((مابين السطور))
أحيانا ينتابني الذهول من هول تحكم الولايات المتحدة الأمريكية, بمسار العلاقات الدولية عامة والعربية خاصة, وصياغة تلك العلاقات حسب اتجاه بوصلة المصالح الأمريكية,
والتي تهيمن باقتدار , وبإذعان الأنظمة العربية, وتوافق وتحالف الأنظمة الدولية, لتتصدر إدارة أزمات العالم الاقتصادية والأمنية, وتتحكم بمصائر العديد من الدول التي باتت تدور بطاعة عمياء في فلك الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي الجديد, ومازال البعض حتى المصاب بوباء التبعية المطلقة, يكابر ببعض الشعارات المكشوفة والمفضوحة, والتي لا تنطلي على عارف بأبجديات علم السياسة, أنهم يقاومون ذلك الاستقطاب والتبعية اللازمة لتؤهلهم لمنزلة الدول المتحضرة أو حتى الدول المعتدلة على طريق الوصول إلى نيل النوط الأمريكي كدول متحضرة ودول محور الخير تحت سقف الشرير الأمريكي الأكبر, والكل يسعى إلى تلك المباركة الأمريكية, حفاظا على استقرار نظامه,حيث أن اذرع الإدارات الأمريكية وأجهزتها المخابراتية,لقادرة على هز كثير من العروش بما ملكت أيديهم من جاه وسلطان, وما اكتسبته أفعالهم من جور وعدوان تلك الأنظمة التي صنفت بالشمولية, رغم أن القبطان الأمريكي العالمي هو سيد الشمولية والدكتاتورية والابتزاز السياسي, ومنها أنظمة تزحف على بطونها من اجل النيل مزيدا من قطع السكاكر الاقتصادية,فباتت الإدارات الأمريكية واذرعتها المنتشرة في جسد العالم عامة وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة, وفي منطقتنا العربية تحديدا, تمتلك مفاتيح التوتر والاستقرار, فتصنع الأزمة في أي مكان وزمان شاءت, وتحدد لها الأهداف والفئات المستهدفة, وفي زمان محدد تقدم البلاسم الشافية من تلك الأزمات, فلا يعرف مصل الأوبئة السياسية الحصرية وأسرارها غير صناعها.
لقد شارفت منطقتنا العربية في السنوات السابقة على ذروة الأزمات والصراعات,في غير اتجاهاتها وفي غير ميادينها, وتم حرف تلك الصراعات إلى الأعماق الوطنية, لتتحول من صراعات صهيونية عربية إلى عربية عربية,بل إلى صراعات من نفس الجنس الوطني وتفعيل النعرات الأيدلوجية والطائفية في نفس البلد, واقرب الأمثلة في العراق والسودان وفلسطين ولبنان والصومال واليمن,,, على سبيل المثال لا الحصر, حينها أشارت كل القوى والأطياف السياسية المتحررة من فلك الأنظمة الرسمية, إلى الأيادي العابثة الصهيونية والأمريكية,وان الولايات المتحدة هي جزء من الأزمات جميعها, تحت مسميات حقوق الإنسان والسلام والديمقراطية وحماية الأقليات العرقية والدينية, فدعمت بكل قوة دموية هذا الفريق ضد الآخر لزوم إدارة وتوجيه الأزمات والصراع, وفي اتجاه آخر تجهز مخططات وإعادة صياغة أنظمة من اجل خارطة جديدة تتفق مع الرؤيا والمصالح الأمريكية في زمن الهيمنة أحادية التحكم مع صمت أو توافق اللاعبين الكبار في النظام الدولي الجديد, ومع هذا الاقتدار والنجاح المبهر في إدارة الشرور والانقسامات الوطنية, هلت علينا مرحلة جديدة طاب للبعض أن يرفع بها شعار التظليل, بان الانفراجات لكل تلك الأزمات بسبب التخلص من الانصياع للتعليمات السياسية الأمريكية, في حين انه بات من الواضح جدا, وفق سياسة التسخين والغليان والتبريد السياسي, أن الولايات المتحدة الأمريكية عن قرب وعن بعد, وبطرق مباشرة وغير مباشرة, حركت كثير من الأنظمة السياسية التي تدور في فلكها, لكي تبدأ رحلة العودة بخلق واقع جديد لانفراج الأزمات وفق نفس خارطة البدايات, ولم يتم أي تحرك إلا بضوء اخضر أمريكي أو صمت الرضا المعهود.
فنلاحظ أن الانفراجات وفي زمن واحد وبوساطات عربية وإقليمية ودولية, تشرع في معالجة تلك الأزمات التي هي نتاج أوبئة أمريكية صرفة, وهي خمس وساطات لخمس أزمات كالتالي:
الوساطة الألمانية: في قضية الأسرى مابين حزب الله والكيان الإسرائيلي.
الوساطة التركية: في قضية الجولان المحتل مابين سوريا والكيان الإسرائيلي.
الوساطة المصرية: في قضية التهدئة مابين حركة حماس والكيان الإسرائيلي.
الوساطة القطرية: في قضية الوفاق الوطني اللبناني اللبناني.
الوساطة اليمنية السعودية المصرية: في قضية الحوار الفلسطيني الفلسطيني”لم تكتمل”
فألمانيا في عصر التوافق بين مشروعي الأوسطي والمتوسطي, تتوافق مصالحها ليس مع الولايات الأمريكية فحسب, بل مع الكيان الإسرائيلي, وأحيانا تبدو علاقتها في غمار الصراع منحازة مع الرؤيا الصهيونية, تدين المقاومة دون إدانة العدوان, وأحيانا تطلق تصريحات من مستويات سياسية عليا , على أن الوجود الألماني والأوروبي على الأراضي اللبنانية هو لحماية الكيان الإسرائيلي, ناهيك عن عقدة الأكذوبة التاريخية وتضخيمها”الهولوكست”, ومن خلال التوافق في إدارة انفراج الأزمة مع الولايات المتحدة, توشك الوساطة الألمانية على إتمام مهمتها بنجاح, وربما تشهد الأسابيع القليلة القادمة انتهاء قضية الأسرى وتبادلهم بين حزب الله والكيان الإسرائيلي.
وعلى مستوى توتير المواجهة والاستعداد للصدام والعدوان الإسرائيلي على سوريا, وتهديد كينونة النظام في دمشق, حتى بتنا نسمع قرع طبول الحرب, بقدرة مقتدر سياسي, انطلقت الوساطة التركية منذ زمن, لكن ليعلن عن نجاح تلك الوساطة,في مفاوضات سورية صهيونية غير مباشرة بوساطة تركية, ومعلوم أن تركيا لها من العلاقات الإستراتيجية والتوافقية ليس مع الولايات المتحدة الأمريكية فحسب, بل علاقات إستراتيجية عسكرية واقتصادية وتعاون استخباري وتكنولوجي مع الكيان الإسرائيلي, لكن الوقت الأخضر قد حان لكي تكلل مساعي تركيا بالنجاح, سعيا من تركيا إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإقناع الاتحاد الأوروبي, بأحقية تركيا للدخول إلى نادي الاتحاد الأوروبي السياسي.
ونتيجة تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, وبالمقابل تصاعد وتنوع وسائل ردع المقاومة الفلسطينية, ومحاولة الكيان الإسرائيلي بعد الحصار الخانق لقطاع غزة, حرف مسار المواجهة مع مصر الشقيقة وبطرق صهيونية خبيثة, على أساس أن مصر مشاركة في حصار الشعب الفلسطيني, سعت مصر جاهدة وبتوافق كامل مع الرئيس الفلسطيني/ أبو مازن ,إلى تحقيق تهدئة من شانها فك الحصار القاتل ووقف العدوان الصهيوني الإجرامي, ومعلوم أن مصر العربية ليست على علاقة كاملة أحيانا متوترة وأحيانا مستقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية فحسب, بل تربطها مع الكيان الإسرائيلي اتفاقية سلام إستراتيجية وملتزمة بها”اتفاقية كامب ديفيد” واستطاعت بعد الضوء الأخضر العام الأمريكي والرضا الإسرائيلي والتوافق الفلسطيني, أن تنجز عملية تهدئة بين فصائل المقاومة والكيان الإسرائيلي, ففي تلك التهدئة مصلحة فلسطينية مصرية إسرائيلية, ومرة أخرى هي تهدئة مطلب قديم حديث للرئيس الفلسطيني/ محمود عباس سواء تحققت عن طريقه أو عن طريق حركة حماس, فانه يعلن ليل نهار الدعم الكامل للتهدئة والحرص على عدم خرقها من الجانب الفلسطيني ومن أي طرف كان.
وربما في منعطف خطير في الأزمة اللبنانية كادت الأمور تتفجر, باتجاه حرب أهلية مدمرة, بين فرقي المعارضة والموالاة, ورضا الولايات المتحدة عن فريق دون غيره مع توافق أوروبي, فكان الخطر يقترب ربما لضرب المصالح الأوروبية الأمريكية, فظهرت الوساطة القطرية وتم تأطيرها بإطار إجماع عربي, لكنها في جوهرها وساطة قطرية صرفة, ولا يتطلب الأمر كثير من الجهد والتحليل لوصف العلاقات الإستراتيجية القطرية الأمريكية, بل العلاقات القطرية الصهيونية الحميمة والمتطورة سياسيا, فنجحت الوساطة القطرية بانتزاع وفاق لبناني لبناني جنب لبنان دمار الحرب الأهلية وبهذا نجحت قطر بلعب دور سياسي هام في مواجهة الأدوار السياسية الأخرى في المنطقة, ولعل قطر كذلك حاولت الوساطة في قضية”الحوثيين في اليمن” وأفضل أن افرد مقالة خاصة للدور القطري الحالم بلعب دور سياسي كبير بين موازين قوى أنظمة المنطقة, ومجموعها يدور نسبيا في الفلك الأمريكي.
تبقى في الساحة الوساطة المتعددة لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني, ويبدو أن الوقت قد حان للاقتراب وجس نبض تليين المواقف, بل بعد التهدئة أصبحت حركة حماس اقرب مايكون إلى التوافق مع النهج السياسي والأجندة السياسية للرئيس / أبو مازن, مع إجراء بعض التفاهمات والتطمينات والتوافقات على إعادة صياغة المعادلة السياسية الفلسطينية, ولن تعمل قطر أو اليمن أو مصر في اتجاه مناهض للرغبة الأمريكية, فعندما يصبح مؤشر التوافق قريبا من النهج التوافقي السياسي في التعاطي مع قضايا الصراع مع الكيان الإسرائيلي, وان انتهاء الانقسام يصب في ذلك الاتجاه سوف يحدث الوفاق الفلسطيني الفلسطيني, حتى وان كان الشعار في مواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية, فاللعبة السياسية كما هي المقاومة بحاجة إلى المناورة والتكتيك والتوافق بين خطي السياسة والمقاومة في إطار التوجه العربي والتوافق مع الرؤيا الأمريكية, ومع مسار التهدئة والتسوية مع الكيان الإسرائيلي, فستشهد الساحة الفلسطينية انفراجة أسرع مما يتصوره البعض, رغم العراقيل والآلام والخسارة الجسام التي نجمت عن الانقسام, لان المرحلة واضح أنها مرحلة صياغة انفراجات بعد الانتهاء من صياغة الأزمات.
وربما في عراق الرافدين اتجاه البوصلة لايختلف كثيرا, فالنظام العراقي الحالي الذي هو صنيعة أمريكية أو في الكنف الأمريكي, يتجه إلى السيطرة على زمام الأمور, والتوافق مع القوى العراقية السياسية وفي المحصلة مثلما كانت مأساة العراق صنيعة أمريكية فان انفراج أزمتها ستكون بضوء اخضر أمريكي, وللأسف أنها تتجه إلى تقسيم العراق , وربما يتشابه مع الأزمة والانفراج حسب الخارطة الأمريكية مايدور في السودان والصومال, لكنه المرحلة بالمجمل انحرفت من صياغة الأزمات إلى صياغة الانفراجات, والوساطات ستجد طريقها إلى النجاح تقريبا, بعد أن سحبت العصي الأمريكية من الدواليب وفق المصالح الغربية المتوافقة مع الأنظمة الموالية في منطقتنا العربية والإقليمية.