د/ نصار عبدالله
على مدى تاريخ مصر الحديث تولى البطارسة الغاليّـون ( غاليـّون : نسبة إلى غالى
د/ نصار عبدالله
على مدى تاريخ مصر الحديث تولى البطارسة الغاليّـون ( غاليـّون : نسبة إلى غالى وليس إلى بلاد الغال ) مواقع هامة فى الجهاز الحكومى المصرى ، أهمها بطبيعة الحال موقع رئاسة الوزارة التى تولاها أكبرهم : ، بطرس باشا غالى الذى دامت رئاسته للوزارة عامين ( 1908ـ 1910) ثم قتل! ، وآخرها وزارة المالية التى تولاها أصغرهم، يوسف بطرس غالى والتى دامت له حتى الآن أربع سنوات كاملة دون أن يمسه أى سوء رغم اللعنات التى يستمطرها عليه أغلب المصريين أقباطا ومسلمين صباح مساء ،( اللعنات المشتركة هى فى حد ذاتها واحدة من العلامات التى تؤكد أن الوحدة الوطنية مازالت رغم كل شىء بخير والحمد لله!!) ،… فإذا عدنا إلى استعراض تاريخ بطرس الأكبر ، أعنى بطرس باشا ، وجدنا أنه قد بدأ حياته وثيق الصلة بالحركة الوطنية المصرية حيث كانت تربطه مودة عميقة بالزعيم الوطنى أحمد عرابى ، الذى توسط له لدى الخديوى (فيما تحكيه بعض المصادر) ، لكى يحصل على لقب باشا !! ، لكن النهاية التى آلت إليها الثورة العرابية والتى شهدها بطرس باشا بعينيه ، كانت فيما يبدو من بين الأسباب التى جعلته ـ مثل أى فلاح مصرى حصيف ـ يتجه بولائه إلى القوة العظمى التى كانت تبدو حينذاك على الأقل وكأنها قوة لا تقهر!، وربما كان ذلك الولاء من بين الأسباب التى أهلته لأن يصبح وزيرا للحقانية فى وزارة مصطفى باشا فهمى الذى كان الإنجليز أنفسهم يصفونه بأنه إنجليزى أكثر من اللازم ومصرى أقل من اللازم!! ، ولم يخيب بطرس باشا غالى فطنة الإنجليز وحسن ظنهم فيه حينذاك ، فقد ترأس محكمة دنشواى التى انعقدت فى شهر يونيو الأسود عام 1906 والتى قضت بإعدام أربعة من بين المصريين المتهمين بالتسبب فى موت إنجليزى واحد (مات بضربة شمس!! ) أما باقى المتهمين فقد تراوحت الأحكام الصادرة ضدهم مابين الأشغال المؤبدة وما بين السجن والجلد!! ، كذلك فقد كان بطرس باشا غالى هو الذى قام بصياغة اتفاقية الحكم الثنائى للسودان ، وهى الإتفاقية التى منحت كل المزايا لبريطانيا ولم تمنح لمصر شيئا سوى أنها أضفت الشرعية على تحمل الخزانة المصرية لأعباء الحملة التى شنتها بريطانيا لغزو السودان وضمه بالقوة إلى مصر!، كما وافق بطرس باشا أثناء توليه رئاسة الوزارة على مد امتياز شركة قناة السويس لمدة أربعين عاما أخرى تبدأ عام 1968( تمكن الحزب الوطنى بقيادة محمد فريد من إجهاض ذلك المشروع )، فإذا ما انتقلنا من بطرس الأكبر إلى بطرس الأوسط : د.بطرس غالى الذى شغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجية فى نهاية عهد الرئيس السادات وبداية عهد الرئيس مبارك ، وجدنا أنه نموذج مختلف إلى حدما ، فقد عايش فى بداياته تأجج الثورات الوطنية فى مصر والعالم العربى وانتقالها بعد ذلك إلى باقى ربوع أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، وقد أسهم الدكتور بطرس فى بدايات حياته الأكاديمية والسياسية فى التنظير والترويج لحركات التحرر الوطنى فى القارة الإفريقية بوجه خاص ، كما أعد مشروعا وحدويا عربيا نشرته مجلة الهلال فى السبعينات من القرن الماضى لإنشاء ما أطلق عليه وقتذاك الولايات العربية المتحدة!!، ورغم أن الكثيرين فى عصر السادات وعلى رأسهم السادات نفسه قد بد ءوا يتخلون عن قناعاتهم الداعمة لحركات التحرر الوطنى وبدءوا يمعنون السير فى الطريق المضاد تماما ، ورغم أن الدكتور بطرس كان واحدا من هؤلاء ، ورغم أنه قد شغل بعد ذلك مناصب هامة على المستويين : المصرى والدولى، إلا أنه ظل رغم ذلك كله متمسكا بالحد الأدنى من الدفاع عما هو حق وعدل، ولعل هذا هو ما دفعه عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة إلى إدانة مجزرة قانا التى ارتكبتها إسرائيل ضد الأبرياء اللبنانيين العزل ، وقد دفع الدكتور بطرس ثمن تلك الإدانة غاليا حيث تصدت له الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك بكل شراسة ، وحالت دون تجديد ولايته كأمين عام للمنظمة الدولية فى سابقة هى الأولى من نوعها على مدى تاريخ منصب الأمين العام!! ، فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى بطرس الأصغر وجدنا ، أنه قد ظهر فى عصر الإنتصار الساحق لقوى اليمين العالمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فقد أهلته توجهاته اليمينية المعروفة لأن يصبح وزيرا للإقتصاد المصرى عام 1999 ثم وزيرا للمالية عام 2004 ضمن الحكومة التى تعرف حاليا بحكومة الأغنياء والتى تتضمن أجندتها ببساطة شديدة ضمان أفضل السبل لتحقيق أعلى قدر من النمو للأثرياء وحدهم ( باعتبار أنهم هم المرتبطون عضويا بالولايات المتحدة ) .. حتى لو تحقق هذا من خلال الإجهاز على ما تبقى من الطبقة المتوسطة وزيادة مستوى تجويع الطبقات الكادحة ، وللدكتور يوسف بطرس فى هذا المضمار إنجازات شتى بدءا من الضرائب التى تساوى بين القادرين وغير القادرين أو التى تقع وطأتها الأشد على غير القادرين وحدهم ، ومرورا بالإستيلاء على أموال التأمينات وضمها إلى وزارته ، وانتهاء إلى مشروع قانون الضريبة العقارية التى يحاول حاليا من خلالها ذبح وتصفية من تبقوا من فلول الطبقة الوسطى.