عراق المطيري
لم يعد أمر الهجمة الشرسة التي تتعرض لها امتنا العربية مبهم ويعتريه الغموض في أي جانب
عراق المطيري
لم يعد أمر الهجمة الشرسة التي تتعرض لها امتنا العربية مبهم ويعتريه الغموض في أي جانب من جوانبه فقد أصبحت الأحداث تفصح عن نفسها حتى لمن أعمى الله العزيز بصيرته إلا الذين يتمسكون بالإثم وتأخذهم العزة به أو من انتفع على حساب شعبنا فنمت مصالحهم الخاصة نتيجة لسرقة قوت المواطنين وأرزاقهم , فهؤلاء بالتأكيد حسابهم عسيرا وبلا رحمة لأنهم اصطفوا في خانة العملاء وبلا غيرة أو ضمير, ولسنا بحاجة الى تفسير ما آلت إليه الأحداث بعد هذا , فوطننا العربي الواقع في قلب العالم تتكالب الدول القوية على فرض نفوذها عليه بشكل مباشر أو غير مباشر في سباق محموم وإن تبدو وكأنها مختلفة فيما بينها إلا إن حقيقة الأمر يجمعها هدف واحد هو تفتيت هذه الأمة والحصول ولو على جزء منها ومن خيراتها في اقل تقدير وكل طرف يضع في حساباته إمكانياته بالقياس الى إمكانيات الآخرين وقدراتهم الإجمالية في الوصول الى أهدافها , فقدر امتنا أن تكون في هذا الموقع الجغرافي وبهذه المؤهلات وقدرنا نحن المعاصرين لهذه الفترة أن نجاهد من اجل وجودنا فلا نهدم ما بنى أجدادنا من ارث حضاري كبير وتاريخ عظيم , فموقع امتنا العربية هذا وما احتوى من ثروات جعلها في مطمع الدول الكبرى وحتى الصغرى منها , فرفعت الولايات المتحدة الأمريكية راية الاعتداء علينا والهجوم المغولي الهمجي , وفرض الهيمنة , بعد أن انفردت بالقرار العالمي فكذبت دون حياء وزورت حقائق ثابتة وواضحة لتبرر غزوها واعتدائها على شعب العراق وهي على علم كامل بما يمثل هذا القطر من ثقل في ماضي وحاضر ومستقبل الأمة العربية إضافة الى ما يحتوي عليه من ثروات لا يمكن إغفال تأثيرها بالنسبة للاقتصاد العالمي , بينما راح غيرها ممن له مطامع في امتنا بعد أن فرضت سياستها في المحفل الدولي الذي اعترف باحتلالها للعراق يبيح لنفسه ما أباحته أمريكا لنفسها فتدخل الفرس بشكل فاضح في العراق كما سيأتي الحديث عنه لاحقا يشاركون أمريكا في الغنائم ووسعت الحركة الصهيونية من طبيعة سيطرتها على الأراضي الفلسطينية , ونجحت إسرائيل في فرض تنازلات إضافية قاتلة على الحكومات العربية بشأن القضية المركزية لنضال العرب , فلسطين , وصار لبنان ميدان تتمرن فيه مختلف الاسلحة القتالية اليهودية ثم حلبة لصراع القوى التي تختلف في الولاء للوطن أو الأمة أو للأجنبي كجزء من التحالف الأمريكي – الصهيوني – الفارسي , بينما احتلت أثيوبيا الصومال فزادت من بؤس أهله وأصبح الجنوب السوداني مسرح لمختلف التنظيرات والتدخلات الأجنبية ولم يسلم أي قطر عربي من مطمع أجنبي بعد أن استبيح العراق أرضا وشعبا .
إن الولايات المتحدة الأمريكية التي اصطف معها العسكر الغربي في عدوانها على العراق بنسب متفاوتة تمتلك التقنية والقوة العسكرية والإمكانيات القتالية العالية مما يجعلها بكل غطرسة المعتدي ووقاحته تعلن عن غاياتها من العدوان , فاذا كانت في البدء تختفي تحت ذرائع كاذبة لتمرير الاعتداء في الأمم المتحدة كأكبر محفل دولي فقد سقط عنها ذلك القناع فبان وجهها القبيح القذر فلا وجود لأسلحة دمار شامل ولا تهديد للأمن والاستقرار والسلم العالمي ولا غيرها باعتراف قادتها زعماء العدوان أنفسهم خصوصا من غادر منهم موقع المسؤولية في إدارتها , فعادت وتذرعت بحقوق الإنسان وإقامة الديمقراطية , وفشلت في إقناع شعبنا أو غيره , فانفضاح أمرها وما عادت تتستر , فلا يوجد شيء يخفي عورتها النتنة ابتداءا من فضيحة سجن أبو غريب وانعدام ابسط الخدمات الضرورية للحياة اليومية للمواطن كالماء والكهرباء والصحة والتعليم والبطالة , الى يومنا هذا فلا مجال عند احد لتصديقها فكشرت عن أنيابها في الاتفاقية التي تفرض تمريرها الآن بواسطة أقزامها الخنازير عملائها في حكومة المليشيات ولواحقها من برلمان ومؤسسات تشريعية أوجدتها لهذا الغرض , وبذلك فان عدوانها عسكري مقاومته يجب أن تكون بالسلاح مهما كان بسيطا أو متطورا فذلك حق وواجب طبيعي تفرضه كل الشرائع لا جدال فيه يعززه الإيمان بعدالة القضية التي نجاهد من اجلها ليس في العراق فحسب بل في كل شبر عربي يدنسه العدوان الأجنبي من أية جهة كانت وتحت أية ذريعة .
لقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ البداية إنها لوحدها غير قادرة على تنفيذ أهداف عدوانها في منطقتنا العربية , لأنها تدرك من خلال محاولاتها العديدة وتجربتها مع امتنا منذ أن أعلنت عن نواياها الامبريالية كقوة عظمى مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتبنيها للمشروع الصهيوني لإقامة دولتهم اليهودية اللقيطة في فلسطين , إن امتنا صعبة المراس ولا تنقاد للذل والعبودية وان تسلط على رقاب أبنائها عملاء كغالبية الحكام العرب اليوم وان حملوا سيوف القهر إلا إن شعبنا العربي شعب أبي ومجاهد ويتطلع الى الحرية , لذلك لجأت الى استهدافنا من خلال أكثر ما يحاكي مشاعر امتنا ويؤثر في إحساس شعبنا , فاستعانت بمن جندتهم من الملالي , ليس من طائفة معينة بذاتها دون أخرى , فاذا كانت أمريكا في فترة سبعينيات القرن الماضي تدعم الفكر الإسلامي السلفي المتطرف في أواسط آسيا , لمجابهة ومواجهة الاتحاد السوفيتي السابق وحاولت أن تجعل منهم سياجا يحول دون تمدد نفوذ الحزب الشيوعي وفكره المعادي للرأسمالية وتوسعاتها الاستعمارية , وقد نجحت الى حد ما , فان الاتحاد السوفيتي قد انهار وتفتت , وروسيا الدولة الأقوى حينها بين ورثته ظلت منشغلة بلعق جروح ما خلفه الاتحاد السوفيتي لها فانهمكت في مشاكل لا حد لها ولا حصر أهمها الاقتصاد شبه المنعدم ومحاولات فرض وجودها كدولة ذات سيادة موجودة على الخارطة العالمية قبل أن يبتلعها إخطبوط الغرب , وأتمت أمريكا بسط نفوذها على أفغانستان ووفق حساباتها بعيدة المدى لم تشأ القضاء على أسامة بن لادن وتنظيمات القاعدة لاستخدامهم كورقة في لعبة العراق الذي كانت تبيت له العدوان , لإثارة الفوضى بين أبناء شعبنا وهذا ما حصل فعلا , فهل إن أسامة بن لادن وتنظيماته عصي على الإدارة الأمريكية والقوات الغربية مجتمعة الى هذا الحد وهي تفرض وجودها بشكل مباشر أو غير مباشر من الحدود الصينية وحتى منطقتنا العربية كلها بل وقل على العالم كله , وإذا كانت تنظيمات القاعدة تستهدف الشيعة , أليس الفرس من أعلنوا أنهم حماة الطائفة الشيعية وناشري الفكر الشيعي في العالم ؟ فلماذا لا يتم استهدافهم ؟ أم إن شيعة العراق والعرب فقط هم الكفرة حسب وجهة نظر القاعدة ؟ أم إن الانتحاري الذي يفجر نفسه في العراق يذهب الى الجنة ومن يفجر نفسه بين الفرس يذهب الى النار ؟ أو إن من يقتل الأبرياء في العراق يستثاب وله اجر وفي غير مكان لا ؟
طبعا إن قتل الأبرياء في أي مكان من الأرض غير جائز فالقتال له ساحاته المشرفة ولكن تنظيمات القاعدة تفقد دعمها الفارسي أن نفذت عملياتها هناك بينهم كما تفعل في العراق , وإذا كان من مبرر لتكون عملياتهم الانتحارية هنا بين أبناء شعبنا فلتطابق المصالح الفارسية مع ما سعت الى تحقيقه الإدارة الأمريكية من تدمير العراق كقاعدة فكرية ثقافية واقتصادية مهمة وركيزة صادقة وأكيدة من ركائز المشروع النهضوي العربي .
قلنا إن أمريكا جندت الملالي من كل الطوائف لتخريب الدين الإسلامي بسلاحه الفكري والعقائدي , فبعد أن أصبح الشاه المقبور محمد رضا بهلوي ورقة خاسرة بعد اتفاقية الجزائر في 6 آذار 1976 حيث ألزم نفسه بعدم الاعتداء على العراق ورفع دعمه لمصطفى البرزاني لا رحمه الله الذي كان يمارس حرب استنزاف للحكم الوطني من خلال التمرد الذي يقوده في شمال القطر , ولوجود الدجال الكبير السفاح خميني عميل المخابرات الأمريكية والفرنسية المتعطش الى السلطة وصاحب مشروع التخريب ألصفوي الجديد , ولاية الفقيه فقد تم تسليمه السلطة الفارسية بعملية انقلاب استثمرت ثورة شعبهم هناك كنتيجة طبيعية لتعسف أجهزة السافاك ونظام الشاه , فكان خميني الوجه الجديد لشرطي الخليج الأمريكي .
إن ما يهمنا هو ما لعب هذا السفاح خميني وجوقة الملالي التي رافقته في حكم الفرس ليس ما مارسوه في بلادهم فذلك أمر شعبهم , ولكن ممارساته تجاه العراق والمنطقة العربية التي بدئها برفع شعار تصدير ( الشعوذة والانقلاب الفارسي ) الى الخارج , ففضلا عن تمسكه بإقليم الأحواز العربي والتعسف الذي يمارسه بحق شعبنا هناك وتمسكه بالجزر العربية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى فقد حاول شاههم الجديد المعمم التمدد على حساب البحرين ولا زال كما نشر الفتنة الطائفية في اغلب المشايخ المنتشرة على امتداد الساحل الغربي للخليج العربي وآخرها ما يجري الآن في الكويت والبحرين أما بالنسبة للعراق فقد جند عملائه لتنفيذ عمليات تفجيرية في العديد من مناطق العراق بين المواطنين الأبرياء انتهت بشن عدوان استمر لأكثر من ثمان سنوات وحرب ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الجانبين وتخريب البنى التحتية للبلدين وتخريب الاقتصاد واستنزاف القدرات القتالية العراقية التي يجب أن توجه صوب العدو الصهيوني , ولم يقف آيات الفرس عند هذا الحد بل راحوا يجندون العملاء الذين يمارسون التظليل في المحافل الدولية ضد الحكم الوطني العراقي والأقطار العربية ودعموا كل ما يجسد الفتنة الطائفية في كل الأقطار العربية فما زال لبنان يعاني من مشكلة العميل الفارسي بامتياز حسن نصر الله الذي لم يكتفي بتدمير الاقتصاد اللبناني وبناه التحتية بل يحاول الى لحضتنا هذه بكل ما أوتي من دعم فارسي جهده لإرجاع القطر الى فترة الاقتتال الطائفي في أواخر القرن الماضي, غير اليد الفارسية الطائفية الخبيثة التي تمارس أبشع وامكر الأدوار في اليمن ومصر وجنوب السودان والخليج العربي والمغرب العربي وفي الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني وباقي الأقطار العربية .
أما في العراق فقد أخذت اليد الفارسية التي امتدت إليه تستعمل عملائها وبرعاية القوات الأمريكية مهمة تفتيت القطر فبدأت بالفتنة الطائفية التي تصدى لها كل أبناء الشعب العراقي , حيث جندوا لها الآلاف من عناصر حرس خميني وخصوصا ممن يجيدون اللغة العربية من أمثال آل اللئيم طباطبائي ومجلسه وعناصر قوات فيلق غدر ومن غرر بهم من بسطاء شعبنا فانخرطوا في عصابات مقتدى الصدر وبيشمركة الأكراد فشكلوا عصابات الموت التي انتشرت في عموم القطر تشيع الموت بين الوطنيين والكوادر العلمية والأوساط الثقافية وأساتذة الجامعات , غير الفتاوى التي تصدرها المرجعيات الطائفية في المدن المقدسة التي تساند الاحتلال الأمريكي والفارسي ولا تجيز قتاله فشكلت روافد داعمة له لتثبيت أقدامه غير تلك الداعمة لتمرير ملفاته التي يعمل على تنفيذها مثل الدستور وما حمل من أسس خبيثة لما ينادون به من فدرالية لتقسيم القطر , وقانون النفط والغاز والاتفاقية الأمنية بين بوش وزعيم حكومة المليشيات قزمهم المالكي .
إن ما يعلن من عداء بين الإدارة الأمريكية والمتطرفين الإسلاميين المغالين سواء التكفيريين السلفيين وتنظيمات القاعدة أو الفرس الصفويين وأتباعهم من معتنقي نظرية ولاية الفقيه الخمينية على حد سواء ما هي إلا محاولات غير صادقة تهدف الى الالتفاف حول أمتينا العربية والإسلامية وقطع جذورها التاريخية والابتعاد بها عن مواجهة العدو الحقيقي , الامبريالية بمختلف أطرافها والإبقاء على امتنا في وضع لا يسمح لها بالاصطفاف بين الدول المتقدمة بل وإنهاء وجودها وتذويبها , خصوصا بين الأجيال الناشئة التي نخشى أنها لا تجد من يحتضنها فتضل عن جادة الصواب .