في إحدى المنتجعات السياحية, اجتمعت عائلات من دول عربية مختلفة, لتناول العشاء ,وكانت فرقة عربية تقوم بالغناء للترفيه عن الحاضرين ,من الأردن ,سوريا و دول الخليج,ثم فجأة, وقف مغني الفرقة ليعلن عن خبر , توقفت الفرقة عن العزف ,وتوجهت عيون الحاضرين, منتظرة,ومتحسبة ,ليقول المغني:( أن زر قميصه انقطع!!!) ,وعند هذا الحد توقف الخبر,ليسود صمت عميق في الأجواء. بقيت وجوه الحاضرين مشدودة ومأخوذة, لفترة من الوقت, لحين استيعاب موضوع الخبر وتقدير مدى أهميته, ثم بعد برهة, عاد الجميع لوعيهم بعد أن استوعبوا أن الخبر قد انتهى عند هذا الحد, وان لا شيء بعده سيأتي.علق احد الأخوة بقوله: أن استعداداته النفسية لتقبل الأحداث قد تعدت, الخبر الصغير البسيط, إلى ما هو اكبر واعنف, انتفاضة, دمار, قتلى في الشوارع, تفجيرات, اجتياح, أبو غريب, جثث مقطعة, كوارث, وحتى مشاهد الضمير العربي. تبلد الشعور العام ,في مواجهة الأحداث,هو نتيجة لكثرتها وضخامة وقعها على النفس ,ان تكرار وتتابع الأحداث وزخمها لم يترك مجالا, لان يأخذ كل خبر وقته المناسب, ليتم استيعابه بصورة تنم عن شيء من العقلانية, فيما يتعلق بمراحل الصدمة وما بعد الصدمة, والتكيف مع الفكرة ومدي تقبلها, من اجل البدء بالمعالجة والتهيئة النفسية واكتساب الدرس أو العبرة,اعتدنا,ما أن يصدمنا خبر, حتى نجد آخر ينتظرنا, لتتزاحم الأحداث أمامنا ,فلا مجال لنا إلا التقبل, والصبر , أعجبنا أم لم يعجبنا, فلا وقت حتى لإعطاء الرأي, ولا احد يرغب بالاستماع أو البحث عن السبب,وهذا ما اقصده بتضخم الحالة الذهنية عند المواطن العربي ,فلا مكان لفكرة عابرة أو خبر سريع ,بعد أن اتسعت مساحات الذهن العربي وتضخمت, من عظم المصائب والأحداث التي يشاهدها كل يوم على التلفاز أو يعيشها يوميا في متابعة تغيرات الأسعار ,التي طالت المدخرات واستنفذت, وفورات المستقبل لتغطية متطلبات الحياة الأساسية,بعد أن تضخمت الأسعار وتضخمت جيوب الأغنياء على حساب تضخم عدد الفقراء. ردود الفعل الإنسانية, حول ما يجري من أحداث حولنا, مهمة وضرورية,كونها-من المفروض- تشكل التغذية الراجعة للحكومات والدول, لمعرفة مدى اثر الوقع الذي أوقعته, نتيجة لسياسة اقتصادية ,أو عمليه عسكريه ,أو زيارة زعيم غير مرغوب به لدولة ما ,أو أحداث ,يمر بها المواطن العربي المسكين كل يوم وفي كل لحظة.ومن هنا يأتي مفهوم الرأي العام عند الناس, وهذا الرأي حسب نوعيته وتوجهاته لا بد أن يكون ورائه سلوك, يستجيب للحالة النفسية التي وضعنا فيها الحدث, سواء بالغضب أو الاستنكار أو المقاطعة.أو الخروج في مظاهرات وإحراق السفارات والايطارات ,أو تمزيق أعلام ألدوله المغضوب عليها.كل هذه الردود طبيعية لشعوب طبيعية, تمر بها الأزمات بين حين وحين.أكثر ما يشد انتباهي هو حرق الدمية ,التي تمثل الزعيم المغضوب عليه ووضعها على الأرض لتداس من قبل الجماهير الغاضبة ,استنكارا وتنفيسا عما عجزت هي وحكوماتها عن تحقيقه على ارض الواقع, هذا المشهد المتكرر يرسخ ذهنية الشعوب, المتضخمة بالخيال والهاربة من حقيقة مواجهة الحدث مهما كان نوعه ووقعة على النفس.ولو كان برفس دمية من كرتون.من حق الشعوب التعبير عن غضبها واستنكارها,عندما تضيق السياسات وتضيع الحقوق,وتنتهك حرمات الحق, و التغاضي عن المطالبات العادلة بحياة أفضل,أو عندما لا تصغي الحكومات لوجع الناس وتضغط على المواطن ,بحجة المصلحة العامة ,أو المحافظة على امن واستقرار البلد.وهنا يستحضرني مشهد من مسرحية غنائيه لفيروز (صح النوم)عندما قال الوالي لوزيره الذي اخذ بمنع الناس وعدم السماح لهم بالتعبير عن آراءهم, في حضور الوالي ,بقوله :(خليهم يحكوا ,خليهم يحكوا!!إحنا بنآآمن بحرية الرأي,الشعب له حق يحكي ,والحكومة من حقها تسكر إذنيها)!!تضخم ذهنية المواطن تجاه الأحداث ومجرايات الأمور ,جعلت هناك نوع من الهروب ,والإزاحة الناتجة عن الكبت الداخلي لما يشاهده كل يوم ولما يسمعه,فلقد ضاقت الدنيا بما رحبت ,وتراجعت المجتمعات إلى حالة ألا مبالاة ,فلا احد يرغب بمتابعة أخبار ولا أن يسمع فتوى جديدة,ولا أن يتابع لجان تحديد أسعار البترول حسب الأسعار العالمية,عن قريب جدا ستتوقف الزيارات بين الناس ,فدعوة( تفضل لزيارتنا), أصبحت مكلفة ,ومدمرة لميزانية الشهر العاجزة في أيام الرخاء ,والمحتضرة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. إنها حالة الذهنية المتضخمة عند الناس وعند العرب خاصة, بعد أن اعتادوا الأخبار الثقيلة والأحداث الكبيرة, فلم يعد في العقل ولا بالذهنية بساطة, لاستيعاب خبر بسيط, كبساطة الزر المقطوع. إمكانيات الشعوب عظيمة وكبيرة,ولقد اثبت التاريخ كيف استطاعت أن تعيد نشأة نفسها بنفسها متخطية كل الصعوبات ومترفعة عن كل المهازل التي مرت بها ,فلا خوف عليها,الخوف على حكومات لا تجد ألان من يصفق لها ,نتيجة لتبدل اتساع ذهنية المواطن , وحجب حقيقة شعوره نحوها.هل سبق وتعاملت مع شخص لا تستطيع التنبؤ بتصرفاته..؟؟فما بالك إذا كانت ذهنيته متضخمة؟؟