المجتمعات العراقية واختلاف قومياتها ولغاتها وتباعدها عن بعضها تاريخاً وثقافةً وعرفاً وحلقة الوصل الوحيد بين جمعها ودرجها ضمن دولة العراق رغماً دون أن يستشاروا أو كان لهم خيار. فالمسمى (المجتمع العراقي) أو الشعوب العراقية لم يكن نتيجة تاريخية…بل فرض والقبول بالأمر الواقع. وهذا الأمر معلوم لدى المختصين بالتاريخ العراقي، ولدى أكثر المثقفين. أما ظهور الحركات القومية العربية والحركات الوطنية والحركات الشمولية والأحزاب الدينية التي لا تهتم للخطوط الجغرافية قبلت بهذا الواقع بل وتدافع عنه…فأصبح للعراق علم وأن تغير حسب المراحل والأزمنة التي مر بها العراق…وقد رضى الشعب العراقي بما قدر له أو أجبر عليه. لذلك لم تبنى الدولة العراقية على أساس الحب للوطن ولا على أساس حب المجتمعات العراقية لبعضها…بل العكس تربى الجميع لكره الآخر وبغضه والأسوأ حين حارب البعض … البعض الآخر ولفترات طويلة خصوصا الهجمات العسكرية للحكومات العراقية على الشعب الكردي…لعقود…وأعداد الضحايا يعرفها أصاحب القضية والمنصفين وآثارها باقية في ضمير الإنسانية ومن نزع ثوب الإنسانية يحاول النسيان. وتطور الحقد ليشمل أطياف أخرى جرى عليهم مسميات مثل الفيليين بالإيرانيين، و آخرين قتلوا وشردوا لكونهم محبين لأهل بيت الرسول أو يتوددون لحزب إسلامي, وقتل وأضطهد المسيحيين والصابئة والأزيديين وقوميات أخرى ومذاهب وطوائف متعددة…كل تلك المظاهر كان أهم أسبابها فقدان الحب بين المجتمعات العراقية…فأستغلها الحاكم الجائر لكي يبسط نفوذه أكثر ويستغل الشعب وثروات البلد.
وبعد زوال الدكتاتورية بقوة أكبر قوة في العالم وبرضى قوى سياسية عراقية كانت معارضة للنظام البائد، واستبشار العراقيين بمولد عراق ديمقراطي …قد يغير الكراهية للمحبة والتفرقة الطائفية للحب والوئام…والتشتت للألفة…ظهرت جميع المخلفات واستباحت كل الحرمات وقتل الطفل الرضيع والشيخ العجوز وبالجملة…وقطع الماء والعراق صاحب نهرين دجلة والفرات، وقطع الكهرباء بل وأزداد سوءاً من ذي قبل…وشحت مشتقات النفط والعراق صاحب أكبر مخزون نفطي في العالم. وأصبح أعداد اليتامى يعد بالملايين ( ولا يحصون خجلاً – أو تستراً على العورات) وكثرة الأرامل ولا تعد لهن برنامجاً عملياً وفعلياً ينقذهن من آفات المجتمع الذي ساد فيه الجريمة…وزاد عدد الأغنياء الذين بالأمس القريب كانوا لا يملكون داراً للسكن فأصبحوا أصحاب قصور رئاسية وملكية وعمارات عالية في الإمارات والقاهرة ودول أوروبية…وهم يعدون قادة العراق السياسيين الجدد.
أين الحب من القيادة السياسية للشعب العراقي، وأين القيادة من حب الشعب…نعم فقط نسمعها من خلال الشعارات والهتافات والجمل الرنانة والكلمات الملونة بالوصف الجميل.
لكن الحب أيضاً مفقود بين القادة أنفسهم، حيث أن القيادات في الحزب الواحد والطائفة ذاتها تتآمر للمكسب السلطوي ومن أجل نهب الثروات المباحة…فقط لخدمة السياسيات الأجنبية بعيدة كل البعد عن مصلحة العراق. يوم بعد يوم يثبتون بعض القادة حبهم وولائهم للاستمرار في السلطة بتبنيهم أجنده خارجية…لكي يستمر الدعم لجلوسهم على كرسي السلطة…فهي التجارة المربحة…ولو حاججتهم بالدين والدنيا والآخرة فكلامهم أفضل من إيمان الملائكة!
فيلاحظ العراقي المثقف والإنسان البسيط الذي همه العيش بأمان وسلام وكسبه للقمة العيش له ولأطفاله. أن الحوارات بخصوص الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق وأمريكا التي أنقذت الشعب العراقي من نظام دكتاتوري لديمقراطية لا يعرفها من قبل…وقد تكون دكتاتورية بثوبٍ آخر…دكتاتورية الطائفة أو أحزاب معينة تفعل المستحيل من أجل السيطرة على البلاد والعباد وتقصي حقوق الآخرين…لأنها فاقدة للحب ومعانيه. هذه القيادات تتعالى أصواتها من أجل سيادة العراق متناسيةً كرامة الإنسان العراقي الذي أستبيح طيلة تاريخ العراق القديم والمعاصر والذي مازال يستباح من جيرانه وأشقائه وأهله.
العراق الذي عاش في تخلف كبير عن مسار جميع شعوب العالم، ويعد حالته حال أصحاب الكهوف، بل أسوأ حالاً…لكون أصحاب الكهوف كانوا يؤمنون حياتهم بالصيد وغلق الكهوف بأحجار كبيرة، لكن العراقي يهدم داره على أهله ويقتل من فيه إن كان السبب قصف طائرات أمريكية أو قذائف حكومية أو مفخخات إرهابية…والحكومة أعلنت نجاح عملية فرض القانون وتفجر سيارة مفخخة في مدينة الحرية في أكبر سوق شعبي لكي تضيف كارثة أخرى لمجموعة الكوارث المتعاقبة على العراقيين.
الحكومة أعلنت الحرب على المليشيات والخارجين عن القانون وداخل مجموع السلطات العراقية الحديثة رؤوس الإرهاب وقيادات المليشيات وما أكثر الخارجين عن القانون…والمختلسين لأموال وثروات العراق بطرق مختلفة. فأعدت الحكومة وبمساهمة أمريكية لمليشيات جديدة تحت عنوان الصحوات فدخل الخارجين عن القانون والقتلة بفصاحة الكلمة لهذه الصحوات وجعل القتال بين المليشيات القديمة والجديدة…وهذا يسمى دائرة العنف والدائرة لا تنتهي إلا برفع الدائرة كلها.
أين الحب من كل هذا…وأين هم من الحب ومعناه.
وإذا تحدثنا عن حب دول الجوار للعراق فيترجم بأن ينصاع العراق لأوامرهم وغاياتهم ومصالحهم وأما الويل والثبور للعملية السياسية وليذهب الشعب العراقي للجحيم…فيقفون ليس فقط حجرة عثرة أمام أي اتفاقية بعيدة المدى وحتى القريبة إلا الاتفاقيات التي تضمن مصالحهم. فحب القيادات السياسية ليس للعراق وشعبه بل للجار الذي يفرض إرادته وإلا سيكون مصير السياسي اللجوء الدائم لأي دولة غربية بعيدة عن العراق وثرواته…والسياسي ضمن المستقبل فهرب المال وبنى له المؤسسات التجارية التي تضمن له حياة مترفة وليذهب الشعب العراقي للجحيم. هل يمكن للمثقف أن ينشر ثقافة الحب من أجل عراق الغد…عراق الأمان والتطور…أم أن الحلم أصبح حرام…ويعد مخالف للسرب ويصور ضد التيار الجراف.
المخلص
عباس النوري
20/06/08
[email protected]