة فرد بعد تغيير في سمات وجهه ، هكذا ذكرت التقارير ، وشكك الدكتور أحمد أبو مطر في عرب تايمز بحكم بلعاوي الذي يدعي الان انه امين سر حركة فتح في الداخل وكأن اللجنة المركزية في الداخل اطار وفي الخارج اطار اخر!!!!!، وربط عدنان ياسين بممثل منظمة التحرير في تونس في ذاك الوقت .
هكذا تمت تصفية مناضل من مناضلين الثورة الفلسطينية الأشداء ، وذكرت بعض الأنباء في ذاك الوقت أن أبو عمار نصحه بعدم السفر إلى ألمانيا ومواصلة رحلته إلى باريس ، قائلا لعاطف : إنني أحس أن هناك في الأمر شيئا ، حيث كان عاطف ممسكا بملف الأمن الخارجي في ساحة أوروبا .
إلتقيت مع هذا المناضل الفذ في اليمن أكثر من لقاء كان آخرها عام 1986 وكان مكان اللقاء في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في عدن ، دار بيننا الكثير من الكلام الذي يخص القوات ووجود الرجل الفاسد عارف خطاب قائدا لتلك القوات وتنقلاته إلى أثينا وقبرص والتي كانت لا تتجاوز شهر بين كل رحلة وأخرى ، وهناك ما لا يقال في هذا الملف ، ومن ضمن المواضيع التي تطرقنا فيها للحديث إعلان الأخ أبو عمار عن نبذه للإرهاب في عام 1986 في القاهرة ، وبجانبه الأخ أبو إياد ، وقد عبر عاطف بسيسو عن امتعاظه بل غضبه الشديد من هذا الإعلان وما سيجر من آليات تنعكس على البرنامج النضالي لمنظمة التحرير الفلسطينية وأشاد بموقف الشهيد الراحل أبو جهاد ، وقال بالتحديد لقد ذهبنا للأخ أبو إياد في الكويت وقلنا له أننا الآن سائرون في طريق إنحراف كامل عن ثوابت شعبنا ، فأجاب أبو إياد : تريدون مني أن أغدر بأبو عمار وهو أخي ورفيق دربي ؟ .. فهذا لن يحدث ودعونا نعالج الأمر بشكل آخر ” .. المهم في هذا اللقاء عبر عن محاولات خلق صراع في داخل جهاز الأمن بينه وبين عضو الإقليم السابق في القاهرة والمسؤول الإداري لجهاز الأمن الأخ أمين الهندي ، وامتعظ من هذا السلوك الذي لا يحبذه في التنافس والصراع .
المهم من هذا الموضوع أن عاطف رحل على تبويب مرحلة جديدة ويذهب العظماء من القادة في بداية كل مرحلة لكي يتسع الطريق لمنفذي هذه المراحل والسؤال : ما هي العلاقة بين التصفيات التي حدثت للقيادات الفلسطينية منظومة المرحلية التي أدت إلى أوسلو وما بعد أوسلو .
في بداية السبعينات خسرت الثورة الفلسطينية رجال أشداء وواثقين من خطواتهم ، أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر ، وبدأ فكر الحل المرحلي والنقاط العشر ، والمرحلة التي تلتها تصفية ماجد أبو شرار والخروج من بيروت وتصفية سعد صايل ، المرحلة الثالثة مرحلة انتقال الثورة من الداخل إلى الخارج في الإنتفاضة الأولى التي هزت أركان العدو الصهيوني وأركان المنظومة الدبلوماسية الدولية ، فكان الثمن لتبويب أوسلو وكلسكة الجيش وقوات الثورة الفلسطينية في المنفى أبو جهاد الوزير ، وكان من المعروف ما هو برنامج أبو جهاد الوزير ولم تأت الظروف لسرد أكثر من ذلك .
على أبواب حرب الخليج دفع الشعب الفلسطيني الثمن أيضا فخسر أبو إياد وأبو الهول والعمري وفي الانتفاضة الثانية خسر الشعب الفلسطيني قائد الثورة الفلسطينية أبو عمار في مرحلية نهجها التشكيك في أداء الانتفاضة والمقاومة وقدرتها على مجابهة العدو الصهيوني ، ونذكر من حيث الذكر أن تصفية عزت أبو الرب ” خطاب ” سفير فلسطين في ليبيا وسفير فلسطين في رومانيا سابقا الذي تم نقله إلى ليبيا في 1989 على أثر رفضه إجراء مفاوضات في رومانيا مع العدو الصهيوني وهو تبويب أيضا لدخول أوسلو .
نلاحظ هنا أن عملية التصفيات للقيادات التاريخية أتت ضمن مراحل ممنهجة لها أبعادها لسلوكية والسياسية وهنا نريد أن نذكر أن في تلك الحقبة تم تصفية رجال أشداء أيضا ، فتحي الشقاقي والشيخ البار أحمد ياسين والرنتيسي وأبو شنب وأبو علي مصطفى وفي المرحلية أيضا إعتقال نائب الأمين العام للجبهة الشعبية سعدات وكثير من النواب الفلسطينيين بغرض تسوية طريق مرحلة يمكن أن يطوع فيها الشعب الفلسطيني للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة التذويب لكل قوى المقاومة ، وهناك كثير من القيادات الميدانية ذهبت إلى ربها راضية مرضية وكانت أيضا ضحية مرحلة بما يتوفر لتلك المرحلة من عملاء وجواسيس كانت مهمتهم أخطر من صواريخ الأباتشي وهي استخدام أجهزة الرصد والمراقبة وتحديث البيانات وذكرت بعض التقارير الصحفية أن لدى السلطة 55 جاسوس محكوم عليهم بالإعدام لم يصدق على هذا الحكم .
ربما فتح ملف العملاء وملف عدنان ياسين له من الأهمية للإستدلال على مطوعين المراحل وربما فتح آليات وعمل هؤلاء كان في وقته عملا خطيرا ومهما ، أما في نهاية هذه المرحلة والتي تحتوي على الشق الأمني في ما يسمى خارطة الطريق فأصبح من المعتاد ومن أصول القانون تسليم الإسرائيليين الضالين في شوارع الضفة إلى سلطات الإحتلال الإسرائيلي وأصبح من المعتاد ومن أصول العمل القانوني هو التعاون مع الأجهزة الأمنية للعدو وليس متابعتها ومراقبتها ومطاردتها وانعكست الصورة بشكل كامل في نهاية المرحلة ، حيث أصبح يطارد المقاتل الفلسطيني وصاحب المبادئ الفلسطينية الوطنية .
لك المجد أخي عاطف في حين لم يتذكرك أحد في الذكرى السابعة عشر لإستشهادك والتي يتمتع فيها الجاسوس عدنان ياسين بالحياة المرفهة ولكن لك المجد ولك الوفاء من كل المناضلين القادمين لساحة النضال والجهاد في الساحة الفلسطينية وسيأتي يوم إذا لم تتمكن تلك الأجيال من متابعة تلك الملفات فستتابعها الأجيال الفلسطينية القادمة ، وكما منعت أخي عاطف من متابعة ملف إغتيال أمير الشهداء أبو جهاد فلقد أغلقت الملفات على كل حالات التجسس التي استهدفت أعظم رجال رجالنا في مرحلة التحرر الوطني .
وفي المرحلية القادمة من سيدفع الثمن من قيادات الشعب الفلسطيني سواء كانت قيادات من الدرجة الأولى أو قيادات ميدانية ، فملف المرحلية لم ينتهي ومازال هناك من المراحل لتطويع حركة النضال الوطني الفلسطيني بما لا يقبل ويجافي ما انطلقت من أجله .
وبعد استشهادكم أيها العظماء في الساحة الفلسطينية نرى خزعبلات التحريف والتنظير يتفزلكون على شاشات الفضائيات لا أدري هل يضحكون على أنفسهم أم على الشعب الفلسطيني ، فطريق فلسطين الذي استشهدتم من أجله واضح المعالم لا يريد فزلكة في النظام والأهداف والمنطلقات ، فهنيئا لك بالشرف الذي نلت أخي عاطف وهنيئا لكل شهداء شعبنا .
بقلم / م . سميح خلف