أ.د. مصطفى رجب
تناهت إلى مسامعنا في مقهى السعادة غربي محطة السكة الحديد صرخات وأصوات منكرة ،فأرسلنا مندوب الأخبار في شلتنا ، الفتى النابه المسمى بيننا ( الواد الخلاصة ) عبد المجيد أفندي ، الذي نخصصه ليجيئنا بالأخبار تفاؤلا بابتسامته ( الرايقة ) دائما ، فانفتل الفتى إلى مصدر الصوت ، وعدنا إلى ما كنا فيه من شأن ،وكان الشأن تلك الليلة قصيدة حداثية تصف لنا ألم السوسنة وهي تتأبى على امتطاء النور لحظة انبثاق البنفسج من بلورات المدى المنسحق بين أفاويق التشظي غير المتوائمة جذريا مع انكسارات اللاشعور المتكعبرة حول مدارج الرؤيا اللامحدودة …!!
كانت القصيدة تنساب على شفتي شاعرنا الحداثي المتطرف ” أبي الدهب “ في رومانسية رائعة ،لا يكدر صفوها شخير موهوب أفندي ،وأصوات فرقعة زهر النرد حولنا : ذات اليمين وذات الشمال ،لم يكن يتابع القصيدة حقيقة إلا أنا [ بوصف الاستماع إليها من مكفرات الذنوب ] وبطيخ أفندي [ الذي كان يسمعها فرارا من النوم ]، والحاج برغوت [ الذي يبدو عليه التركيز الشديد في كل ما يقال دون أن يكون مركزا ]
وما كدنا ننتهي من سماع القصيدة ونبدأ في نقدها حتى كان ( الواد الخلاصة ) قد جاءنا بنبأ الصرخات التي تناهت إلى مسامعنا والتي لا تزال تتعالى وتتزايد.
قال الفتى :
هناك معركة حامية الوطيس على مقهى [ العروبة ] لصاحبه المعلمعمرو عبد المجيد حسونة عزام !! المجاور لمكوجي ( الإصلاح ) الحاج فتحي ابن بنت خالة ………
- ما تخلص وتخش في الموضوع . انت هتتشتغل لنا نسابة في آخر الزمان !! معركة بين مين ومين ؟
هكذا صرخ فيه أبو الدهب صرخة عروبية أيقظت موهوبا فزعا ، ومد يده إلى جيب الصديري – الثالث من أسفل – ليحسس ( مطواة قرن الغزال ) التي لا تفارقه في أي أمسية شعرية يتوقع أن تلقى بها قصائد نثر . !!
قال الفتى :
يتناقشون هناك حول قضية اغتصاب علني تمت في الشارع نهارا ،وعلى مرأى ومسمع من المئات ، ففي عز النهار والزحام ، أمسك شاب أرعن فاقد التربية ، قيل إنه ابن حرام ، فتاة مجهولة الأبوين ، ناضجة ، غضة الإهاب ، بضة الأعطاف ، فهتكعرضها جهارا نهارا ، ولم يتحرك أحد .
سألناه في فضول : وهل أمسك به أحد ؟
- كلا . مازال مطلق السراح متحديا الجميع ، والضحية تتلوى ولا مغيث !!
- ففيم إذن تلك المعركة وهذه الصرخات المنبعثة من مقهى ( العروبة ) لصاحبه المعلم عمرو عبد المجيدحسونة عزام ؟
- قال صاحب الفضيلة : حتى نقيم الحد على الجاني لا بد من أربعة شهود عدول رأوا فعل الفاحشة رأي العين : بحيث يشهدون أنهم رأوه يجلس منها مجلس الزوج من زوجه ، ورأوا المرود في المكحلة والقلم في الدواة !!
- وقال صاحب الغبطة : تعسا لمن يرد تعاليم الرب .!! منذ طلع زكا فوق الشجرة وأنا أحس أنه مقدم على الخطية !! فليرحمنا الرب !!
- وقال صاحب السمو : لا بد من التريث حتى ” نسوي ” تحقيقا !!
- وقال صاحب المعالي : وفقا للتوجيهات العليا : لا اتهام بغير دليل !!
- وقال صاحب الجلالة : سأبعث ممثلا شخصيا يلتقي بالشهود ويسمع منهم بنفسه ما رأوه قبل أن نصدر بيان الشجب . !!
- وقال صاحب الفخامة : أرى تأليف لجنة عليا للمتابعة وقد أمرنا بصرف بطانية للمجني عليها حفاظا على عورتها وانطلاقا من قيمنا العربية الخالدة في ” الستر ” والتستر .
- وقال صاحب السعادة : وفي ضوء تقرير اللجنة سنصدر بيان الاستنكار مخففا آخذين في الاعتبار المتغيرات الدولية من حولنا
- وقال صاحب القهوة : بره أنت وهو يا أولاد ال… الذين صبروا !!
قضية هتك عرض علني وفعل فاضح في الطريق العام وأمام شهود وتنظرون في تأليف لجان ؟ بررررررررررررررررررررره !!
قال الفتى الخلاصة : وهكذا اندلعت المعركة !!
تحسس موهوب المطواة وسأل الولد : وهل شهد الشهود بأنهم رأوا المرود في المكحلة يا عبد المجيد ؟ قال : نعم . ومايزال الفاعل واقفا يتحدى الجميع ، فاذهب وأرنا شجاعتك .
ذهبنا جميعا لنرى مايحدث على الطبيعة ، ففوجئنا بمحكمة( أمن دولي) منعقدة والمتهم في قفص ، وهو يصرخ :
- أنا لم أعاشرها بالقوة بل بمحض رضاها وكامل إرادتها ولسنوات طويلة ، أنا متزوجها زواجاعرفيا علنيا من عام 1992
سأله القاضي :
- وهل دخلت بها دخولا شرعيا وخلوت بها خلوة صحيحة شرعية توجب المهر والمتعة؟
- نعم يا سيدي واسأل الشهود !!
- هل دخل بها أيها الشهود ؟
- نعم . رأيناه يعاشرها علنا
- والمرود في المكحلة ؟
- نعم
- أين ؟
- في الصومال1992 ، وفي البوسنة 1993 ،وفي أفغانستان 2001، وفي العراق 2003، وفي فلسطين من1947 حتى اليوم .
- ما اسمك أيها المتهم ؟
- لا أعرف لي أبا لأنني تربية شوارع لكنهم يسمونني ” النظام العالمي الجديد “
- وما اسمك أيتها الضحية ؟
- أنا لقيطة ويسمونني ” الشرعية الدولية ” لقد اغتصبني يا حضرات المستشارين علنا وبدون رضاي ، لأنه فتوة و(كاو بوي ).
تحسس موهوب المطواة ولكن ( زغرة ) من بطيخ جعلته يتضاءل ، وصك على أسنانه وهو يقول : آآآآآآآخ .. بس.. لو أفهم يعني إيه المرود في المكحلة ؟ !!!
————–