بإنتخابه مرشحا للحزب الديموقراطى فى الإنتخابات الرئاسية ألأمريكية فى نوفمبر القادم ، وبعد تنافس شديد مع السيناتور هيلارى كلينتون ، وكاول أسود من أصل أفريقى فى تاريخ الولايات المتحده ألأمريكية يكون أوباما
قد تجاوز المرحلة ألأولى الأصعب فى محطة وصوله إلى البيت الأبيض ويكون بذلك قد تجاوز نصف الطريق فى التغلب على عقدة اللون ، والذى حال دون الوصول إلى الرئاسة على مدار أكثر من 150 سنة منذ أن نجح لا نجستون كأول أسود فى الوصول إلى الكونجرس ألأمريكى عن ولاية فرجينيا وهويمثل البداية الرمزية لعملية تمكين السود من المساهمه المباشره فى الحياة السياسية ألأمريكية ، فقد تمكن أوباما من ضمان ترشحه لمنصب الرئيس عن أحد أكبر حزبين سياسيين أمريكيين على الرغم من أن المسؤولين المنتخبين ألأفرو _أميركيين يمثلون أقل من 4فى المائة ، وحسب قول المؤرخ ألأمريكى وليام تشيك :يجب أن تنتبه لتلاحظ هذا التغير .والواقع أن نجاح أوباما هوأولا نصف إنتصار للولايات المتحده الأمريكية أن تنتصر على نفسها فى تجاوز عقدة اللون ، وهذا ما يفسر لنا معضلة السياسة الأمريكية وكيف شكلت بيئة السياسة ألأمريكية بؤرة إنصهار وإندماج سياسى وإجتماعى وهنا قد تمكن أحد عناصر قوة هذا النظام . مائة وخمسون سنة أو أكثر قليلا من النضال السياسى والإنتقال من مرحلة العبودية إلى مرحلة المشاركة إلى مرحلة الحكم ن وفى الواقع هذا الفوز هو فوز وإنتصار للولايات المتحده على نفسها ، وقد يكتمل هذا الإنتصار بفوز السيناتور أوباما بالإنتخابات الرئاسية ألقادمه لما يمثله من قوة دافعه للتغيير وإصلاح ما لحق بالسياسة ألأمريكية من أضرار وفجوة أبعدت بين الولايات المتحده ليس فقط وحلفائها بل العديد من الدول والشعوب وخصوصا فى العالمين العربى وألإسلامى . على مدار ثمان سنوات من إدارة الحزب الجمهورى تحت رئاسة الرئيس بوش .
ماذا يعنى فوز أوباما ؟
كما قال أوباما نفسه إن هذا الفوز يشكل مرحلة من أهم مراحل التاريخ السياسى للولايات المتحده ، فقد تأتى بعد مرحلة الإستقلال ألأمريكى ولهذا الفوز تفسيرات ودلالات سياسية هامه ، لكن من أهمها التساؤل هل يعنى فوز أوباما الخروج أو تغيير القواعد وألأسس التى تحكم نظام الحكم والسلطة وأهمها أمران :
اولا :التحالف الإقتصادى والعسكرى والسياسى ، فتحالف هذه المؤسسات الثلاث يشكل قاعده حاكمه لا يمكن تجاوزها .
وثانيا دور جماعات الضغط وبصفة خاصه دور اللوبى الصهيونى .
ففى كتابه من يحكم امريكا أجاب عالم السياسة الأمريكى روبرت دال على السؤال المطروح من خلال كتاب يحمل نفس العنوان ، أو ضح فيه أن تحالف المؤسسات الثلاث العسكرية والإقتصادية والسياسية ، هو الذى يقف وراء كل القرارات السياسية التى يتخذها الرئيس ألأمريكى .صحيح من الناحية الدستورية الرئيس ألأمريكى هو محور النظام السياسى ، ويملك سلطات وصلاحيات هائله للتغيير ، لكنه يمارس ذلك وفقا لنموذج الكوابح والجوامح الذى يعطى للكونجرس وحتى للمحكمة الإتحادية العليا دورا هاما فى السياسة الأمريكية لكن يبقى التأثير والنفوذ للتحاف بين المؤسسات الثلاث .التى لا يستطيع الرئيس ولا اعضاء الكونجرس من الخروج من دائرة نفوذها وتأثيرها والإستجابه لرغباتها .وفى السياق نفسه يلعب المال دورا حاسما وخصوصا فى أوقات الإنتخابات ألأمريكية وهى متعدده ومتنوعه على كافة مستويات النظام السياسى . والمصالح المشتركه بين هذه المؤسسات الثلاث هو الذى يفسر لنا كما أشار دال إلى من يصنع القرار ألأمريكى .وهنا يقفز مثال العراق وافغانستان وإيران والتحالف الإستراتيجى مع إسرائيل .وألأمر الثانى تأثير ودور آيباك والخطاب ألذى القاه أوباما أمام هذا اللوبى وأكد فيه بكلمات قاطعه وحاسمه تأييده المطلق لإسرائيل والتى أكد فيها القدس عاصمه موحده وأبديه لإسرائيل . وتأثير المال واضح فى حملته ألإنتخابيه ، فحجم ما أنفق على الحمله الإنتخابيه على مستوى الحزب قد تجاوز ألأربعين مليون دولار والرقم فى حاجة إلى أضعافه على المستوى القومى للإنتخابات الرئاسية القادمه ، والسؤال من أين سيأتى بالمال ؟وهنا يقال دائما أن المال هو لبن السياسة ألأمريكية ، والمال مصدره الشركات الإقتصادية الضخمه ، واللوبيات المختلفه وخصوصا اللوبى الصهيونى ، ومن يعتمد على المال سيخضع بلا شك قراراته وسياساته المستقبليه لصالح هذه المؤسسة الإقتصادية ولجماعات الضغط المؤثره . ناهيك عن تأثير الصوت اليهودى الداعم لعنصر المال والأصوليين المسيحيين الذين يقارب عددهم غلستين مليونا وهنا تكمن القوة الحقيقية للصوت اليهودى.
الرغبة فى الحكم وألإستمرار :
ولعلى أسبق بالتحليل وأشير إلى ان نقطة ضعف أوباما ليس فقط فى الوصول إلى الرئاسة ألأمريكية كأول أسود ، ولكن نقطة ضعفه ان من يصل إلى هذا المستوى ألإنتخابى ستخلق فى داخله الرغبة الذاتية فى الإحتفاظ بالرئاسة لفترتين رئاسيتين هذا فى حال الفوز أول مرة ، وإذا لم يفز سيظل يتطلع الى الوصول إلى الرئاسة وخصوصا فى حالة أوباما ألذى ما زال عامل العمر يساعده على ذلك ، وفى جميع ألأحوال حتى تتحقق هذه الرغبة لا بد أن يستجيب لقواعد ومبادئ الحكم فى الولايات المتحده . وهذه الرغبة ستجعل من أوباما أسيرا للتحالف المؤسسى الثلاثى .
الرغبة فى التغيير :
لكن تبقى القدرات الذاتية للولايات المتحده والمتمثله فى القدرة والرغبة فى التغيير ، وإحساس الشعب ألأمريكى أنه أمام مرشح رئاسى جديد ليس فى لونه ، بل فى أفكاره وإتجاهاته السياسية وعزمه على إحداث تغيير فى المجتمع ألأمريكى الذى حكمته على مدار السنوات الطويلة قوالب جامده إجتماعيا ، وبقدر أن يوصل أوباما هذه الرغبة للناخب ألأمريكى العادى بقدر إقترابه كثيرا من البيت الأبيض .
التحديات :
والتحديات التى تنتظر أوباما فى حال وصوله إلى الرئاسة كثيره ومتعدده ، داخليا ما مدى قدرته على إستعادة قوة الإقتصاد ألأمريكى ، ومشاكل الفقر والبطالة ، والحريات والحقوق المدنية ووضع الجاليات وخصوصا العربية والإسلامية ،وخارجيا قدرته على إستعادة المصداقية والهيبة ألأخلاقية للسياسة ألمريكية بعيدا عن اللجؤ إلى سياسات الغطرسه والقوة المطلقه ، ومدى تحرره من تأثير ونفوذ فكر وفلسفة المحافظين الجدد ، وبالتخلى عن نظريات القوة والفوضى الخلاقة ، والمسحات التبشيرية التى طغت على السياسة ألأمريكية فى عهد الرئيس بوش . وما مدى قدرته فى إستعادة التوازن للسياسة ألأمريكية ، ويبقى التحدى الأكبر فى موجة التغيير التى يمثلها أوباما فى قدرته أن يتخطى حدود إمكانات الدور الذى ترسمه التحالف المؤسساتى الثلاثى ودور آيباك وهذا أمر مشكوك فيه ، ولذلك علينا كعرب أن ننتظر طويلا حتى يأتى رئيس أمريكى قادر أن يحقق التوازن والمصداقية للسياسة ألأمريكية فى المنطقة ، فالسياسة ألأمريكية تتعامل مع عناصر القوة والمصلحة وإعتبارت السياسة الداخلية التى تحكمها ألإنتخابات .
دكتور /ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه