من يتصور أن المعلومات التي يتم طلبها عبر شبكة الإنترنت تأتيه من جهاز مركزي كبير في العالم ، يكون مخطئا بالتأكيد .! إذ أن المعلومات التي يتم طلبها قد تأتيك من جهاز كمبيوتر قريب منك وربما يكون في بيتك أو مؤسستك تكون المعلومة التي طلبتها موجدة فيه بشرط أن يكون هذا الجهاز مفتوحا ومرتبطا بالشبكة العنكبوتية العالمية ، وما وظيفة برنامج جوجل أو برامج البحث الأخرى إلا البحث عن هذه المعلومة في كافة الأجهزة في العالم المرتبطة بالشبكة وإرشاد الطالب بعدد العناوين التي تحتوي على المعلومة ، وما عليه إلا أن يحدد العنوان الذي يريده كي يستخرج البيانات المطلوبة ، وإن لم يجد ما يلائمه ، فيلجأ إلى عنوان آخر قد يجد فيه الجواب الشافي ، أو بإمكانه تجميع عدد من البيانات في أكثر من عنوان حتى يكتفي بما يريد .. من هنا يتضح أن شبكة الإنترنت في العالم غير مملوكة لأحد بقدر ما تكون أجهزة الربط والخطوط بأنواعها هي المملوكة لشركات كبيرة تتحكم في إيصالك أو ربطك بالشبكة العالمية مقابل دفعك النقد الملائم لطلبك من حيث السرعة والجودة التي تريدها ..إذن في كل بلد توجد شركة ، أو شركات قد تكون حكومية وقد تكون خاصة تمتلك إمكانية ربطك بالشبكة من خلال الخطوط التليفونية أو موجات المايكرويف مقابل أن تدفع لها السعر الذي تحدده هذه الشركة بالاتفاق مع الحكومة التي منحتها حق الامتياز ، وهذه الشركات قد تمتلك أجهزة حديثة غالية الثمن وتوفر خدماتها عالية الجودة ، وقد تكون تمتلك أجهزة قديمة ، أو ذات نوعيات قليلة الجودة يعاني منها المشترك .. ومن الواضح أن الدول العظمى والمتقدمة توفر هذه الخدمات بجودة عالية وبأسعار قليلة تلائم مستويات الدخل وأحيانا بسعر التكلفة لأنها تعرف مدى انعكاس ذلك على مختلف مجالات الحياة ، فتعمل على تطورها ونموها .. أما الدول النامية فلا يهمها ذلك بقدر ما يمكنها من جباية الأموال من كافة الفئات والطبقات ، مثل أسعار الاتصالات التليفونية والخدمات المشابهة ، وبعض الدول مثل الولايات المتحدة تقدم خدمات الإنترنت شبه مجانية لأنها تعتمد بدرجة كبيرة على جباية الأموال من خلال شركات الدعاية والإعلان والتسويق وغيرها .. أما الأمر لدينا فهناك شركة واحدة محتكرة لهذه السوق وهي تعرف أنه لن يستمر احتكارها إلى الأبد ، وبالتالي تريد أن تجمع أكبر قدر ممكن من الأموال في الفترة القادمة والتي تعمل على تطويلها بقدر الإمكان ، فهي قد منعت ترخيص شركة أخرى فترة طويلة من الوقت ، وما زالت تحاول عرقلة عملها لأكثر من سنة ، وكذلك منعت المواطنين من ابتياع أجهزة التقاط الانترنت عبر الصحون اللاقطة إذ من المعروف أن بإمكان المواطن استقبال خدمة الإنترنت من خلال جهاز يمكن شراؤه مرة واحدة ولا يبلغ سعره اشتراك لمدة سنة واحدة في شركة الاتصالات الفلسطينية .. طبعا بالاتفاق مع حكومتنا الأغر ! وهي كذلك وظفت شركات صغيرة تابعة لها مثل شركة حضارة وغيرها كل هذه الأمور تزيد من الأسعار التي يتحملها المواطن فقط !ومستخدمو الإنترنت نوعان مرسل ومستقبل ، مرسل صاحب موقع يحجز مساحة صغيرة أو كبيرة يتم مقابلها دفع اشتراكا سنويا أو شهريا حسب المساحة التي يحتاجها ، ويعتبر المرسل مستثمرا لأموال قد تعود عليه بفائدة مالية تصغر أو تكبر حسب نوع استثماره ؛ فقد يكون صاحب شركة منتجة يستطيع ترويج بضاعته وبيعها عبر الإنترنت ، أو قد يكون صاحب صحيفة يريد توصيل ما فيها إلى عدد أكبر من المتلقين فهو ينشر الأخبار والتقارير الصحفية وكذلك يستخدم الصحيفة للإعلانات والدعايات لشركات ومنتجات موجودة في السوق ويمكن توجيه المواطن لشرائها ، أو ما شابه .. وقد يكون المرسل مؤسسة خدماتية ثقافية تريد توصيل ثقافتها إلى المتلقين حتى صار هناك جامعات تقدم خدماتها بشكل كامل للطلاب ، وأيضا معظم محطات التلفزيون والراديو صار لها مواقع على الشبكة وقد تبث برامجها من خلال الشبكة أيضا ، وكذلك صارت معظم وزارات الدولة تقدم خدماتها عبر الشبكة … أما المستقبل فهو المواطن الذي يتلقى كل شيء من هؤلاء ويدفع مقابل ذلك ثمنا ليس رخيصا .. ولو نظرنا إلى الصحيفة الورقية كمثال فكانت تستكتب عددا من الكتاب والمراسلين ومحرري الأخبار والمنتجين فكان يكلفها الكثير مقابل ذلك .. أما الصحف الإلكترونية ينهال عليها الكتاب وما يسموا بكتاب ينشرون ما يروق لهم سواء الغث أو السمين .. سواء ضروري أو مهم ، أو سفيه ولا يستحق النشر ! كل ذلك بدون ضوابط ولا حقوق .. ولا يكلف صاحب الصحيفة شيء سوى تصميم الموقع لمرة واحدة والاشتراك السنوي كما سبق ذكره .. ومن جهة أخرى كثير من الصحف والمواقع يمكنها أن تنسخ ما يروق لها من مواقع أخرى ( نسخ ولصق ) سواء المقالات أو الأخبار أو التقارير ، ويكفي للصحيفة أو الموقع شخص واحد أو اثنين ليقوم بكل المهمات .. وهنا يقع الكاتب في إشكاليات لم تؤخذ بالحسبان ، مثلا : قد يلصق بالكاتب تهمة الانتماء لتنظيم أو جمعية لأن مقالته منشورة فيها .. أو يمكن أن تصلك مقالة أو قصيدة شعر لا يعرف صاحبها فمثلا : وصلني عبر البريد الالكتروني قصيدة شعر بعنوان ” عندما تكون فلسطينيا ” مقدمة من شخص لا أعرفه ، لكن القصيدة كتبها ( ابني شادي ) من الجزائر ونشرها في دنيا الوطن قبل حوالي الشهر .. إذن هناك الكثير من الكتاب والصحفيين سيفقدون لقمة عيشهم ، وكذلك هناك الكثير من المبدعين أصبحوا يدفعون من جيوبهم مقابل توصيل إبداعاتهم وإنتاجهم الذي أخذ منهم الوقت والجهد والاحتراق النفسي بما لا يقدر بثمن ؟ وصارت إبداعاتهم ليست ذو قيمة ، كما كان الكتاب الذي كنا نفتخر في زمن باقتنائه خاصة إذا كان فريدا .. وأي احتفالية سيقيمها المبدعين حينما تصدر كتبهم ؟! حتى الكتب النادرة أو الممنوعة في بعض الدول صار يمكن تحميلها والاحتفاظ بها وتناقلها بسهولة وسرعة كبيرة كما هي مصورة بدون الاحتفاظ بالحقوق الأدبية والأخلاقية لأصحابها .. طبعا بالإضافة لما ذكر هناك العديد من القضايا التي نعرفها ، والتي لا نعرفها مثل قضايا التجسس والاختراق والسرقات وما شابه … فبات مطلوبا منظومة من القواعد والأسس والقوانين التي تنظم استخدام هذه الشبكة المجنونة ، ومطلوب تكنولوجيا حل كثير من المشاكل التي يعاني منها الجميع .. وقد يكون هناك دولا باشرت في ذلك ، لكن دولنا ما زالت تنعم فقط ! بجباية الأموال من هذه الخدمة التي ليست من اختراعاتها ..؟!
[email protected]