فشل وزراء الاعلام في الدول العربية في الوصول الى اتفاق حول الآلية التي يمكن من خلالها تنفيذ وثيقة تنظيم البث الفضائي والاذاعي العربي التي تم إقرارها قبل اربعة شهور ، تلك الوثيقة التي تم الاتفاق عليها من قبل الوزراء العرب
بشكل جماعي وقد كانت قطر هي الدولة الوحيدة التي عارضت ما جاء في الوثيقة عند صدورها في شباط فبراير من هذا العام.
الوثيقة المشار اليها كانت محاولة اخرى من قبل الاجهزة الرسمية العربية او الحكومات والانظمة لخنق الاصوات الحرة في العالم العربي وهي في الحقيقة ليست سوى وثيقة أمنية اخرى مماثلة للكثير من الاتفاقات الامنية التي تهدف الى مزيد من القمع للانسان العربي المقهور و”المقموع” اصلا ، الفرق بين هذه الاتفاقية و الاتفاقات الامنية العديدة بين الدول العربية هو ان من قام على صياغتها وكتابتها ومحاولة اخراجها الى حيز التنفيذ هم وزراء الاعلام في الدول العربية وليس وزراء الداخلية الذين عادة ما يسند اليهم توقيع الاتفاقات الامنية والاعمال ” القذرة”، في إشارة ربما إلى المواطن العربي من أجل ان يفهم ان الحكومات العربية ممثلة بكل من فيها هي حكومات “للقمع”ولا فرق بين وزير ووزير إلا بقدر انخراطه في القمع وتنفيذ سياسات حكومته.
الغريب في موضوع العربان، وأنهم يختلفون على كل الاشياء المفيدة أوالصالحة، فهم لا يمكن ان يتفقواعلى مسائل مثل التنمية والتطوير او العلم والتكنولوجيا او المضي قدما من اجل التقدم أماما بالمجتماعات العربية والانسان العربي، ويمكن ان نسوق العديد من الامثلة في هذا الاطار فيما يتعلق بالاتفاقات الاقتصادية وحرية الحركة والانتقال للافراد والبضائع وكذلك فيما يتعلق بالسوق العربية المشتركة واتفاقية الدفاع المشترك وغيرها العديد من القضايا التي قد تكون ذات فائدة للانسان اوالمواطن العربي، إلا اننا نجد أن هذه الامة” الرسمية” لا يمكن ان تختلف فيما يتعلق بالقضايا التي يمكن من خلالها ايجاد المزيد من وسائل القمع لهذا الانسان المغلوب على امره، حيث نجد أن الاتفاقات تتم بشكل سريع ودون الخضوع الى الكثير من التردد او مراجعة المركز او العاصمة أو العودة الى الرئيس لان كل ما يمكن ان يتم توقيعه هو بالضرورة جيد بالنسبة ” للحكومات والانظمة”.
ان نعلم بان بعض الحكومات ممثلة بوزراء الاعلام او غيرهم عارضوا او تحفظوا على وثيقة البث الفضائي فهذا شيء جميل، وان نعلم بان تحفظاتهم اتت على خلفية ان بنود الاتفاقية قد تفرض قيودا على حرية التعبير فهذا شيء اجمل، لكن المثير في هذا الموضوع هو ان تكون الدول الاكثر تحفظا على ما ورد في بنود الاتفاق هي من بين تلك الدول التي تعتبر ” صغيرة” مثل دولة قطر أو الامارات ولبنان وسلطنة عمان والبحرين فهذا ربما ما يبعث على الاستغراب وحتى الاستهجان، حيث ان الدول التي تتبنى الترويج بشكل كبيرلمزيد من القمع للحريات هي الدول التي يتم النظراليها على انها دولا رئيسية أو قائدة في العالم العربي مثل مصروالسعودية والجزائر وهنا يبرزالسؤال وهو لماذا تخشى مثل هذه الدول ان يمارس الانسان العربي حرية التعبير وهل لهذا علاقة باي شكل من الاشكال بالمواقف السياسية غير المقنعة للانسان العربي وخاصة فيما يتعلق بلبنان وفلسطين والعراق وكل القضايا الساخنة على الساحة العربية.
ان تتفق الدول العربية على القضايا الامنية فهذا مفهوم بالنسبة لنا برغم اننا نعتقد بانه غير مبرر، لكن ان تتفق الدول العربية على ان تفرض المزيد من القيود على الفكر والعقل العربي وان تحاول ” خصي الرأي ” بهذه الطريقة، فهذا ما نعتقد بانه مدعاة للاستغراب والاستهجان والادانة والرفض ايضا، خاصة وان لا امكانية للنجاح في هذه الموضوع في ظل زمن العولمة هذا وفي ظل الفضاءات المفتوحة والتي لن تستطيع أمة العربان مجتمعة ان تفعل شيئا تجاهه، واذا كانت هذه الحكومات معنية فعلا “بتنظيف الفضاءات ” من “التلوث”، فلماذا لا تفعل او تبذل جهدا من اجل منع “فضائيات العري والوساخات والمواخير والبورنو” التي تتزايد بشكل لا مثيل له، فصارت تدخل بيوت مواطني تلك الدول بدون حسيب او رقيب، ولماذا لا تتوقف الحكومات عن منح المزيد من التراخيص لمثل ” فضائيات الكباريهات” المقززة التي لا تتوقف عن بثها البذيء والمخالف لكل الاعراف والعادات والتقاليد والدين.
إن محاولات الحكومات العربية الحد من حرية الراي والتعبير بهذه الطريقة التي نعتقد بانها فجة وغيرلائقة، انما يدلل على خوف هذه الانظمة من الاقلام النظيفة ومن الالسن العفيفة التي لن تتردد في قول الحقيقة، والموضوع لاعلاقة له بتنظيم العمل او البث الفضائي او الاذاعي بقدر ما له علاقة بإخراس واسكات الالسن وقد كان لنا خلال الفترة القصيرة الماضية تجربة غير مشرقة عندما تم منع بعض القنوات من البث لانها قامت ببث هذا البرنامج او ذاك، وعلى هذا الاساس فاننا نعتقد بان هذه الاتفاقية يجب الا تمر لأن فيها من الإساءة للحكومات والانظمة وللانسان العربي اكثر مما فيها من فوائد ونتمنى على اصحاب القرار ان يعيدوا النظر في تلك الاتفاقية لعل في ذلك الخيرللجميع.
بيت لحم
20-6-2008