أظهر الاجتماع الأخير للجنة المركزية لحركة فتح الذي عقد في عمان وتميز برفض رئيس السلطة محمود عباس المشاركة به مادام سيرأسه أمين سر اللجنة المركزية فاروق القدومي. أن مشاكل فتح ليست للحل وأن حلها يتطلب
حلحلة عقد كثيرة مازالت عصية. كما بين أن هذا التنظيم ليس في وضع يؤهله لعقد مؤتمر عام يعيده الى لطريق الصحيح والسليم، بعدما عصفت به رياح أوسلو ، وقلبته رأساً على عقب خصوصاً بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات. ويا للعجب ألم يكن عرفات ومعه قادة وكوادر فتح يتوقعون موته وغيابه في يوم من الأيام؟.. ولماذا كان كل شيء بيده ..؟ رحل ياسر عرفات وذهبت معه فتح وكذلك اموالها وعاصفتها ومكانتها.
أخذت التجاذبات داخل فتح والمنظمة و التي كانت أقل حدة في حياة ياسر عرفات تزداد. كذلك تفاقمت الخلافات داخل أطر الحركة القيادية وبالذات في اللجنة المركزية. واتضح أن هناك مؤامرة خطيرة تحاك ضد أمين سر اللجنة المركزية للحركة فاروق القدومي ، يشارك ويساهم فيها فريق كبير من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري لفتح.إذ لم يسلم القدومي من الحملة التي تشن عليه بضوء أخضر من رئيس السلطة الفلسطينية. فعباس منع ويمنع سفراء منظمة التحرير الفلسطينية من استقبال ابو اللطف وتسهيل مهماته وسفراته. وقد حدث ذلك العام الماضي عندما رفض السفير الفلسطيني في المانيا استقبال ابو اللطف او التوجه الى المطار لادخاله من صالة كبار الضيوف والزوار متحججاً بالسفر خارج برلين. مع ان فاروق القدومي وزير خارجية دولة فلسطين التي اعلنها المجلس الوطني في الجزائر سنة 1988. ورئيس دولة فلسطين بالانابة بعد وفاة الرئيس عرفات. وامين سر اللجنة المركزية لفتح. وهو رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية والمسؤول الأول عن مكاتبها وممثلياتها وسفاراتها في كل دول العالم. وان تلك المكاتب والممثليات و السفارات لا يمكنها قانونياً تمثيل السلطة الفلسطينية لا من قريب ولا من بعيد. حتى أن هذا البند موجود في اتفاقيات أوسلو السيئة الصيت والسمعة. وللعلم فقط لا غير ان القدومي هو الذي ساهم في تعيين السفير المذكور في منصبه ببرلين.
لا بد من تذكير السيد فاروق القدومي أيضاً أنه يتحمل مسؤولية تاريخية في وصول عباس للمراكز التي يحتلها الآن. فقد أخطأ القدومي بعد وفاة عرفات حين رشح عباس لرئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. لأنه مهندس أوسلو الحقيقي ولا برنامج لديه سوى برنامج السلام المزعوم كيفما كان وبأي ثمن. فالقدومي كما البقية يعلم جيداً أن الرجل ضد المقاومة، وضد السلاح والكفاح المسلح ، وضد قذف الحجارة. كما أنه وبدون حياء وخجل قام في أكثر من مناسبة بوصف المقاومة والعمليات الفدائية بالحقيرة وما شابه ذلك. فكيف لرئيس يود أن يكون رئيساً لشعب مقاوم وقائداً لثورة استثنائية ومميزة أن ينطق بمثل تلك العبارات عن شهداء شعبه ونضالات ثواره؟ يبدو أن أبا مازن هذه الايام عرف أن خسر شعبه حين وضع فتح ومنظمة التحرير والقضية الفلسطينية في سلة الادارة الأمريكية، لتصبح حياة الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 رهن بمساعدات وهبات الدول والمنظمات الأجنبية. وهذه المساعدات لا تقدم مجاناً حتى من النرويج التي تدعي أنها وسيط محايد يعمل من أجل السلام. فصندوق استشمار اموال النفط النرويجية يساهم بعشرات ملايين الدولارات في شركات اسرائيلية وفرنسية تقوم ببناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية.
عملية الولاء للسلطان والارتهان للمال والمساعدات وصلت الى التجمعات الفتحاوية ومن يدور في فلكها من بقايا الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في مخيمات وتجمعات ومهاجر الشتات وبالذات في لبنان. فهؤلاء الناس الذين غابت عنهم أموالهم ، أموال شعبهم ، وأموال فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية اصبحوا رهائن لمن يدفع لهم المال ويسدد رواتبهم، فمنهم من وافق على لعب هذا الدور ومنهم من رفض. الذين وافقوا اصبحوا مثل العبيد عند الاسياد. والذين رفضوا مازالوا يعانون ويتعذبون بسبب ذلك.
إن أموال حركة فتح ليست ملكاً لفتح فقط انها ملك للشعب الفلسطيني الذي ظلت فتح تقوده على مدار سنوات طويلة كانت الأموال خلالها تتدفق بسخاء من الدول العربية ومن دافعي الضرائب الفلسطينيين الذين عملوا في الخليج وليبيا والعراق والدول العربية الأخرى. كذلك من أصدقاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. وقد ضُخت في حسابات منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح مليارات الدولارات فأين هي تلك الأموال ؟ ومن وضع يده عليها؟ ومن صرفها وكيف واين صرفها؟؟ وأين ذهبت بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات؟ وهل هناك في فلسطين من يعلم بحجمها و الأشخاص الذين وضعوا اياديهم عليها قبل وبعد وفاة ابو عمار؟ .. وهل هناك في فلسطين وفصائلها وفي منظمة التحرير وحركة فتح من سأل الذين سلبوا ونهبوا واغتنوا واصبحوا رجال اعمال وملاك للاراضي والشركات والمشاريع من اين لكم هذا؟ وكيف بقدرة قادر اصبحتم اثرياء بعدما كنتم بلا مال وبلا املاك …
إن املاك فتح المتبقية كثيرة لكن املاك فتح المسلوبة والمنهوبة والممنوحة للموالين والمستزلمين والتابعين أكثر بكثير. ولو أن فتح تنظيم معافى لكنا رأينا محاكم تفتيش ثورية حقيقية لا مجلس ثوري صوري ، تقوم بملاحقة اللصوص والفاسدين، والذين نهبوا وسلبوا واغتنوا على حساب دماء وتضحيات شهداء وجرحى واسرى ومناضلي فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأسره. ولكانت تلك المحاكم استطاعت تجفيف دموع امهات وزوجات وبنات الشهداء والجرحى الذين تركوا بلا مرتبات وبلا معيل. وكان اللصوص ومصاصي دماء الشهداء والجرحى الذين عملوا أو مازال بعضهم يعمل في مكاتب شؤون الشهداء والجرحى والاسرى يستغلون بعضهن ويعتدون على شرف البعض الآخر. ويسرقون مرتبات الناس. إن نظرة سريعة واستعادة تاريخية لتاريخ هذه المؤسسة تدعونا للتوقف فوراً عندها والبدء في تحقيق فوري يقود لثورة اصلاح في احدى أهم المؤسسات الفلسطينية. لكن كيف تقوم الثورة التصحيحية والحركة القائدة بحاجة لعملية اعادة بناء وتنظيف وتصحيح؟؟ ..
وكيف يمكن لشعب فلسطين أن يساعد فتح على اعادة بناء نفسها وترتيب بيتها بغية اعادة بناء وترتيب بيت الشعب الفلسطيني الذي هو منظمة التحرير الفلسطينية؟ سؤال ليس سهلاً أن نجيب عليه ببضع كلمات. فالاصلاح يجب أن يبدأ من فوق ومن راس الهرم. إذ مادام الرأس يشكو من العلل فأن الجسد كله سيعتل.
يقول البعض علينا أن نحاسب مدراء المكاتب والممثليات والسفارات التابعة للمنظمة وغالبيتهم العظمى كما هو معروف من حركة فتح أو المحسوبين عليها. و محاسبة هؤلاء على ماقاموا به من استغلال للمال العام والثراء على حساب شعب جائع ومكافح..
ويقول البعض كذلك علينا كفلسطينيين في المهاجر والمنافي ودول الشتات وحيث توجد سفارات ومكاتب وممثليات للمنظمة أن نبدأ بعملية متابعة دقيقة للسفارات والممثليات ومراقبة الذين يعملون فيها وثراءهم اللاشرعي. فهناك الكثير من هؤلاء حتى بعد انتهاء مهامهم مازالوا يملكون اموالاً وعقارات في الدول الاوروبية والعربية والأجنبية. إن محاسبة هؤلاء ومساءلتهم لا يمكن أن تتم قبل محاسبة ومساءلة مرؤوسيهم. وهذا لا تقوم به سوى حركة تصحيحية فلسطينية جماهيرية عامة. وامكانية قيام مثل هذه الحركة في المنظور القريب غير واردة وغير ممكنة. لذا يمكننا هنا فقط اعلاء الصوت والتذكير بأن أموال واملاك فتح والمنظمة ليست ملكاً لغير الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمنها تضحيات ودماء وشهداء واسرى وجرحى ومخيمات أزيلت عن الوجود.. وعناء مازال مستمراً في مخيمات وتجمعات الخارج (لبنان ، العراق و الكويت) وفي داخل فلسطين المحتلة.
* مدير موقع الصفصاف www.safsaf.org