وفاء أحمد خير الله
بحكم عملي في الاعلام ، اعتدت ان استيقظ باكراً ، وأن أقرأ بعض الصحف
وفاء أحمد خير الله
بحكم عملي في الاعلام ، اعتدت ان استيقظ باكراً ، وأن أقرأ بعض الصحف ، واستمع لبعض الاخبار المحلية عن بلدي الحبيب ..
و في نشرة موجزة لبعض الاخبار الثقافية ، سمعت عن إقامة احتفالية( ضخمة) في قلعة دمشق الاثرية
بمناسبة دمشق عاصمة الثقافة … فلفت الخبر انتباهي، كوني من عشاق الاثار، ومن مدمني حَواري دمشق القديمة، المليئة بالحكايا .. وقررت الذهاب لحضور هذا الحدث العالمي ( القلعة تحتفل)
وبالفعل، لم تقترب الساعة من الثامنة والنصف ، حتى كنت هناك في أحضان القلعة استنشق من عبقها التاريخ..
وكنت في قلبي اقول (برافو) هذا هو قلب دمشق عاصمة الثقافة !! وانها الخطوة الامثل للتعبير عن ثقافتنا
ولم اكمل هذه المحادثة مع نفسي حتى ابتدأ العرض فجأة !! بلا ( إحم أو دستور ) ولا اضاءة ولاتقديم ولا تنبيه!! فقلت في نفسي “ من الممكن انني لم اسمع التقديم كوني بعيدة وكون الحفل بدون مقدم !!!!!!”
المهم.. اقتربت اكثر من المكان المخصص للجلوس وطبعا كان الحضور مميزا، حيث كان كوكتيلا دسماً !! مكونا من مختلف الشرائح والطبقات.. فمنهم من جاء تحت عباءة الثقافة ، ذاك المرض المستشري !! الذي تظهر اعراض الاصابة به عند الرجال ، على شكل شعر طويل اشعث و سجائر من نوع (حمرا)الوطني الصنع.. او بايب و قبعة (بيريه).. و ثياب مبهدلة بوهيمية !!! تتلازم هذه الاعراض عادة مع شرب القهوة السادة بكأس الشاي او حتى الماء !!! وطبعا التلفظ ببغائياً.. بألفاظ معقدة وغير مفهومة للعوام .. و تبني افكار وعادات وقيم مخالفة لاي شيئ لمجرد خالف تعرف ..
المهم وكي لا اشت عن الموضوع .. منهم من جاء بذريعة الثقافة ومنهم من كان يتسكع في شوارع دمشق فقرأ الاعلان وتبع القطيع… ومنهم من وجد كرسيا ( ببلاش) وظلاما يغطيه وموسيقا تسليه، بدل من ان يجلس مع صاحبته في مكان ما ويدفع مالا!! وطبعا كان هناك جمع كبير من الفرنسيين ، كون الحفل كان برعاية من المركز الثقافي الفرنسي بدمشق….
اخيرا.. وجدت لنفسي كرسيا وجلست اتابع هذه الفعالية .. ابتدأ العرض برجل اجنبي وقف على المسرح يحمل بيده شيئا ما واخذ يلوح به( بغباء) لاكثر من 40 دقيقة !! ولم اسمع اي تعليق الا من سيدة فرنسية كانت تضحك هي وابنتها البالغة من العمر سنتين او أقل !! فبررت دور هذا الرجل بأنه مهرج يؤدي عرضا ايمائيا ( كان مملا) لدرجة احسست فيها ان عضلات وجهي تشنجت من شدة الامتعاض!! لكن ضحكات الاطفال وفرحهم بهذا المهرج .. كانت مواسية لي
وبعد عرض التعذيب.. وكما جرت العادة في الفعاليات الثقافية هنا .. ابتدأ عرض ثاني فجأة و من الباب للطاقة !! وطبعا وكما المعتاد بدون اضاءة ولا تجهيزات ولا تنظيم … اي تحت شعار (السلطة )او (الرز بالبصل )!! الذي تنهجه وزارة الثقافة
وكان من المفترض ان يكون العرض الثاني – كما ذكر الاعلان – عرضاً للألعاب النارية والليزرية!!
فعلا كان هناك العاب نارية، ولكن لا علاقة لها بالاسم، سوى بشعلة من النار لا تنفع الا لشوي سيخ من اللحمة!!
ولم اكد انسجم مع العرض، حتى صعقني صوت قوي جدا كان صوت ابتداء الفلم الثقافي!!!! المخصص للامسية الثقافية( الاحتفالية) التي كان حضورها من الاطفال ما يزيد عن 40%
وما لبث ان عُدل الصوت ليصبح صالحا للاستماع البشري ! حتى ابتدأ اذان العشاء في الجامع الاموي واضطروا الى اطفاء الصوت وترك الفلم يعرض على الشاشة !! والنار تلعب ( والقيامة قايمة وحارة كل من إيدو إله ومطبلين ومزمرين وما حدا لحدا ياحبيبي!!! ) وقبل ان تلف الدنيا بي من شدة الفوضى.. رفعت نظري لاستغل هذا الوقت في رؤية مئذنة الجامع الاموي من بين ابراج القلعة واشجارها وكان منظرا ساحرا خفف من وقع الصدمة علي.. بالرغم من اني اعتدت على ( فشكلة وشرشحة) اي شيئ تنظمه وزارة الثقافة ..
وتوقف الاذان ، و لم تتوقف المحاولات البائسة لايجاد ذاك الزر الغامض !! الذي يضع الترجمة العربية على الفلم!! او حتى ذاك الزر الغامض الاخر ، الذي يوقف الفلم !!! وطبعا طبق السلطة ما زال عامرا فالفلم يعرض ويطفئ والصوت يأتي ويذهب والاضاءة تشعل وتطفء و لاعبي الشعلات النارية يلعبون مع بعضهم!!
و( الطاسه ضايعة وفعلا ضيعة ضايعة ) …
واخيرا… ابتدأ الفلم المنتظر… الثقافي .. الذي تظهر طفلة بريئة في أوله .. توحي للحضور بأن يسكتوا اطفالهم لان فلما هادفا جميلا سيعرض وسيرسخ لهم مسيرة ثقافتهم المستقبلية!!!
أقسم .. انني ولهذه اللحظة لا اعرف كيف لم تأت الشرطة لتلمنا كلنا بحافلة واحدة وتقتادنا الى السجن!!
كم كان منظر مئذنة الجامع الاموي مخجلا وهي تترافق مع مشاهد العري والكلمات الاباحية واصوات الاثارة الجنسية ( العالية جدا) التي اصدرتها نساء ورجال الفلم!!! ذنة الجامع
كم كان مشهد هروب أولياء الاطفال مذلاً .. وهم يحاولون عبثا إغماض أعين وسد أذان اطفالهم خوفا من رؤية او سماع ابطال الفلم وهم يمارسون الجنس!!
( طق عرق حيائه) هذا هو الوصف الوحيد الذي يمكن ان يطلق على من كان قادرا على متابعة هذا الفلم ، خصوصا ، في ظل تلك الظروف من مكان.. وجمع غفير للنساء والرجال والاطفال!!!..
في كل لحظة كنت أبرر في داخلي واقول هذا المشهد هو الاخير! فمن المؤكد انه سقط سهوا من يد الرقيب!!
كنت اقول .. سيتوقف عرض الفلم طبعا، فهناك عشرات من المراقبين والمنظمين للحفل يقفون في المكان!!
استمر الفلم .. ولم استطع انا بالاستمرار بمتابعته… فررت هاربة من المكان .. منكسة رأسي .. خجلة من الثقافة التي نسوق لها ونبثها من حرم الجامع الاموي.. ومن قلب عاصمة الثقافة الاسلامية …
هل هذه هي الثقافة التي تنشدونها يا سيادة الوزير؟؟؟!! المضحك أنني وبعد عودتي الى المنزل، اجريت بحثا لاعرف القليل عن ماهية هذا الفلم الذي من الممكن وكوني لا اتبع لشريحة شارع السخافة .. اقصد الثقافة الدارجة!! من الممكن ان لا اكون قد استوعبتها كما يجب، كوني معقدة وشرقية!! فماذا وجدت
( قبل عدة سنوات رفضت لجنة تنظيم مهرجان «كان» السينمائي أن يشارك الفيلم الفرنسي «مصير إميلي بولان العظيم» من اخراج جان بيير جونيه، في مسابقته الرسمية كونه لا يتفق مع روح المهرجان ) .
هذه هي فرنسا.. وهذه هي دمشق…
وفاء أحمد خير الله – دمشق