وليد رباح
لا نشك اطلاقا .. ان ما نكتبه هنا في غربتنا عن امريكا ..
وليد رباح
لا نشك اطلاقا .. ان ما نكتبه هنا في غربتنا عن امريكا .. لو كتبناه في عالمنا العربي لأقامت لنا اجهزة المخابرات عرسا حقيقيا يجمعون فيه زجاجات الكولا ويدسونها في أمكنة حساسة من اجسادنا بعد نزع غطاء الزجاجة وكسر حوافها العليا .. وليس ذلك حسن اخلاق من الادارة الامريكية التي ( تهتم بحقوق الانسان .. واقصد هنا انسان امريكا الابيض) .. ولكنه الدستور الامريكي الذي يحمي حرية الكلمة .. ولو ترك الدستور الامريكي هذه الادارة ومن قبلها تفعل ما تريد لرأينا الاصوات تصرخ .. ولخرجت المظاهرات بالملايين مستنكرة ما يحدث .. ولوجد الرئيس الامريكي نفسه في قفص الاتهام .. كما وجد نيكسون قبله نفسه .. فاضطر مرغما على التنازل لنائبه .. وما زالت فضيحته تدوي حتى يومنا هذا ويتندر الامريكيون عليه حتى بعد ان شبع موتا .. كل ذلك لانه خرق الدستور وقام بالتنصت على البعض وكانت حجته الحفاظ على أمن امريكا القومي ..
ولكن هذه الادارة الذكية التي تنضح غباء .. تقوم بحجة مقاومة الارهاب باصدار ملاحق وتعليمات تقول انها مؤقته ولا تمس جوهر الدستور مما يعتبر خرقا من اوسع ابوابه .. ولكنه خرق يشبه الى حد كبير ما يصيب بعض الفتيات ( خاصة في بلادنا) فتلجأ الى الطبيب لكي ( يخيطها) مؤقتا قبل ليلة الزفاف باشهر معدوده .. كي تخدع العريس ويظن انه قد تزوج رابعة العدوية .. الا ان ذلك لا ينطلي على المجرب الخبير الذي ما ينظر الى عينيها وما بهما من انكسار حتى ( يرقعها) واحدة بائنة بينونة صغرى او كبرى فتذهب من حيث أتت .. أما جنابه فيكون قد جاب الدنيا طولا وعرضا لأنه فاقد ( العذرية) او لا اثبات على عذريته او عدمها اصلا .. وليس من دليل واحد يثبت انه قطع السمكة وذيلها ..بل وارتكب الموبقات السبع لكنه يحلف اغلظ الايمان انه طاهر الذيل نظيف الثوب قد غسله الله بالثلج والماءوالبرد ..
ولا نشك ثانية .. ان امريكا الحلم .. امريكا التي تبني الانسان اقتصاديا ولكنها تصيبه بالاكتئاب نفسيا ما زالت تلاقي هوى ورغبة لدى الذين يتجمعون امام سفاراتها في الخارج لكي يحصلوا على فيزا الدخول عوضا عن الاقامة الدائمة .. وهم بالالاف في جميع انحاء العالم لا نفرق في هذا بين عربي واجنبي الا بالتقوى .. وكل اولئك الذين يصطفون في طوابير منتظمة تابوا عن السياسة وقرفها وحلفوا اغلظ الايمان انهم اذا ما وطئت اقدامهم ارض امريكا فانهم سيتحولون الى ارانب يعملون ( كالحمير) السائبة .. ثم يبدأون (عند تحنان القنصل ) بتحويل الدولارات الى عملة البلد الذين يأتون منه فتصبح السنتات الافا .. والحلم حقيقة .. والامال وعودا مجسمة .. لكنهم عندما يأتون الى هنا يصابون بالذهول لان النقود التي يكسبها من يعمل هنا تطير مع الفواتير فتذهب الاحلام ادراج الرياح .. الا من وفر من قوته وعاش سنوات حياة الضنك كي تستقر احواله .. ولا ننكر في كل ذلك ان الحياة في امريكا مريحة نسبة الى ما يلاقيه الانسان من عنت في كثير من بلدان هذا العالم .. لكن الانسان فيها يبني للجيل الذي بعده .. مثلما هو المثل العربي الذي يقول : زرعوا فاكلنا .. ونزرع فيأكلون .. اي ان بحبوحة العيش تأتي للاولاد وليس للجيل الاول .. ولكن الاولاد يا سادتي بعد جيل واحد تصبح بلادهم الاصلية في اعينهم وخيالهم اثرا بعد عين. هذا ان لم يكن المهاجر الاول قد اجهد نفسه في تعلم اللغة الانكليزية ( بدون معلم ) فيحفظ من الكلمات ما يعينه على ان ( يتأمرك) مجرد وصوله الى اي مطار امريكي ..
ولقد كانت الهجرة الى امريكا فيما مضى من الزمان حلما جميلا للقادمين اليها.. فبعد سنوات قليلة من الولوج الى عالمها يغرق الانسان في العمل فيبني نفسه ان لم يكن باشهر ففي سنوات .. لكنها اليوم يا ساده .. اصبحت مثلما وصفناها في مقدمة هذه الكلمة .. عروس رائعة الجمال من الخارج .. لكنها من الداخل تأكل ابناءها .. فالقادم اليها يعمل مثل الثور صبحا ومساء وعشاء ولكنه يحصل في النهاية على جيب فارغ يعد فيه السنتات (وليس الدولارات) فيراها لا تكفي لطعامه وشرابه وسكنه وفواتيره ومواصلاته ..
ولا نريد ان نتطرق الى سياستها وعسكرتها .. ففرعنتها السياسية والعسكرية مبنية على قوة اقتصادها ومصالحها .. واني لاضحك كلما عن لكاتب ان يحلل ( انهيار ) امريكا الاقتصادي بانه وشيك .. انهم حتما يحلمون في اليقظه .. وما ذلك الا لان الهواء الذي يتنفس فيه الناس في بلدانهم يتحول الى دولارات في جيب الخزينة الامريكية .. فالعصر التكنولوجي الذي نعيشه يبيع الهواء من خلال الاقمار الصناعية ..
أمريكا ايها السادة ما تزال حلما جميلا .. ولكنه الحلم الذي يبدأ بالطيران في الهواء وينتهي بكابوس يضغط على نفسك وجسدك .. وأرجو ان لا يتهمني البعض بانني لا اريد لهم القدوم الى هذه البلاد الرحبه .. غيرة منهم وحسدا .. او كما يقول الاهل عندما لا تستطيع استقدامهم هنا من خلال قوانين الهجرة ..
انها العروس التي تصبغ وجهها وجسدها ليلة الزفاف .. فتراها جميلة رائعة في الليلة الاولى .. اما عندما يجن الليل بعد ( الدخلة) فانها تخلع اسنانها الصناعية لتضعها في كأس من الماء حتى لا تتعفن .. وربما كانت عينها الزجاجية هي ما ترى به ..وتخلع ثوب الزفاف فاذا بالجسد محروق نصفه او يكاد .. ثم من بعد ذلك بايام ينبت الشعر الذي ازيل عن الجسد ثانية فتصبح العروس عبارة عن معزة ملوثة الجسد بالبثور .. لكن بعض الناس يرضون بالواقع فيعيشون فيه .. والبعض الاخر يشد رحاله ثانية الى الوطن ليقول : طين الوطن ولا دولارات الغربه !!وتصبحون على خير .