علي الكاش
لاشي يرينا عمق المأساة التي يعيشها المواطن الإيراني في ظل حكومات الملالي التي عصفت بتدمير الإنسان والدولة بخبث ومراوغة لم يشهد تاريخ إيران المعاصر لها مثيل أكثر, فقد كتمت أنفاس هذا الشعب بالغصب والاحتيال
وغلالة كثيفة من التعصب والقهر. وانجرفت في سيل من التعقيدات والتناقضات ضيعت معه كل ملامح الرئيسية للمستقبل الذي ضاع في دهاليز المجهول. فمن خلال التقارير الدولية التي تكشف يوم بعد آخر مأساة هذا الشعب المسلم الذي أبتلى بشلة من الضواري البشرية التي تتاجر بعمامة الرسول الكريم التي يضعونها فوق رؤوسهم الممتلئة حقدا وكراهية ليس لشعوبهم فحسب وإنما للعرب والمسلمين الذين انتشلوهم من بحر الظلام المجوسي ونظفوهم من أدران عبادة النار والمزاعم التأريخية المغلوطة وسمو بقلوبهم إلى مراتب الفضيلة. إن قصة الشعب الإيراني قصة طويلة ومريرة منذ قرون طويلة وازدادت مرارة بتولي الملالي مقاليد الحكم حيث تحولت حياة الشعب إلى جحيم حقيقي, فقد شدد الخناق عليه وفرضت عليه قيود حددت حركته ونشاطاته وامتهنت كرامته ونزفت جروحه وأستبيح لحمه وابتلعت ثرواته وانتهكت حقوقه ونفيت ثقافته إلى كهوف العصور الوسطى. وكان العالم يقف مكتوف الأيدي وأحيانا متفرجا أمام مشهد تراجيدي يصور شعبا يستغيث من جور الضباع المعممة التي تحكمه بغفلة عن التأريخ والإنسانية والحضارة. ومن الطبيعي أن تضع هذه الحالة من الغموض والالتباس وتغييب الحقائق علامات استفهام كثيرة أمام الموقف الدولي من حقيقة ما يجري في إيران وإهمال معاناة الشعب في الداخل والتركيز على الأزمة النووية فقط.
فمنذ تسلم أصحاب العمائم دفة الحكم بدئوا بإثارة الاضطرابات داخل إيران وخارجها حيث قاموا باضطهاد شركاء الوطن من السنة والأكراد والبلوش والاذريين والمسيحيين وبقية الأقليات الراسخة الجذور في عمق تأريخ البلاد, لأنهم على حد زعمهم ” ليسوا من أحباب أهل البيت” وضمنوا دستورهم بند الطائفية المقيتة بأن يتسلم الوظائف العليا في الحكومة ممن هم على المذهب الأثنى عشري فقط! وقاموا بتزوير الانتخابات الخاصة بمجلس الخبراء عبر انتخاب(164) مرشحا بناءا على التمييز المذهبي والعنصري ووصفت المنظمات الدولية ومنها منظمة العفو الدولية ومراقب حقوق الإنسان النتائج بأنها تمثل انتكاسة حادة لحكومة نجادي! وبالرغم من الغطاء الديني للحكم لكنه في الحقيقة أبعد ما يكون عنها فقد ازداد معدل الجريمة في إيران أكثر من 25% عن قبل, وانتشرت ظاهرة اللقطاء لتمثل مشكلة عصيبة تقدرها بعض المنظمات الدولية بأكثر من نصف مليون لقيط؟ وارتفع معدل التضخم بنسبة تزيد عن 20% إضافة إلى تفاقم ظاهرة البطالة وانتشار الفساد في مختلف مفاصل الدولة. وانتهكت حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بشكل صارخ وبالرجوع إلى تقارير لجنة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومراقب حقوق الإنسان سنجد إن إيران تصدرت بجدارة الدول في حجم انتهاكاتها لحقوق شعبها! فخلال عشرين يوما أعدمت الحكومة(25) سجينا!
وعلى الصعيد الخارجي فقد حشر الملالي أنوفهم في معظم الدول العربية والإسلامية تحت غطاء التبشير المذهبي فأثاروا البلل والفتن في اليمن بتشجيع الحوثيين على التمرد ضد الحكومة, وفي بيروت دعموا ميليشيا السيد حسن نصر الله بحجة محاربة إسرائيل وهم على علاقة وثيقة بها وفخخوا لبنان ثانية بالطائفية التي عصفت بالبلد في السبعينيات من القرن الماضي ولم يستفق بشكل كامل منها, كما إنهم دخلوا تحت أبط حركة حماس, مما جعل الرئيس المصري يصرح بأنه أصبح لمصر حدود مع إيران, وهناك تحركات مشبوهة لهم في مصر وسوريا ودول الخليج وباكستان والهند وغيرها من الدول, فشعار تصدير الثور الإيرانية انتقل من المرحلة الايدولوجية إلى مرحلة التنفيذ الفعلي.
كانت أفغانستان والعراق من أول ضحايا التدخل الإيراني من خلال التنسيق بين الشيطانين الأكبر والمعمم, وقد دفع الشعبان العراقي والأفغاني ثمنا باهظا لهذا التنسيق, ومن المؤكد إن الشيك الأمريكي في تدميرهما كان قد جير لصالح إيران, فقد سمحت لها الولايات المتحدة من خلال القضاء على نظام سلفي في أفغانستان يمثل تهديد مباشر لمبدأ تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار. ونظام علماني قوي كالعراق سبق أن أجرعها السم الزعاف وهي منحنية بذل وخنوع, وبذلك فقد أصبح الطريق مهيئا للملالي لتوسيع رقعة نفوذهم الأيدلوجي المتطرف, وهنا تتضح حقيقة الرياء الأمريكي بالادعاء إنهم يحاربون التطرف الإسلامي, فهذا التطرف أن تمثل بدولة فأنه يتمثل بإيران بالدرجة الأولى وحتى قبل أفغانستان, ومن الغريب أن يحارب التطرف الإسلامي في أفغانستان, ويسمح بتمدده في إيران؟ ومن ثم تبين إن النظام الإيراني يدعم تنظيم القاعدة ويوجد عدد من كبار قادته على أراضيها ومع هذا فأن الولايات المتحدة تغض النظر عن هذا الموضوع ولم تجاهر به أو تطالب بتسليم هؤلاء القادة الإرهابيين كما تزعم لها؟
العراق لم يحمل في يوم من الأيام صفة التطرف الإسلامي فالنظام الوطني السابق من الناحية الأيدلوجية والممارسة الفعلية كان علماني التوجه مع احترامه الكامل للأديان والمذاهب, ولكن كان هناك فصلا ما بين الدين والسياسة, وكانت الولايات المتحدة اعرف من غيرها بذلك ورغم محاولاتها اليائسة لإيجاد خيط رفيع بينه وبين الإرهاب لكن محاولاتها كانت فاشلة وقد أعترف الكونغرس نفسه بأنه لم يثبت وجود علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة أو زعيمه أبن لادن. ومع هذا قد تم استهداف العراق لصالح إيران وإسرائيل بالدرجة الأولى!
وسياسة أمريكا مثيرة في تناقضاتها ففي الوقت الذي دعمت فيه قوى التطرف الإسلامي في إيران فأنها وقفت بالمرصاد تجاه الحركات الثورية ذات الايدولوجيا المعتدلة وأهمها منظمة مجاهدي خلق صاحبة التأريخ الجهادي العريق والسجل النضالي الناصع المفعم بروح التضحية والكرامة, ومن المعروف إن حركة المقاومة الإيرانية تضم بين صفوفها خيرة المثقفين والمتنورين من الشعب الإيراني على عكس الطغمة الحاكمة التي تحكم بعقلية القرون الوسطى, ومن المؤسف أن تحاول بعض الدول الأوربية أن تتزلف للنظام الإيراني المتغطرس مقدمة مصالحها على الحقائق الموضوعية, محاولة الطعن في تأريخ هذه المنظمة العريقة, ويبدو أن الصحوة الأوربية قد بدأت تظهر في الأفق رغم تأخرها بعد أن شهد العالم كله حقيقة نظام الملالي وتوجهاته الخطيرة وتصاعدت المخاوف الدولية من سباقه النووي فهو نظام لا يؤتمن وفق جميع المعايير الدولية وانه يمارس التقية السياسية بشكل مفرط, وأعادت الدول الأوربية النظر في سياستها ودعمها لإيران محاولة الضغط عليها من جميع الجوانب, سيما إن الملف النووي لم يطوى بعد! كما تكشفت لها المخططات التوسعية التي تضعها الحكومة الإيرانية للسيطرة على الدول القريبة منها ومحاولاتها المستميتة لتصدير العنف والشغب إلى بقية الدول.
والبحث عن بديل مناسب عن نظام الملالي اعترفت هذه الدول إن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو أفضل البدائل المطروحة على الساحة الإيرانية لعدة أسباب منها التأريخ العريق لمنظمة مجاهدي خلق وجذورها الممتدة في أعماق الذاكرة الإيرانية ومسيرتها الجهادية الطويلة, وكذلك لضمها نخبة وصفوة المجتمع الإيراني من كوادر طليعية وأساتذة جامعات ومثقفين, كما إنها الأقرب إلى قلوب الإيرانيين لكفاحها ضد الشاه واستمراره لمقارعة نظام الملالي الحالي, علاوة على النهج المعتدل الذي يميزها فهي تمتلك رصيد فكري وثقافي هائل لا يقارعها فيه أي فصيل إيراني آخر وطروحاتها خالية من العنف والتطرف والمغالاة والتعصب, كما أنها مؤهلة من الناحية العسكرية فجميع مناضليها متدربين على السلاح ولديهم خبرة قتالية ممتازة مع ضبط وانضباط قلما تجده عند الجيوش النظامية المعروفة, إضافة إلى إنها صاحبة اكبر رصيد شعبي داخل إيران ومعروفة بروح الانفتاح الفكري والتسامح والتعايش السلمي, علاوة على إنها معروفة على الصعيد العربي والإسلامي و تفاعلاتها مع المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات العالمية وتحظى قيادتها باحترام الجميع. وللمنظمة طريقها المميز ومبادئها الثابتة فهي ترفض الخضوع والانصياع للسياسات والثقافات والرؤى التي تجافي تاريخها وتراثها الثقافي مستمدة قوتها وتأثيرها من خلال تبني نظرية الاعتدال والتوازن في سياستها تجاه الداخل وكذلك التحولات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يشهدها العالم.
وبعد تبنى بريطانيا رفع اسم المنظمة من قائمة المنظمات الإرهابية وهو ظلم دولي كبير لحق بالمنظمة إذ ليس من المنطق والعدل والأنصاف أن توصف بالإرهاب, شأنها شأن بقية التنظيمات الإرهابية, وليدلنا الغرب عن عمل إرهابي قامت بها المنظمة في أية دولة سواء كانت أوربية أو غير أوربية؟ الجميع يعلم إن منطقة تحركها ونشاطاتها العسكري لم يتجاوز الداخل الإيراني وهذا شأن كل الحركات الثورية في العالم فهي تعمل على تقويض النظام الذي يناصبها العداء بكل الوسائل المتاحة. ومن المفترض أن تنحى بقية الدول الأوربية نفس المنحى البريطاني وتعترف بالمنظمة باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الإيراني, وتبدأ بالخطوة التالية وهي أن تفتح لها فروعا أشبه بمكاتب منظمة التحرير الفلسطينية, فاسحة المجال للمنظمة لإزالة غبار السنين العجاف الذي تراكم على أسمها بسبب التزلف لنظام الملالي وإعادة بريقها سيما انه بريق حقيقي وليس مصطنع. وبهذا تكون الدول الأوربية قد أعادت بعض الحق لمن ظلمته بلا وجه حق. وحري بالدول العربية والإسلامية بعد أن تكشف الدور التخريبي الإيراني في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان واليمن ومصر وبقية الدول أن تفتح ذراعيها للمقاومة الإيرانية البطلة وتنصرها على الريح الصفراء القادمة من نظام الشرق.
في الاجتماع السنوي الرابع لمؤتمر تضامن الشعب العراقي الذي عقد في مدينة اشرف بتأريخ 14/6/2008 كان هناك تناغم كبير بين المنظمة والشعب العراقي الذي يستضيفها تناغم يعبر عن رؤية مشتركة لمخاطر حكومة الملالي على المنطقة وهذا ما دفع (3) مليون عراقي معظمهم من شيعة العراق الأقحاح يطالبون بطرد عناصر المخابرات الإيرانية وعناصر فيلق القدس الإرهابي من العراق الذين يتوزعون وينتشرون في المؤسسات الحكومية ومجلس النواب ووزارة الداخلية والدفاع بشكل خاص, كما طالبت الملايين بغلق السفارة الإيرانية التي تعتبر بوابة نار جهنم على العراقيين فعن طريقها وعبر القنصليات الإيرانية تحاك الدسائس والمؤامرات ضد العراق والتيارات الوطنية الشريفة والمقاومة الباسلة سيما أن السفير الإيراني وهو من ضباط فيلق القدس سبق له أن تدخل لعدة مرات بطريفة صلفة تتنافى مع عمله الدبلوماسي في شئون العراق الداخلية ولو كانت في العراق حكومة تحترم نفسها وشعبها لرمته كالجرذ خارج الحدود, كما اعترف الكثير من المسئولين العراقيين أن القناصل هم الحكام الفعليين في المحافظات التي يتواجدون فيها! وطالبت الوفود المشاركة برفع القيود على سكان مدينة اشرف وإعادة الممتلكات التي صودرت منهم, والتوجه العربي و الدولي للاعتراف بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بعد أن رفع عنه صفة الإرهاب وألحقت بفيلق القدس وكان هذا هو الصواب, باعتبار المجلس هو المعبر الحقيقي عن آمال وتطلعات الشعب الإيراني وهو البديل الصحيح والكفء لنظام الملالي المتعجرف ولا يصح غير الصحيح.
مما لاشك فيه أن هذه الملايين من الغيارى النشامى لم تجتمع على خطأ وإذا أضفنا لهذا العدد جميع أبناء السنة والشيعة وبقية المواطنين الشرفاء الذين لم يحالفهم الحظ لأن يدلو بدلوهم مع الملايين الثلاث فأن هذا يعني أن الشعب العراقي يقف بمعظمه مع المجلس الوطني للمقاومة! أما الأصوات النشاز التي خرجت من هنا وهناك فأنها كفحيح الثعابين التي عاشت في السراديب الإيرانية تحاول أن تبث سمومها على العراقيين ومن يحبهم بصدق ويقف معهم بقوة ويفضح حقيقة شياطين قم ودسائسهم ضد العراق وبقية الدول. وان نجاح المؤتمر هو سبب استياء حكومة الاحتلال وتذمرها ومحاولتها إثارة موضوع طرد المجلس من العراق من جديد ورفع الحماية عن مدينة اشرف للثأر من سكانها وتفريغ سموم الانتقام في جسد المدينة الصامدة بالرغم من الهجمات البربرية الشرسة التي تتعرض لها باستمرار من قوى الشر والضلالة الصفراء.
وبسبب هذا الاجتماع التضامني مع الشعب العراقي والذي دعمه(135) حزب وتيار سياسي واجتماعي و(110) من مجالس شيوخ العشائر ومنظمات المجتمع المدني و(197) إتحاد ونقابة ومنظمة وطنية و(8800) من رؤساء العشائر والوجهاء و(5814) من رجال القانون والمحاماة وحوالي(23030) من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين. ليس لدينا سوى أن نشد أيدينا بقوة على أيدي المجلس ونهنئه بهذا النصر الساحق والدعم الكبير الذي حظي به بشرف وأهلية من قبل مضيفيه العراقيين وبنفس الوقت ندوس بأقدامنا بنفس القوة على الحشرات الضارة التي تبغي الأذى والإساءة للشعب العراقي العظيم.
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي