د. عوض السليمان
منذ زمن طويل، تحاول الإدارة الأمريكية عزل سورية والتضييق عليها، فسورية دولة رئيسة في محور الشر، تغذي الإرهاب، وتقف عقبة كئوداً في طريق السلام. وتسمح للمقاتلين بالدخول إلى العراق، وهي أخيراً تحضر نفسها لإنتاج قنبلة نووية.
ولهذا سعت هذه الإدارة إلى محاولة عزل دمشق بكل الطرق الممكنة غير الشرعية طبعاً. محاولات العزل هذه بدأت بعد أن اغتال الأمريكان وحلفائهم الصهاينة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وما عقب ذلك من اتهام لسوريا بأنها وراء الحادثة والتهديد بالمحكمة الدولية إلى آخر القصة التي تعرفونها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تعاظمت الضغوط على دمشق، حتى وصلت إلى حد الحصار السياسي – الاقتصادي. واجتمع الكونغرس ليحجز على الأموال “غير الموجودة” لبعض الشخصيات السورية في المصارف الأمريكية. وتحركت الدعاية الأمريكية ووسائل الإعلام المتأمركة في المنطقة لتشن حملة شرسة على صورة سورية في محاولة لشيطنتها وعزلها تماماً عن العالم بما فيه المحيط العربي.
ولقد بدا لعديم الخبرة أن الإدارة الإرهابية في البيت الأبيض نجحت في عزل سوريا تماماً، وأن سورية ماضية للاستسلام والركوع أمام الأجندة الأمريكية. وقد ذهب بعض الأغرار، إلى التبشير بسقوط نظام الأسد، بينما جهز بعضهم حقائبه أملاً في العودة إلى سورية حاكماً أو وزيراً.
وقبل سنة من الآن، كانت بعض الصحف تكتب بين عشر إلى عشرين مقالاً وخبراً في اليوم الواحد عن سورية وعن احتمال سقوط النظام السوري. وأينما اتجهت في المسياح “النت” وجدت الاتصالات بين أقطاب المتربصين بسورية. وكأن الأمر أصبح قاب قوسين أو أدنى. ولأول مرة سمعت بأسماء ما كنت أعرفها من قبل، فريد الغادري على سبيل المثال، وبالمناسبة فقد أفل نجم الرجل ولم أعد اعرف ماذا حلّ به، ولعله أعاد حقائبه إلى خزانته إذ فشل رهانه على إدارة البيت الأبيض.
بعض أقطاب المعارضة، حددوا بشكل قاطع، أن ستة الأشهر القادمة هي الأخيرة في حكم الرئيس بشار الأسد، ومنهم من قال بل هي شهران ليس إلا، وانتظرونا ونحن قادمون لنطعم الشعب السوري ونعيد له الديموقراطية.
الأغرار، أكدوا أن الإدارة الأمريكية لن تسمح للأسد أن يتصرف على هواه، وأنها قادمة لا محالة للقضاء على نظام حكمه. ولما فشلت تلك الإدارة حتى بإثارة الأسد، قال هؤلاء الأغرار، أن الإدارة الأمريكية متآمرة مع الرئيس السوري، وحلفوا الأيمان على ذلك.
ذوو الخبرة كانوا على يقين أن سورية ستتجاوز هذه المحنة بسلاسة وهدوء ودون خسائر، حتى مع التصريحات التي أطلقها بوش بعنف ضد القيادة السورية عندما قال “لقد نفذ صبري على الأسد”. ومع أن هذه الجملة أحييت آمال الغر بالإدارة الأمريكية، إلا أنها مرّت وكأن شيئاً لم يكن، ونفذ صبر بوش على الأسد، ولكن ما باليد حيلة ولا وسيلة، فالجيش الأمريكي غارق في وحل العراق، حيث تقوم المقاومة الباسلة بمطاردة جنوده كالدجاج، ويهرب بعضهم إلى كندا متخفياً بلباس النساء، بينما يعلن بعضهم إسلامه ليتجنب الانتقام الذي تقوده المقاومة العراقية الباسلة بكل مفرداتها.
والرجل يريد أن يحفظ ماء وجهه وهو في نهاية أيامه، وفوق ذلك، فسوريا تمتعت وتتمتع بعلاقات قوية على الصعيد العالمي ولا مجال لتجاهلها بأي حال من الأحوال.
موجة أخرى من الضغط بدأت حول المسألة اللبنانية، فمرة يقولون على سورية ألا تتدخل في الشأن اللبناني، ومرة يقولون أن على سورية أن تتدخل في الشأن اللبناني وتضغط على المعارضة اللبنانية ، وتعاهد بوش ورايس والمعتلون العرب(تلفظ خطأ معتدلون)،على أن يجبروا سورية على الرضوخ لمطالبهم، وأقسموا جهد أيمانهم أن الأمر في لبنان سيكون كما يريدون وكما لا تريده سورية، وانتهت الأزمة وحدث العكس!!.
حمالة الحطب رايس، لهثت متنقلة بين عواصم المعتلين العرب(تلفظ خطأ معتدلين)، وضغطت في كل اتجاه ووعدت وهددت وأقسمت أنه لن يكون هناك قمة عربية في دمشق، وأن هذه القمة لو عقدت فستعقد في شرم الشيخ، وستحرم سورية منها نكالاً جزاءً بما اقترفت يداها. كان صوت لهاث رايس يصل إلينا واضحاً ونسمعه من كل عاصمة عربية فصوت لهاثها شديد، “إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث”. وجاء سيدها بوش وما ترك أكلة عربية إلا وذاقها ولا رقصة إلا ورقصها، ولا سيفاً إلا واستله، وحصل على وعود أن الأمور كما يرام وأن لا قمة في دمشق. وكالعادة قامت وسائل الإعلام المتصهينة ببث الشائعات عن تغيير مكان القمة، وعن عدم حضور الزعماء العرب………الخ.
في الطرف الآخر وبدون ضجة، استمر وليد المعلم متنقلاً بين قطر عربي وآخر حاملاً معه دعوة القمة وتعرفون أن تلك القمة عقدت في موعدها وذهبت قمم بوش مع المعتلين أدراج الرياح.
اليوم بوش حزين وربما يتعاطى المهدئات، فقد تسرب الماء من بين أصابعه، وكم عول المسكين على فرنسا، ولكن الأخيرة تدرك ثقل سورية، وحجمها وأهميتها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية أيضاً، فإذا “بساركوزي” يدعو “الأسد” لحضور الاحتفالات الوطنية باستقلال البلاد ويبعث موفديه إلى سورية تباعاً ويعود الغزل الفرنسي السوري إلى سابق عهده.
لن أعود كي أحدثكم عن مواقف ألمانيا وهولندا وإسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية، فقد تطرقت إليه في مقال سابق تناول المسألة نفسها. ناهيك بالطبع عن العلاقات المميزة التي تربط سوريا بدول آسيا، فالرئيس الأسد ينتقل ضيفاً مكرماً من دول الخليج العربي إلى الهند، وقريباً إلى إندونيسيا
لا يمكن أن تعزل سورية لأن هذا ضد المنطق وحقائق التاريخ، إنما يعزل نفسه من يفكر بذلك، ولن يكون سلام ولا حرب إلا بالمرور من هذا البلد.
لا شك أن الطرق على باب دمشق قد خفّ بالفترة الماضية، وإن لم ينته يوماً من الأيام، ولكن اسأل الآن عن دمشق فإن أهلها لا ينامون من كثرة الطرق على أبوابها، وهي التي تقرر اليوم أن تفتح الأبواب أم ليس بعد.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا