كنت في زيارة إلى بيروت في نهاية العام 1998، بالصدفة تعرفت على أحد الصحافيين
كتب خضر عواركة .
كنت في زيارة إلى بيروت في نهاية العام 1998، بالصدفة تعرفت على أحد الصحافيين وهو فؤاد حطيط الذي كان يكتب مقالا أسبوعيا في صحيفة السفير وقتها، لبيت دعوته إلى مطعم صغير يرتاده الصحافيين فقط ، كأنه إتفاق بين المالك والصحافة، يدخلون عليه يأكلون سندويشاته ويشربون نخبه ، يفتح في الوقت الذي يناسبهم ويقفل محله في شارع الحمراء في الوقت الذي لا يعود أيا منهم جائعا.
لاحظت امرا مدهشا في تلك الحانة – المطعم، مجموعة من الكتاب والشعراء والصحافيين كانوا يجلسون سويا على نفس الطاولة، كنت متابعا ولا زلت للصفحات الثقافية في الصحف العربية ، وأدهشني أن الموجودين كانوا للأسابيع الماضية يكتبون على الأقل مرة في الاسبوع عن أحدهم ، كانوا من إتجاهات شتى ومشارب مختلفة وصحف معادية لبعضها البعض، ورغم ذلك ، كانوا يشربون الأنخاب مع بعضهم البعض، يهاجمون بعضهم بالنقد الثقافي ويمدحون بعضهم بالنقد الثقافي على صفحات كبريات الصحف العربية واللبنانية وفي المساء يعودون إلى هذا المكان وربما إلى أمثاله لكي يتسامروا .
ديمقراطية وود لا يفسده الإختلاف السياسي؟ ربما ولكن الأكيد هو أن الصحافيين يتمتعون بحس واحد هو الزمالة والتفرد .
الصحافيون مهما كان الخلاف بينهم، فهو خلاف على مباراة في كرة المضرب، رشق على الناعم وردود وهجمات ولكنها لاتصيب الجسد بل الارض أو المضرب.
الأرض بالنسبة للصحافيين المحترفين هي نحن الشعب، والمضرب هو أقلامهم، في حالة كهذه يمكن فهم الصداقة الغريبة العجيبة التي تجمع صحافيا لبنانيا يعد من أحقر من كتب في تحقير المقاومين مع صحافي آخر يعد من أشرف من دافعوا عن المقاومة.
في حالة كهذه كيف يمكن أن نعرف حقيقة هذا الصحافي وخلفيته إن كان زملاءه لك بالمرصاد، أكان ذاك الصحافي عميلا مخابراتيا أو خادما ثقافيا أو هجينا فكريا فكيف ستفضحه وتعري افكاره وتحارب سمومه إن كانت الصحف لا تنشر لك عنه إلا المديح ؟
من هنا أبدأ مع سمير قصير …
من هنا ابدأ الاسئلة حول سمير قصير حيا وميتا ..
إن أول ما كان يتبادر إلى ذهني حين كنت أقرأ أو اسمع ما يقوله سمير قصير هو أسئلة بريئة من نوع :
كيف لا يمكنني الوقوع تحت تأثير شكله المحبب والقريب إلى القلب قافزا من (شاشتي أو من صحيفتي) إن كان أبو سليم الطبل قد علقني بمحبته لمجرد ظهوره على شاشتي يوميا في صغري، وكيف لا يمكنني أن أحترم شجاعة سمير قصير وهو يتخطى على الدوام حدود المعقول الآمن في هجومه على السياسة السورية في لبنان بوجود المخابرات السورية في لبنان وبوجود حلفائها ؟
كونك إنسان فإنك تتأثر كما كل الناس بمن يظهرون على الشاشة ، المقبولين حضوريا يأسرونك ، وثقال الدم ينفرونك ، ولكن …. ما علاقة الوسامة والهضامة والشجاعة بالموقف الصحيح من الغزو الأميركي للعراق ؟
وما علاقة القدرة على إجتذاب الإنتباه واكتساب الصداقات والحصول على محبة من تلتقي بهم بالتفكير الشريف والوطني بخصوص الموقف من قرار دولي رغم زعمه الحفاظ على سيادة لبنان إلا أن نصه وخلفيته هي التمهيد لإحتلال لبنان وضرب مقاومته (القرار 1559 كان يؤيده سمير قصير ويسوق له)
في تعريفه بسمير قصير في ” ذا نايشن ” يقول أدم كاتز:
كان سمير قصير صحافيا ومؤرخا واستاذا جامعيا ومدافعا عن القضية الفلسطينية، ولكنه في نفس الوقت كان عنيفا وشرسا في هجومه على منكري المحرقة اليهودية ومعادي السامية وهو قاد حملة صليبية على الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي بسبب كتابه الخرافات المؤسسة للصهيونية ” (مقال في ذا نايشن عدد 15 حزيران 2005)
أما موقع سمير قصير ( هو أيز سمير قصير ) فيذكر محرره :
” أن سمير قصير كان مشجعا بقوة للتدخل الأميركي لمساعدة الديمقراطية في العالم العربي وخصوصا في لبنان رغم أنه كان يستسخف سطحية جورج بوش في تعامله مع قضية نشر الديمقراطية ”
أما في كتابه المخطوط والذي نشر بعد مقتله فاشار سمير قصير إلى أن سبب النهضة العربية في القرن التاسع عشر هو إنفتاحها على الغرب، اما سبب فشلها في القرن العشرين فهو وجود القومجيين والإسلاميين وهزيمة اليسار بسبب سقوط الإتحاد السوفياتي وفشل تجربة الحركة الوطنية ، أي أن سمير كان حتى ما قبل وفاته يعتبر نفسه يساريا متنورا ، والسؤال هنا ، كيف يستطيع يساري متنور العيش في منزل واحد مع فاشية مسيحية ونازية فكريا هي جيزيل خوري ؟ فكما هو معروف جيزيل خوري تعتبر أن مثلها الأعلى في السياسة والفكر والتاريخ والفلسفة هو سمير جعجع بكل جرائمه وفاشيته وعنصريته وصبرا وشاتيلاته ، فأي فكر جمع الزوجين الحبيبين ، فكر اليسار أم فكر اليمين المسيحي الفينيقي؟
لقد تم ولا زال يتم تبجيل سمير قصير بصفته شهيد الكلمة الحرة ، ولا إعتراض لي على ذلك ولكن أين الدليل ؟
إن الطريقة التي قتل بها سمير قصير هي طريقة مفجعة حقا، ولكن من قتله ؟
الأسباب مجهولة ، وقد قيل بأن بعضها يتعلق بكتاباته، وقيل أيضا ويقوة وبشهادة من مراسل الجزيرة الذي افاد بتصريح سمعه خمسة وخمسين مليون مشاهد عربي وفيه بأن سمير كان برفقة إمرأة جرحت في الإنفجار وتردد بأنها زوجة مسؤول كبير ، وبناء عليه سرت إشاعة في بيروت بأن قاتله إغتاله لأنه يعبث مع زوجته وهنا يسأل مرافق سمير قصير لماذا لم يرافقه في ذلك الصباح وما هو الأمر الذي لم يشأ قصير أن يمكـّن مرافقه من معرفته، هل هو شخصية مرافقته أم أمر آخر ؟
تبجيل سمير قصير لم يكن مشكلة ولا أزمة ولن يكون مضرا لأحد لولا أن من يكرمونه شاءوا أم ابوا عرفوا أم لم يعرفوا ، إنما يكرمون فيه النموذج والمثال الذي يريد لنا الأوروبيون أن نتبعه ، حتى لا اقول الصهاينة ، وهنا ندخل في صلب الموضوع ؟
لماذا أعطى الإتحاد الأوروبي جائزة بإسم سمير قصير ولم يعطي جائزة مماثلة لجبران تويني أو للصحافي الإسباني الذي قتله الأميركيين في العراق أو للصحافيين المئتين وخمسين الذين قتلوا في العراق حتى الآن أو للصحافية الروسية التي قتلت لكتابتها عن الفساد والمافيا في السلطة، لماذا لم تعطى جائزة أوروبية ولماذا لم تطلب السفارة الاميركية من فؤاد السنيورة أن يقيم تمثالا على حسابها في وسط حديقة بإسم سمير قصير في قلب العاصمة العربية الأكثر إذلالا من الطائفية المدعومة أميركيا رغم أنها أذلت إسرائيل ؟
لماذا لم يسمي السنيورة ساحة من ساحات بيروت بإسم غسان كنفاني ؟ هذا فلسطيني قتل في بيروت وهذا فلسطيني قتل في بيروت ، لماذا ؟
هنا يجب أن نعود إلى كلمتين وردتا فيما سبق من المقال ، سمير قصير كرم لأنه مثل النموذج الذي يريد الغرب الداعم لإسرائيل تعميمه في العالم العربي، تماما كستار أكاديمي وأميركان أيدول.
مع إحترامي لكل محبي سمير قصير وللمعجبين بوسامته وهضامته وللكاريزما التي كان يمتلكها ، ولكن هل الوسامة والهضامة والكاريزما دليل على الوطنية ؟
سمير قصير كتب في النداء ولكنه في نفس الوقت كتب في اللوريان لوجور، الأولى للحزب الشيوعي والثانية لا تنشر إلا دفاعا أو تسويقا لافكار الفاشية الفينيقية!
كتب في اليوم السابع وكتب في نفس الوقت في الحياة السعودية الوهابية ؟
كتب في الثمانينات عن المقاومة (1982-1983 ) ثم عاد بعد عشر سنوات ليتبنى نظرية (مصادقة الصهاينة لإقناعهم بالتخلي عن إبادة شعب فلسطين) .
، لسانه العربي كان الغريب على نفسه أما لسانه الفرنسي فكان هو اللغة الأم في المدرسة( ليسيه دو لا فرانس) وفي الجامعة (فرنسية) وفي التعليم (القديس يوسف) .
سمير قصير كان يدافع عن فلسطين في باريس بكتاباته في اليوم السابع وفي مجلة الدراسات الفلسطينية باللغة الفرنسية ، في نفس الوقت الذي كان يشهد فيه ضد روجيه غارودي في محكمة فرنسية تحاكمه بتهمة معاداة السامية بطلب من اللجنة التابعة للوكالة اليهودية في باريس والمنظمات الرئيسية الصهيونية في باريس .
ويوم اصرت لجنة دولية على مساندة روجيه غارودي في محنته التي إستمرت عقدا ولا زالت، كان سمير قصير وليس إسرائيل هو من منع الأمن العام اللبناني من منح تأشيرات دخول للمشاركين في مؤتمر حول المحرقة النازية في بيروت (ويقولون لك بأنه كان ملاحقا ومضطهدا وهو بكلمتين قالهما لرئيس الوزراء إستحصل منه على أمر تنفيذي موجه للأمن العام عبر وزراة الداخلية ، وقد ذكرت الحادثة في مقال آدم كاتز و في أكثر من مرجع وهي معروفة لدرجة يصعب نفيها)
أما سبب إشتراك سمير والصهاينة في محاربة روجيه غارودي فهو السر الذي أطلب اليوم وفي الغد تفسيرا له ، غارودي لم يكن وليس معاديا للسامية، هو كتب عن الخرافات التي على أساسها قتل الصهاينة الفلسطينيين وابادوهم بناء على ثقافة توراتية وفهم خاطي للتاريخ الديني وهو الفهم الذي شوهته أكثر فأكثر الصهيونية ليتناسب مع مشروعها للقضاء على الشعب الفلسطيني وإبادته، فهل سمير قصير كان مع إبادة الشعب الفلسطيني؟
إن معاداة الصهيونية لا يجب أن تعني معاداة لليهود ، إدوارد سعيد لم يكن منكرا للمحرقة ولكنه لم يكن مدافعا عن الصهيونية مثل سمير قصير ….
فلنراجع سويا إنجازات سمير قصير دفاعا عن فلسطين ، هو قام بجهد مشكور ولكن مضمونه لا يختلف عما يقوله يوسي بيلين عن القضية الفلسطينية، وإذا كنا ندين محمد دحلان بوصفه المتعاون مع الأميركيين ضد شعبه لكي لا نقول بأنه عميل لإسرائيل ضد شعبه، فإن سمير قصير لا يختلف عن محمد دحلان في مدى تسويقه مع صهاينة في باريس لإتفاق أوسلو كحل عادل لكل مشاكل الفلسطينيين التي سببتها الإنتفاضة الأولى .
يبقى السؤال الأخير ، سمير قصير فلسطيني من أم سورية حصل على الجنسية الفرنسية في وقت مبكر من حياته وحصل على الجنسية اللبنانية في وقت متأخر من حياته ، والسؤال ، فلسطيني كفوء وشجاع وبطل، لماذا لم يرجع إلى القدس أو رام الله بجواز سفره الفرنسي لكي يدافع عن الفلسطينيين كما حارب السورييين في لبنان؟
لماذا لم نسمع بعنف سمير قصير الفكري وشجاعته المفرطة إلا ضد السوريين ؟ ولماذا لم يستقر في القدس ويكتب عن تاريخها بدل الكتابة عن بيروت ؟ ولماذا لم يستشرس في الغرب ضد إسرائيل وجدارها العازل بدل إستشراسه ضد سوريا ورجالها في لبنان من غير آل الحريري ؟
لا بل لماذا إستشرس سمير قصير فقط بعد رحيل غازي كنعان عن لبنان؟ وبعد أن تم سحب ملف لبنان من يد عبد الحليم خدام ؟ وهل لهذا علاقة بالرعاية اللصيقة والحماية الشديدة التي كان يوفرها رفيق الحريري لسمير قصير؟
إن سمير قصير يمثل بنفسه خديعة نموذجية للعقل العربي ، فهو ونظرا لأنه صحافي (رغم عدم قبوله عضوا في النقابة) لا يمكن لأحد أن ينشر شيئا يشينه في الصحف اللبنانية فضلا عن العربية، ونظرا إلى أنه جزء من مشروع بطله الأول هو ميشال سورا الذي مات وخطف باحثا ليدفن في مدافن جهاز الإستخبارات الفرنسية الخارجية ” الدي دي أس ” بعد إكتشاف جثته ونقلها إلى باريس ، (قالت زوجته في رسالة تتطالب بها وزارة الدفاع الفرنسية بالإدعاء على قاتليه المعروفين : إن ميشال سورا كان موظفا رسميا في جهازكم فلماذا تتخلون عن ذكراه ولا تعاقبون مجرمين قتلوا زميل لكم ؟)
وسمير تلميذ لسورا بالمناسبة، فإذا كان ميشال سورا قد كان مكلفا بدراسة الحركات الشعبية والثقافية في لبنان، فإن سمير قصير هو التنفيذ الفعلي لنتائج تلك الأبحاث والدراسات، فأول الإختراق الفهم ، وثانيه التنضديد ، أي زرع ” دوالي ” رديفة توجه العقل الجماعي للمجتمع المستهدف بإتجاه عاطفي مثالي يتحول مع الزمن مثلا أعلى وحلما يتمناه الجميع .
سمير قصير يريده الأوروبيين مثلا أعلى نحتذي بدفاعه عن المحرقة اليهودية قبل المطالبة بالحقوق الفلسطينية أو الوطنية القطرية، يريدون القول لنا حاربوا مع الإسرائيليين منكري محرقتهم (أنا مستعد ولكن بعد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر سلما أو حربا أو بالطاعون الاسود) وإنسوا محرقتكم فبإمكانها أن تنتظر، يريد الأوروبيون أن يقولوا لنا إن طريقكم إلى تخليد ذكراكم تمر عبر القتال ضد من يقاتل إسرائيل ( وهم خطاؤون أصلا وبشدة) وليس عبر قتال إسرائيل ، يريدون أن يقولوا لنا ، كونوا يساريين أو يمينيين لا فرق ، المهم أن لا تنحازوا إلى ما يضر بمصالح أميركا وإسرائيل.
دافع سمير عن فلسطين في باريس ولكن أحدا منا لا يعرف ولا يذكر إلا إندفاعه دعما للقرار 1559 الذي نصه بوش وشيراك لمصالح فرنسا وأميركا وليس لاي سبب آخر .
دافع سمير قصير عن حريته ضد المخابرات السورية واللبنانية الحليفة معها في زمن التواجد السوري ولهذا أعجب الناس به ؟؟؟؟
أعطوني وظيفة مراسل فرنسي بجوازسفر فرنسي للتلفزيون الفرنسي (كما كان سمير قصير حتى وفاته) أعطوني صداقة وحماية رجل (رفيق الحريري) إشترى بماله وزير داخلية الدولة التي أهاجمها وإشترى بماله نائب رئيس الجمهورية في الدولة التي أهاجمها وخذوا ما يدهش العالم .
هذا هو سمير قصير: يزعم الدفاع عن الحرية ولا يرحل إلى فلسطين ليحررها ، يزعم اليسارية ويدافع عن الإقطاعيين والأثرياء، يزعم الثورية ويثني على قرار أميركي بأهداف إسرائيلية، يزعم التعاطف مع بلده الثاني لبنان ويشن الحملات التخوينية ويطعن بمن حرر ارضه وصان شعبه من العدوان الإسرائيلي (لم يهاجم أصولية حزب الله بل هاجم سلاحه ودوره المقاوم) يزعم الإضطهاد ويحظى بحماية طاووس النفوذ والحماية رفيق الحريري ، يزعم الثقافة والتنور وهو بشهادة مراسلاته المنشورة بعد موته كان يرمز من بريده الألكتروني تقارير خاصة يرسلها إلى منظمة تدعم الصجافيين حول العالم ……..( العربي ).
ميمري مركز صحافي أيضا ويدافع عن حرية الصحافيين …اليس كذلك ؟
وهذا هو سمير قصير وهذا هو النموذج الذي يجب أن نعرفه لنرفضه.