…… يبدو أن الوساطة المصرية،قد قادت إلى تهدئة فلسطينية- إسرائيلية في قطاع غزة،بدء سريان العمل بها من صباح يوم الخميس 19/6/2008،هذه التهدئة والتي يرى الكثير من القادة والساسة والمحللين السياسيين،
أنها لن تصمد طويلاً،فالعديد من الأطراف الفلسطينية أبدت تحفظاتها عليها لكونها جاءت مجزوءة،ولا تشمل الضفة الغربية،وأبقت يد الاحتلال طليقة في استمرار حربه وعدوانه على شعبنا الفلسطيني،وبالتالي عمليات تفجيرها تبقى قائمة،وبالمقابل الكثير من قادة الحكومة الإسرائيلية،يضغطون نحو الحسم العسكري في قطاع غزة،لأن من شأن التهدئة في القطاع،أن تعزز من نفوذ وسلطة وقوة حماس في قطاع غزة،ناهيك عن مثل هذه التهدئة من شانها أن تفكك وتزيل حلقات الحصار الدولي الظالم الذي تقوده أمريكيا وإسرائيل على شعبنا الفلسطيني،كما أن جنرالات وقادة إسرائيل،قد اعتادوا في مرحلة الأزمات الداخلية،من أجل زيادة رصيدهم وشعبيتهم وتحسين مواقعهم وزيادة مقاعدهم في الكنيست الإسرائيلية،أن يوغلوا في الدم الفلسطيني والعربي،والذي يوغل من قادتهم ويرتكب مجازر أكثر،يحصد مقاعد وشعبية أكثر،وعلى الأرجح أنه مع تحرر الجندي الإسرائيلي الأسير”جلعاد شاليط” من الأسر،وبدء سريان العد التنازلي للانتخابات الإسرائيلية المبكرة،نتيجة للفضائح المتلاحقة المرافقة لأقطاب حزب”كاديما” الإسرائيلي وعلى رأسهم زعيمه”يهود أولمرت”،فإن نهاية التهدئة تكون قد اقتربت،ناهيك عن أن فصائل المقاومة،لن تقبل أن يذبح شعبنا ويستمر اغتيال واعتقال قادته ومناضليه في الضفة الغربية،ثمناً لهذه التهدئة الناقصة وغير الملزمة للاحتلال.
أما في الحوار الداخلي الفلسطيني،والذي يبدو أن الظرف الداخلي الفلسطيني،قد أصبح أكثر نضجاً لانطلاقه،وخصوصاً أن كل الدلائل والمؤشرات والمعطيات،تشير إلى انسداد أفق التسوية والمفاوضات،وقد تلمس فريق السلطة الفلسطينية هذا الفشل والانسداد والتعنت الإسرائيلي،من خلال الكثير من اللقاءات والمفاوضات”المارثونية” مع القادة الأمريكيين والإسرائيليين،فالقيادة الإسرائيلية في لقاءها الأخير مع وزيرة الخارجية الأمريكية”رايس”،بلغت وأعلنت أن الاستيطان في القدس والكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية سيتواصل،وكذلك في اللقاء الأخير الذي جمع عباس مع “أولمرت”،استبقت القيادة الإسرائيلية هذا اللقاء،بالإعلان عن طرح عطاء لبناء 1300 وحدة استيطانية أخرى في القدس،ناهيك عن أن هناك اعتراضات إقليمية هامة على هذا الحوار الفلسطيني،بدت راغبة في انطلاق هذا الحوار،عقب نجاح الوساطة القطرية في حل مشكلة الاستعصاء اللبناني،بعد 18 شهراً من الاستعصاء والمراوحة.
ومن هنا فنحن نرجح أن الدعوة لهذا الحوار،جاءت على هذه الخلفية،رغم عدم استبعاد أية خلفيات أخرى،من طراز وجود اتفاق فلسطيني – إسرائيلي سري بحاجة لإخراج جيد،تكون حماس جزء من عملية الإخراج تلك.
والمهم هنا أن الساحة الفلسطينية،أحوج ما تكون لهذا الحوار،من أي وقت مضى،حيث لقيت هذه الدعوة للحوار من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس الترحاب والقبول من كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،ودعت كل الأطراف الفلسطينية للإسراع والتعجيل فيه،لأن من شأن تأخيره ألحاق ضرر بالغ في الشأن والبيت الداخلي الفلسطيني من حيث تكريس حالة الفصل الجغرافي والسياسي بين جناحي الوطن،وتشكيل مخاطر جدية على الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية،وهذا الجوار بالضرورة أن يكون شاملاً،ولا يستند إلى لغة المصالح والمحاصصة الثنائية والفئوية،وأن لا يغلق الجرح على الصديد،ويقفز عن عملية تقيم ومراجعة شاملتين للمرحلة السابقة،ناهيك عن محاسبة ومسائلة كل الذين تثبت علاقتهم ومشاركتهم وإدانتهم في التآمر والإيغال في الدم الفلسطيني،وهذا الحوار يجب أن يستند إلى ما جرى الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني- وثيقة الأسرى،واتفاق القاهرة آذار/ 2005،الخاص بتفعيل وتطوير وإعادة بناء هيئات ومؤسسات م – ت – ف،على أسس ديمقراطية،وإجراء انتخابات شاملة فيها على قاعدة التمثيل النسبي الكامل،بعيداً عن لغة المماطلة والتسويف والمخادعة.
أما موضوعة تبادل الأسرى،والتي ربما أحد المبررات القوية،التي دفع إسرائيل للموافقة على التهدئة،والتي كانت إسرائيل تصر على أن،يكون إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور”جلعاد شاليط” جزءاً منها، فيبدو أن حماس نجحت في فصل هذا الملف عن موضوعة التهدئة،ولكن رغم ذلك فإن موضوعة التبادل على الجبهتين اللبنانية والإسرائيلية،تتدحرج إلى الأمام،بشكل كبير على الجبهتين،فصفقة التبادل بين إسرائيل وحزب الله،قد تتم في أي لحظة،بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية عليها،وما يتم تسريبه من معلومات مصدرها الطرف الإسرائيلي،أنها لن تشمل سوى الأسرى اللبنانيين،على اعتبار أن الجنديين الإسرائيليين المأسورين في عداد الأموات،ومصادر وتكهنات أخرى،طبعاً غير حزب الله،تقول بأنها ستشتمل على أسرى فلسطينيين،كدفعة ثانية ولكن الأسماء والأعداد المفرج عنها،ستكون كما كانت عليه في صفقة التبادل السابقة.
ونحن نتفهم حرج وظرف حزب الله،إذا ما كان الجنديين الأسرى في عداد الموتى،أما إذا كانا على قيد الحياة كلاهما أو أحدهما،فمن حق الأسرى العرب والفلسطينيين،وخصوصاً القدماء منهم وأصحاب الأحكام العالية،والذين وثقوا بشيخ المقاومة،وتعلق مصير وأمل إطلاق سراحهم بهذه الصفقة،أن يكونوا جزءً من هذه الصفقة،فهذا عامل هام في تعزيز عامل الثقة في المقاومة ودورها في إطلاق سراح الأسرى،وعامل هام في رفع معنويات الأسرىوتعزيز عوامل صمودهم وثقتهم بهذا النهج والخيار،أما إذا ما حدث عكس ذلك لا سمح الله،فهذا عدا عن أنه،يزيد من حالة الإحباط واليأس وعدم الثقة بين الأسرى،فإنه يضرب صدقية والثقة العالية بسماحة الشيخ حسن نصر الله،لما له من رمزية وقيمة معنوية عاليتين بين الأسرى.
وفي موضوعة “شاليط”فرغم الثمن الذي دفعه شعبنا لأسر هذا الجندي من شهداء وحصار ودمار،فإن ثبات قوى المقاومة وفي مقدمتها حماس،على مطالبها فيما يتعلق بالأسرى المطلوب إطلاق سراحهم ثمناً لهذه الصفقة،وخصوصاً أن المعلومات المتوفرة،تشير إلى موافقة الجانب الإسرائيلي،على معظم الأسماء المطلوب إطلاق سراحهم،يدلل على أن هذا النهج والطريق هما الكفيلان بتحرر أسرانا من السجون والمعتقلات الإسرائيلية بعزة وكرامة،ودون أية اشتراطات وابتزازات سياسية إسرائيلية،كما هو الحال فيما يسمى بصفقات الإفراج وبوادر حسن النية،والتي لم تثمر ولم ولن تنجح في إطلاق سراح أي أسير فلسطيني خارج التصنيفات والتقسيمات والشروط الإسرائيلية.
وتبقى التهدئة وصفقة التبادل وتحرر قسم هام من أسرانا في السجون الإسرائيلية،ثمرة هامة من ثمار الصمود المقاومة الفلسطينيين،ويبقى الحوار الوطني الفلسطيني ،هو العنوان والمطلب الرئيس لكل جماهير شعبنا الفلسطيني، من أجل التوحد وإنهاء حالتي الانقسام والضعف في الجسم الفلسطيني، وتركيم عوامل وشروط الانتصار،والتحرر والانعتاق من الاحتلال.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
20/6/2008