بقلم خضر عواركة
تحاول إستعادة التاريخ السعودي في تعامله مع القضايا العربية بدءا من قضية فلسطين، وتستعرض :
حين قامت ثورة فلسطين الكبرى في العام 1936 بدفع من دماء الشهيد عزالدين القسام عالم الدين المناضل الذي شكل بوعيه لمتطلبات الصراع مع الصهاينة في ذلك الوقت حالة إستثنائية، فهو عرف بأن التخطيط والصبر والتأني هي متطلبات موضوعية لفتح المعركة ضد الإستعمارين البريطاني والصهيوني في فلسطين، فبدأ وهو السوري المولود في مدينة جبلة والمنفي من بلده ومدينته على يد الفرنسيين الذين أدانوه وحكموه بالإعدام بسبب مقاومته المسلحة لهم في سوريا، فجاء إلى فلسطين واعيا ومجربا فكانت منظمته الثورية القائمة على لجان للتدريب وأخرى للتثقيف وثالثة للأمن ورابعة للتموين والدعم وخامسة للعمليات العسكرية وسادسة لجمع التبرعات وسابعة للإعلام (الشفهي للأسف) والتحريض ، وقد إستخدم القرى المحيطة بحيفا كمنطلق لحركته التي تألفت بمعظم أعضائها من الريفيين الفقراء لعلمه بانهم الأكثر إستعدادا للتضحية، أرسل الشيخ الوفود يستحث العرب من فاعليات دينية ورسمية وشعبية لتزويده بالسلاح أو بالمال لشراء السلاح فكان أن أعتقلت السلطات الفرنسية مندوبيه في لبنان وفي سوريا وأعتقل البوليس الأردني الحدودي مجموعة أخرى من سفراءه إلى العشائر في شرق الأردن وكانت الطامة الكبرى في قيام السعوديين في مكة المكرمة وفي موسم الحج عام 1935 بإعتقال أحد مناصريه الذي كان يجتمع بالمسلمين القادمين من شتى اصقاع الأرض ويحثهم على جمع التبرعات وتحريض المواطنين في بلدانهم للتطوع بالقتال والمال وإرسال الدعم المادي والمناضلين إلى فلسطين للمشاركة في الثورة التي كان يعد لها الشيخ ، الطامة لأن السلطات السعودية بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن الملقب بابن سعود ليس فقط أنها لم تساعده بالمال والسلاح والرجال ، لا بل هي إعتقلت سفيره وأعدمته بتهمة نشر الفوضى وتعكير صفو النظام والتحريض على مخالفة أوامر السلطان عبد العزيز، أعدم الرجل وقطع رأسه بحسب الوثيقة التي وجدها في الأرشيف البريطاني المرشح لنيل الدكتوراه بيتر برنيت وهو أميركي سيتقدم لنيل شهادة الدكتوراة ببحث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي (1920- 1948) من جامعة تورنتو التي يقيم فيها.
الباحث وطالب الدراسات العليا بيتر برنيت يضيف بأن الدور السعودي وبتحريض من المندوب السامي البريطاني في جدة لم يتوقف عند إعدام الفلسطيني الذي جاءه مستنجدا مناديا وأسلاماه وا عبد العزيزاه بن سعوداه (…التعبير من كاتب المقال) بل ان عبد العزيز بن عبد الرحمن السعودي ارسل الأموال والسفراء والمندوبين إلى ملك الأردن عبد الله بن الحسين ( الأفعى الأول) وإلى ملك مصر فاروق (1936- 1939) لكي يحرضهم على التعاون في قمع الثورة الفلسطينية مع البريطانيين وذلك لكي يكسبوا عطف بريطانيا العظمى ولكي يقدموا سبت الولاء فتبقى فوق رؤوسهم خيمة أحد الحماية البريطاني، وهو أرسل الأموال والرشاوى دعما لتلك التحذيرات والطلبات التي قدمها مباشرة البريطانيين إلى الزعماء الرسميين العرب، ولكنه أراد المزايدة على المحتلين لتبييض وجه سلطته أمام السيد البريطاني .
وعلى جبهة القيادة الفلسطينية فقد ارسل الملك عبد العزيز مئتي الف جنيه إسترليني لدفع الرشاوى للقيادة الفلسطينية الموحدة التي كانت تتخذ قرارت التصعيد وفقا لضغط الشارع الفلسطيني والقيادات المخلصة خصوصا الميدانية، يعمدون هم أنفسهم إلى تمييع المطالب وممالئة البريطانيين، وكم من مرة خذلت تلك القيادة المقاتلين والثائرين ، لقد كانت القيادة الفلسطينية ابان الثورة الكبرى قيادة الخبط الأعمى والقبول بالاسهل ، قيادة لم تؤمن بالسلاح وإستخدمت التظاهر بشكل عشوائي، ثم دعت إلى التسويات في كل مرة وصلت الرشاوى السعودية إلى جيوب المرتشين من أعضائها (الثلثين)
والمال الحرام كان يأتي من السعوديين وليس من البريطانيين القامعين للثوار بوحشية مطلقة (تدمير منازل شهداء وقادة المقاومة الفلسطينية عادة إبتدع جريمتها المخزية الجيش البريطاني في فلسطين قبل قيام إسرائيل).
القيادة الفلسطينية التي كان أغلب أعضاءها من الإقطاعيين والحزبيين التقليديين وعلى رأسهم مفتي فلسطين الملتبس الدور والتأثير والنيات المفتي أمين الحسيني، لم يكونوا فقط جهلة بطبيعة الصراع وغير كفوؤين في قيادة ثورة شعبية كان يمكن لها لو حصلت على الدعم والمساندة من الدول العربية أو من شعوبها ولو كان لها قيادة موحدة فعليا، وحكيمة لا تتأثر بالضغوط والوساطات الهادفة لتمييع الأهداف والغايات التي من أجلها قامت الثورة.
لو أن البيوت التي هدمها البريطانيين وجدت من يبنيها لأصحابها من جديد ولو كانت الحقول التي أحرقها الإنتداب البريطاني تجد من يعوض على اصحابها، ولو أن الفقراء في فلسطين إستلموا زكاة الأغنياء في دول العرب المحتلة والحرة في ذلك الوقت ، لو أبن سعود الزاعم بأنه خادم الحرمين (أول من أطلقه على نفسه)لو أنه في موسم الحج ارسل المعونات التي جمعها من الحجيج إلى الفلسطينيين أو لو أنه ارسل تمرا لفقراء فلسطين لربما لكانت الحال الآن غير الحال .
لو كانت للثورة الكبرى دعم مادي ومعنوي لما إنتصرت بريطانيا ولما جيرت نصرها للوكالة اليهودية ، لو إنتصر الشعب الفلسطيني على الإنتداب لكان أجبره على الرضوخ ولكانت الشروط الفلسطينية هي التي حددت التاريخ الذي تلى تلك الأحداث، وبالتأكيد لو أن الثورة الكبرى إستمرت وإنتصرت لما وجد الصهاينة مكانا يقيمون عليه دولتهم .
كل ذلك لأن مصر المحتلة لم تنجدهم وسوريا المتفرنسة بالإنتداب لم تستطع نجدتهم والعراق البريطاني النفوذ لم يكن ممكنا أن ينجدهم ، وحدها ارض الجزيرة كانت حرة ومستقلة عن الدول الغربية ولو إسما وشكلا، ورغم ذاك لم يقدم إبن سعود أي مساهمة لإنقاذ فلسطين، لا ولا حتى شارك في مؤتمر العام 1931 الذي عقد في القدس لوضع خطة إنقاذ المدينة من السقوط بأيدي المستوطنين، وما كان بالأمس هو نفسه ما هو حاصل اليوم .
غزة المحاصرة تئن ، ولا حركة واحدة من السعوديين لإجبار العالم على التدخل لفرض إحترام الإحتلال للقوانيين الدولية، وهو أمر لا يحتاج إلا إلى همة وضغط ديبلوماسي – سياسي – إقتصادي ، فدولة بحجم السعودية المالي والنفطي بالتأكيد لها تاثير وقعه ليس بالقليل في العواصم الكبرى المحتاجة لنفط السعودية ولأموال السعودية.
ما الذي منع الملك السعودي من نجدة ياسر عرفات في حصاره حتى التسميم في المقاطعة ؟ لا شيء منعه هو الذي إلتزم بالرغبة الأميركية بمقاطعة وحصار “الختيار” .
إن مراقبة السياسة السعودية ليجعل المرء كارها لتلك الأسرة التي إختارت دربا يعاكس المنطق ويعاكس ما تزعمه وتدعيه، هي تعلن الدفاع عن الإسلام ولكنها تترك قبلة المسلمين الأولى تسقط بيد الصهاينة دون أن تحاول ولو بترميش العيون رفض الإحتلال (بغير الأقوال الخجولة كل عشرين سنة مرة وفي أطار إستعراض دور المملكة في طرح السلام ) . قاتل عبد الناصر في الستة وخمسين فمع من كانت تقف السعودية مع مصر أم مع الحلف الثلاثي؟
هتكت كرامة الأمة العربية في السبعة وستين فمع من كانت السعودية ، وهل كانت شامتة بمصر وعبد الناصر أم حزينة على ضياع القدس وضياع الجولان وسيناء ؟
حتى في حرب الثلاثة وسبعين وما تلاها ، من قاد السادات إلى إتفاقية فك الإرتباط وشجعه عليها؟ ومن إستغل النصر العسكري الإسرائيلي في العام 1982 على ياسر عرفات وأجبره على الخروج من بيروت ؟ اليس السعوديين هم من فعلوا كل ما سبق ؟
هل تذكرون الدور السعودي في الإنتفاضة الأولى ؟ لقد ساهمت المملكة مساهمة فعالة في جمع التبرعات التلفزيونية ولكنها كانت ترسل تلك الأموال للمراكز السلفية في باكستان لإنشاء المدارس الطالبانية وما المشكلة في ذلك هذا دفاع عن الإسلام وهذا دفاع عن الإسلام (…)
لو قارنا الدور السعودي في دعم القتال الأفغاني ضد الروس هل يمكن أن نجد ولو واحد في المئة من الفزعة والمساندة السعودية الرسمية للمناضلين في فلسطين؟
السعودية سخرت مالها ومواطنيها ومخابراتها وسلاحها في خدمة القوى الأفغانية التي قاتلت الروس ، فماذا من كل ما سبق قدمت السعودية لفلسطين؟ كم سعودي يقاتلون في فلسطين أو على حدودها اليوم؟
وكم مرة زار رئيس مخابراتها معسكرات تدريب فتح وحماس لشد همتهم كما كان يفعل تركي الفيصل في بيشاور ؟
كم باخرة أو شاحنة سلاح ارسلت السعودية إلى فلسطين وكم قرار برفع الحصار المالي والغذائي عن بعض أرضها في غزة إقترحت على المجتمع الدولي ؟؟
إن المقارنة بين الدعم السعودي لتيار الحريري في لبنان (وضعت مليار وقدمت مليارا آخر هبة عدا عن صرفها على كل القوى المناوئة للمقاومة وهي أموال لا يعرف أحد حجمها ولكن يقال بأنها تبلغ مئات ملايين الدولارات سنويا ) إن مقارنة تلك الأموال بحجم الفقر في غزة وبحجم التهويد في القدس ليجعل المرء يتسائل ، لو أن السعودية تقدم مليارين لإنقاذ المقدسيين من ضياع مدينتهم وتهويدها ولو أن المليارين أرسلا إلى غزة فما الذي كان سيحصل ؟
إن زعم السعودية قيادتها لأمة العرب بعد عبد الناصر لهي دعاية لا يقبلها الشارع العربي على الإطلاق لأن المواطن البسيط في كل البلاد العربية (ما عدا في طريق الجديدة في بيروت وعكار وسعدنايل ) لا يصدق أن المملكة السعودية يمكن لها في أي يوم من الأيام أن تقوم بعمل بغير رضى الأميركيين والصهاينة ، ودعمها الغير مرئي لا في الواقع ولا في الإحلام لحركات المقاومة الفلسطينية يجعلك تظن مرغما بأن الذي بين إسرائيل والسعودية ليس علاقة عداء أو صداقة بل علاقة تكامل وتنسيق .
هزم أبو عمار في بيروت فسارع فهد لتأكيد الهزيمة وإستكمالها بإخراج أبو عمار من بيروت، وسارع الملك فهد بعدها لإستثمار النصر الإسرائيلي العسكري بتحويله إلى نصر سياسي فإستقبل بمسعى من رفيق الحريري نفسه المرشح بدبابات الجيش الإسرائيلي للرئاسة بشير الجميل، وأعطاه بركته كرئيس مقبل للبنان.
ثم أعطى السعوديين بركتهم لإتفاق السابع عشر من أيار وهو الإتفاق الذي يترجم موازين القوى العسكرية بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، فجاء كوثيقة إستسلام ملطفة ألفاظها بشعة مراميه وتفاصيله خارقة وماسحة لكل كرامة في لبنان وللبنان من حيث تسليمها مقاليد السيادة للمحتل الإسرائيلي .
لا بل أن الملك شخصيا وعملا برغبته في نيل جائزة نوبل أو نوفل للسلام كان قد سارع إلى طرح مبادرة فهد – فاس للإستسلام النهائي للفلسطينيين.
مؤامرات السعودية على فلسطين لا يحتويها مقال، ولا كتاب يكفي بأنه لم يفتي دجال ولا محتال بفتوى منع الدعاء عن المقاومة إلا رجال الوهابية السعوديين .
يتبع
حلقة 1\2