ضحى عبد الرحمن
من الحكم المأثورة لاختبار مدى إدراك الناس بشئون حياتهم وسعة إطلاعهم على مجريات
ضحى عبد الرحمن
من الحكم المأثورة لاختبار مدى إدراك الناس بشئون حياتهم وسعة إطلاعهم على مجريات الأمور وحسن تفهمهم وتحليلهم لها يستشهد بالحكمة التالية التي تعتبر من فرائد الكلم” حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له” وفي حياتنا الكثير من الناس الأمعيين الذين يعيشون في عقليات القرون الوسطى ويرفضون الاعتراف بمظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي وثورة المعلومات التي جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة ينتقل الخبر والحدث بلحظات من أقصى إلى أدنى نقطة في العالم, وأذكر إن أحد الجيران وكان كبير السن عندما أخبروه بأن الإنسان وصل إلى القمر ضحك من عقولنا وهو يقول” هل تصدقون ذلك؟ هذا كفر! هل كنتم معهم؟ هل رأيتهم في القمر؟ لا تصدقوا ذلك! إنهم يضحكون عليكم” وهكذا يوجد الكثير مثل هذا الأمعي النموذج في حياتنا.
ليس هذا الأمر بجديد, أما الجديد فهو عندما يكون هذا الأمعي يحمل شهادة دكتوراه بغض النظر عن تخصصه شئون الحوزة أو تربية الأغنام أو دباغة الجلود, المهم أن لديه شهادة علمية طبعا أن لم تكن مزورة والله أعلم! الغريب أن يكون الأمعي ناطق بأسم الحكومة, أن تكن عميلا قد فهمنا الأمر ولا حاجة إلى التكرار أما تكون عميلا وامعيا وأنت تحمل شهادة علمية أو تكون ناطقا بأسم الحكومة فهذا ما يدعوا إلى الاستغراب.
يقول المعري في أحدى شطحاته” اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين أو دينً لا عقل له” ولكن لدينا في العراق الأحتلالي العنصر الثالث وهو من” لا دين ولا عقل له ولا ضمير” وما أكثرهم في الحكومة الغارقة بالأحزاب الإسلامية ومجلس الحجيج( النواب), بعد أن تبين للعالم اجمعه بأن الاتفاقية العراقية الأمريكية المزمع توقيعها قريبا بين الجانبين ليست سوى نقلة نوعية لتحويل العراق من دولة محتلة إلى مستعمرة. وإنها تضمنت شروط ظالمة لا يمكن أن يقبلها أي مواطن له غيرة على وطنه أو شعبه أو دينه كإقامة قواعد عسكرية دائمية وتقديم تسهيلات عسكرية وضمان حصانة قوات الاحتلال ومرتزقتها من عناصر الشركات الأمنية أمام القضاء العراقي, وإعطاء صلاحية كاملة لقوات الاحتلال لاعتقال العراقيين دون الحاجة إلى إعلام – تصوروا إعلام وليس اخذ موافقة الحكومة العراقية- وغيرها من الشروط السرية التي لم يعلن عنها بعد.
وبعد أن وضعت الأحزاب الرئيسية الحاكمة لبنة الاتفاقية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الزيارات السابقة, ومنها زيارة عبد العزيز الحكيم والمالكي والهاشمي وبقية الشلة, وفاوضت الأمريكان منذ سنة على بنودها المجحفة فإنها تبرأت من الاتفاقية بعد أن فاحت رائحتها الكريهة, وتنصل الجميع منها خصوصا إن انتخابات مجالس المحافظات قريبة ومن شأن مثل هذه الاتفاقية أن تشتت الأصوات التي تحاول أن تكسبها هذه الاحزاب. ينبري اثنان من الأمعيين ليرشا العطور على الاتفاقية النتنة عسى أن تزول رائحتها الكريهة.
كان الأمعي الأول هو النائب وائل عبد اللطيف الذي سبق أن شهدنا له مواقف جيدة منها حديثه عن الفساد المالي والإداري المستشري في وزارات الحكومة ومنها وزارة الخارجية الكردية لصاحبها الزيباري ولكنه آل على نفسه بأن يرجع إلى العتبة الأولى, فقد دعا إلى إبرام الاتفاقية على أساس”إننا بحاجة إلى إبرامها لاعتبارات أمنية واقتصادية” وطالب الجهات الرافضة إلى مراجعة قراراتها بهذا الشأن” مبررا طلبه الشاذ بنظرية ( النسبية الأحادية) حيث يقول عبد اللطيف أنشتين” يجب أن تؤخذ أمريكا بنظر الاعتبار، أمريكا القطب الأول اليوم في السياسة الدولية، دولة تكنولوجياً رقم واحد واقتصادياً رقم واحد وأيضاً في المعلومات الاستخبارية رقم واحد لديها الـCIA فضلاً عن قواعدها العسكرية المنتشرة في أصقاع العالم وبالتالي فإن أمريكا تشكل قوة اقتصادية وسياسية واستثمارية وتكنولوجية تحتل رقم واحد في المنظومة الدولية بدون منازع، أما العراق فأنه غير قادر على تحقيق أمنه الداخلي بوضعه الحالي وغير قادر على حماية حدوده الخارجية فأذن من يحمي العراق إذا انسحبت القوات الأمريكية أو تمت جدولة هذه القوات من ناحية فعلية”. العلامة لا يكتفي بتحفيز العراقيين على قبولها فحسب ولكنه من كلامه يرفض حتى جدولة انسحاب قوات الاحتلال من العراق؟ ونفس لأسطوانة رددها ببغاء الحكومة علي الدباغ مفلسفا الأمور كعادته, فهو لا يتحدث عن اتفاقية بل إعلان مبادئ, ولكنه يكشف حقيقة انه تم توقيع الإعلان قبل مفاتحة الشعب ” إن ما تم توقيعه هو إعلان مشترك شبيه بإعلان للمبادئ وليس اتفاقية أو معاهدة وبذلك فانه ليس بحاجة إلى أن يتم إقراره من قبل مجلس النواب العراقي. وقد ابتدأت المفاوضات من اجل استبدال إعلان المبادئ هذا باتفاقية أو معاهدة طويلة الأمد وإرساء علاقات إستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق والتي بدورها تحتاج إلى موافقة البرلمان. ويشير إلى نفس ما ذكره من قبل النائب وائل عبد اللطيف بقوله” أما في الجانب الأمني فينص هذا الإعلان على دعم الحكومة العراقية في مجال التدريب والتجهيز والتسليح للقوات العراقية كي تتمكن من توفير الأمن والاستقرار لكل العراقيين.
فالعراق لا يزال بحاجة لدعم القوات المتعددة الجنسيات. لذلك فنحن بحاجة إلى اتفاقية أو معاهدة لضبط بقاء القوات الأميركية في العراق. وهذا البقاء ضروري لدعم الجهود العراقية للدفاع عن امن العراق الوطني وحماية العراق ضد أي تهديد قد يأتي من الخارج.
لم يتم التطرق إلى أية قواعد ثابتة حتى الآن. ومن المبكر التحدث عن الموضوع، لكن ستتم مناقشة عدد القوات اعتمادا على وضعية القوات الأمنية العراقية. فكلما كانت القوات العراقية مستعدة، تناقص عدد القوات الأميركية وسيتم تقليصها اعتمادا على مدى التدريب والجاهزية التي تمتلكها القوات العراقية لتولي مسؤولية الحدود إضافة إلى الأمن الداخلي”.
لا نعرف ما يقصده المتحدثان وهما يسيئان إلى الحكومة ومجلس النواب بطريقة إيحائية فهما يعترفان بأن العراق ناقص للسيادة وانه غير قادر على ضبط الأمن والاستقرار الداخلي وان جيشه من الضعف بحيث لا يستطيع أن يؤمن الحماية, وان الحدود سائبة ولا يمكن ضبطها, كما تساءل عبد اللطيف من يحمي حدود العراق إذا انسحبت القوات الأمريكية؟ يا للخزي والعار! ماذا كنتم تفعلون خلال السنوات الخمس الماضية؟ وأين ذهبت المليارات التي أنفقت على بناء جيش مهلهل هزم في أول مواجهة مع ميليشيا وليس جيش نظامي في البصرة؟ وإذا كانت القوات الأمريكية تحمي الأمن خلال تلك السنوات! فما كان المقصود بتسلم بعض المحافظات الملفات الأمنية؟ وهل كان ذلك كذبا واستغفالا للشعب العراقي؟ من ثم أين هو الأمن أصلا؟ أكثر من(400) ألف جندي وشرطي عراقي و(155) ألف من قوات الاحتلال وحوالي(20) ألف من القوات المتعددة الجنسية و(50) ألف من عناصر الشركات الأمنية الأجنبية وما زال الوضع الأمني مترديا؟ وخمس سنوات من تأهيل الجيش والشرطة الطائفيين والنتيجة لا تحتاج إلى تعليق؟ بالله عليكم لو كنتم قد استوردتم جيش من المرتزقة لحماية العراق بدلا من جيشكم الطائفي الم يكن أفضل وبنفقات أقل؟
قليل من الحياء يا سادة وقليل من الاحترام لشعبكم الذي ما زال يلعن ذلك اليوم الأسود الذي وسخ إصبعه بالحبر البنفسجي لينتخبكم ويجني على نفسه؟ ولكن كما يقال إذا كنت لا تستحي فأفعل ما تشاء أو قل ما تشاء؟
أن كنتم لا تستمعون لصوت الشعب أقلها أصغوا إلى صوت نائب رئيس الجمهورية فهو منكم وإليكم, واستمعوا إلى ما صرح به في لقاء مع وكالة الأنباء الأردنية الرسمية(بترا) ” أكد طارق الهاشمي على وجود إجماع وطني على عدم قبول مسودة الاتفاقية الأمنية طويلة المدى التي يجري التفاوض حولها مع الولايات المتحدة”! فإن كان هناك إجماع وطني على رفض الاتفاقية فعلام هذا الزعيق وبناء صروح من رمال؟
الاتفاقية مرفوضة نصا وروحا من قبل الشعب العراقي, وإن كنتم ترغبون بها فالسبب معروف وواضح وهو سبب واحد لا غيره, لأنها تضمن لكم البقاء لوقت أطول في العراق لنهب ثرواته وتدمير ما تبقى منه, لأن وجودكم كعملاء يرتبط بوجود المحتل! أو أن في الدهاليز كنز من الدولارات لم يعلن عنه بعد؟ أفتونا إن كانت هناك أسباب أخرى نجهلها وإلا فأسكتوا وكفاكم ثرثرة ولغطا, فقد أوصلتمونا إلى حالة من الغثيان.
لم نكد ننتهي من المقال حتى جاءت الفضيحة مدوية فقد نشرت شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية بأن الإدارة الأمريكية ارتشت ضمائر نوابنا غير الأفاضل بمبلغ(3) مليون دولار لكل من يوافق على الاتفاقية ويوقع عليها؟ فهنيئا لكل من صبغ أصبعه بالحبر البنفسجي لينتخب السادة النواب أو الحجيج.
ضحى عبد الرحمن