بداية أسمح لي سماحة الشيخ أن أتقدم لك ولكل شعب لبنان،بكل ألوان طيفه السياسي وفئاته وطوائفه ومذاهبه بالتهنئة ،على ما تحقق من انجاز في وحدة وانتصار كل اللبنانيين ،وإبعاد شبح الحرب الأهلية عنهم،
وهذا لم يكن ممكن تحقيقه لولا ما قامت به المقاومة من حسم عسكري على الأرض،ولولا الجهود الخيرة التي بذلتها قطر حكومة وشعباً،ونحن على ضوء معرفتنا كفلسطينيين بصدقيتكم،وبالقيمتين الرمزية والمعنوية العاليتين واللتان تتمتعان بها في صفوف كل أبنا شعبنا الفلسطيني عامة والحركة الأسيرة الفلسطينية خاصة،وعلى ضوء ما توارد حول استكمال اللمسات الأخيرة على صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وحكومة إسرائيل،فإنه من الهام جداً أن أتوجه لسيادتكم في هذه الرسالة،والتي ما يرد فيها لا يجول فقط في خاطري وفكري،بل في خاطر وفكر كل أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية،وكل أسرهم وعائلاتهم وأبنائهم وزوجاتهم.
· أن الكثير من أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية،وعلى ضوء حالة الإحباط واليأس وفقدان الثقة،من فريق أوسلو والذي ترك مصيرهم رهناً لتقسيمات وتصنيفات واشتراطات إسرائيلية،عناوينها ما يسمى صفقات إفراج وبوادر حسن نية،هي في مجملها لا تشمل،أي من الأسرى الذين هم خارج إطار التصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية،وبالتحديد الأسرى الذي تطلق عليهم حكومة الاحتلال”الأسرى الملطخة أيديهم بدماء الإسرائيليين”،بالإضافة الى أسرى القدس والثمانية وأربعين،والذين تنازل المفاوض الفلسطيني عن حقه في تمثيلهم،وهذا عنا بالملموس مئات الأسرى من المحكومين بالسجن المؤبد،لا أمل لهم بالتحرر من سجون الاحتلال وفق هذه التصنيفات والتقسيمات.
· ومن هنا فالكثير منهم ربط مصيره وعلق آماله على طريق آخر غير طريق التفاوض العبثي،طريق الحرية عن طريق التبادل،وأنا أذكر جيداً مدى الشعور الغامر بالسعادة والفرحة وتوزيع الحلوى وتبادل التهاني،والمتابعة اليومية للأخبار ووسائل الأعلام لحظة بلحظة،عندما أسر الحزب الجنود الإسرائيليين الثلاثة في تشرين أول 2000 والجنديين في تموز/2006 ،بل العديد من الأسرى كانت توقعاتهم عالية جداً،وبدؤوا بحزم أمتعتهم وأغراضهم الشخصية على اعتبار أنهم،سيتحرون من المعتقل،رغم أنف الاحتلال وإدارة سجونه،وسيتحررون من الأسر بعزة وكرامة،ودون أية اشتراطات وتقسيمات وتصنيفات،وستقام لهم حفلات الاستقبال الجماهيرية والوطنية الحاشدة وزغاريد الفرحة والنصر والرقص الشعبي.
· ولكن ما شاهدته ورأيته في المعتقل بأم عيني في 2002 و2003 ،عندما كانت ترد الأنباء والأخبار عن أن الجنود الثلاثة في عداد الموتى، وحتى بعدما أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسمياً،أن الجنود الثلاثة في عداد الموتى،رفض الأسرى تلك الأنباء،وبقي لديهم أمل بأن أحدهم ربما يكون على قيد الحياة،والشيخ حسن وعد وهو معروف بالصدق وقول الحقيقة،ولن يخذلهم أبداً ،وهذه حرب وإشاعات يشنها ويروج لها الاحتلال،ولكن المفاجأة والصدمة للأسرى،كانت كبيرة وقاسية عندما جرت عملية التبادل،والتي ضمت الى جانب عدد من الأسرى اللبنانيين،عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام الخفيفة،ورغم ذلك التمس الأسرى عذراً للمقاومة والشيخ حسن نصر الله،كون الجنود المأسورين كانوا أموات،واليوم يجري حديث عن استكمال إجراءات صفقة تبادل الأسرى بين الحزب وحكومة الاحتلال،وترد معلومات مصدرها إسرائيل ووسائل إعلام أخرى،بأن الصفقة لا تشمل سوى الأسرى اللبنانيين،والحكومة الإسرائيلية تستعد للإعلان عن أن جنودها الأسرى في عداد الأموات،ولن توافق على صفقة تضم أسرى فلسطينيين الى جانب الأسرى اللبنانيين.
· ونحن سماحة الشيخ نتفهم ظروف وحرج الحزب إذا ما كان الجنود الإسرائيليين في عداد الموتى،وندرك أن حجم وشكل صفقة التبادل،سيكون مغايراً لما ستكون عليه،لو كان الجنود أو أحدهم أحياء،وأصدقك القول رغم ذلك فإن وقع الصدمة سيكون قاسياً،بل ومدمراً على أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية،والذين رهن وعلق الكثير منهم آماله بالتحرر من سجون الاحتلال على هذه الصفقة.
· ونحن سماحة الشيخ كلنا ثقة وأمل بك ،إذا ما كان الجنود الإسرائيليين الأسرى أحدهم أو كلاهما على قيد الحياة،أن لا تخذل أبناءك من الأسرى وعائلاتهم،والذين هم يعتبرونك الرمز والعنوان في هذا الجانب،فهناك أكثر من 360 أسير فلسطيني قضوا في المعتقلات الإسرائيلية خمسة عشر عاماً فما فوق،وهناك عدد سيصل مع نهاية هذا العام الى 98 أسير،يكونوا قد قضوا عشرين عام فما فوق،وأكثر من سبعة عشر أسير قضوا أكثر من ربع قرن،وهم يعيشون كل لحظاتهم وأملهم ويرهنون مصيرهم بهذا النهج وهذا الطريق، فكما الهزيمة قاسية ومرة فكذلك الخذلان،وبصراحة كل الآمال معلقة لهؤلاء الأسرى على بيروت وغزة،وحتى نتجاوز لا سمح الله أسوء الظروف والتوقعات،فأرى سماحة الشيخ ضرورة تزامن قضية الجنود الأسرى وترابطها ما بين غزة وبيروت،وبالشكل الذي يضمن أن يتحرر أكبر عدد من الأسرى،والذين هم خارج إطار التصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية،فهما طالت أو تأخرت وتعقدت الصفقة فالمهم أن تشمل الكثير من الأسرى الذين لا أمل لهم بالتحرر عن طريق ما يسمى صفقات الإفراج وبوادر حسن النية، فهذه اسطوانة مشروخة أكل عليها الدهر وشرب،ونحن على ثقة يا سيد المقاومة بأنك حريص على أسرانا كحرصك على الأسرى اللبنانيين أو أكثر،وأنت لن تألو جهداً في هذا الجانب،وأنت تعرف فالمزايدين والمشككين في هذا المجال كثر،فالذين شككوا في النصر التاريخي والاستراتيجي الذي حققه الحزب على العدو الإسرائيلي في تموز/2006 ،وكذلك الذين شككوا في الجدوى من أسر الجندي الإسرائيلي”جلعاد شاليط”،إذا أتت صفقات التبادل ولم تكن بحجم التوقعات،فأنت أعلم بما سيقولونه ويروجون له ويبثونه من سموم وأحقاد وإشاعات وتشكيك،فأنت خير من عرف وخبر هؤلاء في الشدائد والأزمات.
ونحن سماحة الشيخ واثقون من مبدئيتكم وصدقتيكم،ومدى صلابتكم وإصراركم في هذا الجانب،وأنا أدرك أنه لا أحد يستطيع المزايدة عليكم في المقاومة والنضال والصمود،فقد كنتم وشكلتم وانتزعتم هذا اللقب عن جدارة ليس في لبنان وحدها،بل في كل الوطن العربي،ومخاطبتنا لكم جاءت من باب الثقة والاعتزاز بكم وضرورة أن تستمر صورتك المرسومة في أذهان شعبنا وأسرانا كما هي عليه دائماً.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
23/6/2008