حاوره من لندن: أنور مالك
النقيب أحمد شوشان من العسكريين الجزائريين السابقين الذين كان لهم الحضور وأحد الشهود المعروفين على الحرب الأهلية الجزائرية، فهو من مواليد 1959 بالقرارة “جنوب الجزائر”، ينتمي لعائلة ثورية عريقة، التحق بالأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال عام 1978 وتخرج عام 1981 برتبة ملازم، وتقلد في مسيرته عدة مناصب اثبت خلالها حنكته ونال شهادات التقدير المختلفة على تفانيه في خدمة بلاده وأبناء شعبه، رقي لرتبة نقيب عام 1989… لكن مع بداية الحرب الأهلية التي عصفت بكثير من كوادر الجزائر تعرض إلى محن مختلفة من سجن وتعذيب بشع، تم إتهامه بمحاولات تدبير إنقلابات بينها تلك التي تستهدف الرئيس المغتال محمد بوضياف عام 1992، ولحسن حظه كما تحدث بنفسه من قبل أن رئيس المجلس الأعلى للدولة بوضياف قد رفض التوقيع على التقارير وطلب بتحقيق أعمق فيها، والتي كانت ستوصل راس شوشان الى المشنقة، أفضى موقف بوضياف إلى محاولات ابتزاز تعرض لها النقيب الأسبق وعلى يد الجنرال خالد نزار وآخرين لإعطاء القضية بعدا حسبوا له ألف حساب، القضية كشفها من خلال شهادته الموجودة على الأنترنيت، والتي فضل أن ينشرها على تلك الطريقة تفاديا – كما قال – للإستغلال القذر لمآسي الضحايا والأبرياء من طرف إنتهازيين وتجار دماء… في هذا الحوار الذي خصنا به تحدث عن بعض الجوانب التي تهم هذه المرحلة الصعبة من عمر مأساة الجزائر، وبالرغم من ظروف خاصة إلا أنه تفضل بالإجابة على بعض أسئلتنا بصدر رحب يشكر عليه جزيل الشكر، كاشفا لنا بعض الحقائق ومنها ما يتعلق بتصفية أبرز قيادات العمل المسلح في الجزائر وهو السعيد مخلوفي صاحب الكتاب الشهير “العصيان المدني”، فضلا عن مواقف اخرى مختلفة.
1. في البداية نريد أن نعرف اين النقيب أحمد شوشان الآن، وماهي اسباب غيابكم عن الساحة؟
أنا الآن موجود في بريطانيا و في مدينة برمنجهام بالضبط حيث أسكن مع عائلتي مند عشر سنوات.
غيابي الأخيرعن الساحة الإعلامية مرده إلى سببين:
أ) شخصي: متعلق بظروف عائلية صحية طارئة.
ب) سياسي: اقتناعي بوجوب اليقظة في التعامل مع التطورات الأخيرة لأنها في نظري أشد حساسية من انزلاق 1992. و للأسف الشديد لا أرى أي بادرة لتفهم الوضع من طرف المعارضة لا في الداخل و لا في الخارج و كأن الجميع يراهن على حرب أهلية حقيقية توشك دوائر النفوذ المشبوهة في الجزائر أن تفجرها. و قد جنبني الله التورط في الحرب القذرة التي ذهب ضحيتها عشرات الالاف من الجزائريين الأبرياء و لذلك أربأ بنفسي عن المساهمة في حرب جديدة.
2) بخبرتكم الأمنية كيف تفسرون تواجد ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بالجزائر؟ وما علاقة الأجهزة الأمنية بكل ذلك؟
تواجد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بالجزائر واقع إعلامي أمني فرضته حتمية الفشل التي انتهى إليها طرفا النزاع المسلح. فقوات الأمن فشلت في القضاء على ما تسميه الإرهاب و هيأت بهذا الفشل أرضية خصبة مثالية لأزمة أمنية مزمنة لن تنتهي بانتهاء الأزمة السياسية الجزائرية. و من جهة أخرى فشلت الجماعات المسلحة في تجسيد المشروع الاسلامي الوطني في واقعها المعاش فاضطرت إلى البحث عن بديل يضفي على نشاطها المسلح شرعية تمكنه من الاستمرار، و لو وجدت شعارا غير شعار القاعدة لتبنته. و لذلك فالقاعدة في الجزائر ليست سوى شعارا إعلاميا مؤقتا تتبناه بقايا الجماعات المسلحة التقليدية التي بدأت نشاطها قبل ظهور القاعدة .
أما علاقة الأجهزة الأمنية بذلك فتختلف من مرحلة إلى مرحلة. فالعهد الذهبي لجهاز المخابرات مثلا كان في العشرية الأولى، حيث تم اختراق جماعات مسلحة للتحكم في تطورات الأزمة السياسية. و لكن المؤشرات الميدانية تدل على أن دور المخابرات كمؤسسة رسمية في تسيير الأزمة قد تراجع كثيرا بعد ما تعرض له هذا الجهاز من ضغوط. أما الشرطة فقد تعاظم دورهم في المرحلة الأخيرة و أصبحوا السلطة الأمنية الفاعلة في الجزائر خاصة مع الفساد المستشري في أوصال الإدارة و الهزال الذي تعاني منه العدالة. و لا شك أن لهذه الأجهزة كلها حضور فعال متفاوت في العمل المسلح في الوقت الراهن سواء سميناه القاعدة أو غير ذلك، إلا أنني أشك في قدرة الأجهزة الأمنية مجتمعة على التحكم فيه أو حتى توجيهه خاصة بعد التدخل المباشر لأجهزة أمنية دولية ذات كفاءة خرافية على غرار وكالة المخابرات الامريكية التي تحاول الاستثمار في الواقع الدي تتخبط فيه الجزائر.
3) اتجه بعض ضباط الجيش الجزائري إلى نشر شهادات، فأين شهادة أحمد شوشان الذي كان أحد الذين وصفوا من قبل بتدبير انقلاب في الجزائر؟
الشهادة من أخطر ما يتفوه به الإنسان. و لذلك تريثت في الادلاء بشهادتي حتى أتيح الفرصة للمعنيين بتقديم مبرراتهم و توضيح وجهات نظرهم في الأحداث. و لم أرد أن أنشر شهادتي في كتاب حتى لا تكتسي طابعا تجاريا يخضع الحقيقة للابتزاز. و لكنني عندما بدأت نشر شهادتي على موقع صوت الجزائر في حلقات ابتداء من شهر نوفمبر 2007 و استجبت لدعوة في منتدى رشاد لمناقشة الاحداث اكتشفت أن الشهادة بالحق لا تكفي وحدها لرد الاعتبار للحقيقة و إنما علينا أن نختار الوقت المناسب للصدع بها حتى لا تكون كلمة حق يراد بها باطل يستفيد منها في النهاية الانتهازيون على حساب مأساة الأبرياء أو أصحاب الثأر الذين صرفهم الحقد و شهوة الانتقام عن الإنصاف و الحكمة في معالجة الأمور. و قد تزامن ذلك مع ظروف خاصة استوعبت مني كل الوقت و الجهد فانصرفت عن نشر ما تبقى منها إلى حين. و سأعود لنشر ما تبقى من شهادتي في أقرب وقت ممكن إن شاء الله . و على كل حال مسودة هذه الشهادة محفوظة و ستنشر كاملة بإذن الله.
4) حسبتم على الإسلاميين في الجيش، وحسب اطلاعكم على بداية نشوء التنظيمات المسلحة في الجزائر، ماهو تعليقكم على ما رواه سمراوي في مذكراته حيث جعل كل ما جرى من تدبير المخابرات وكأن التنظيمات الإسلامية غير موجودة اصلا؟
أنا محسوب على الاسلام مند ولدت و أنا فخور بذلك. أما الاسلاميون الذين تعنيهم فهم بالنسبة لي شريحة واسعة من الإخوة المواطنين الجزائريين الذين تبنوا مشروعا سياسيا اعتمدته الدولة الجزائرية رسميا وزكته أغلبية الشعب الجزائري المسلم من خلال انتخابات شفافة سنة 1990 و 1991 شهد عليها الراي العام المحلي و الدولي رسميا و شعبيا. و موقفي من انقلاب 1992 و ما تلاه من الأحداث المأساوية نابع من اقتناعي العميق بخطورة التمييز الذي تعاملت به القيادة العسكرية مع هذه الشريحة و التعسف الذي تلاه من طرف الحاقدين على قيم الشعب الجزائري المسلم رغم إمكانية التعامل مع القضية بأسلوب حضاري مدني يليق بتاريخ و أمجاد الجزائر و تضحيات شعبها. و أنا مواطن جزائري عزيز النفس يحاول أن يجسد الصورة المشرفة لوطنه وما زال يرفض أن يتنازل عن ذلك تحت أي مبرر.
و مع احترامي لحرية التعبير وشهادة الآخرين على الأحداث، فإن ما اطلعت عليه بخصوص نشأة الجماعات المسلحة إلى حد الآن لم يقم على توثيق صحيح، و ذلك في نظري لبعد الشهود عن مسرح الحدث. فكل الذين تكلموا عن الموضوع بما فيهم المقدم سمراوي لم تكن لهم علاقة مباشرة بالموضوع قبل انفجار الوضع ولم تتح لهم فرصة اللقاء أو التحدث مع رؤوس العمل المسلح أمثال السعيد مخلوفي أو عبد القادر شبوطي أو غيرهم من الشخصيات الاعتبارية للعمل المسلح و لا مع رؤوس القيادة العسكرية صاحبة القرار النهائي للسلطة، بل إن جهاز المخابرات نفسه اعتمد في البداية على عملاء دخلاء على العمل الاسلامي الفعلي في الجزائر بشقيه السياسي و المسلح أو على شهادات المعتقلين من القاعدة النضالية للجبهة الاسلامية للانقاذ فاختلطت عليه الأمور و لذلك انزلقت الأزمة إلى النهاية المأساوية التي خرجت فيما بعد عن السيطرة.
فالقول بأن الجماعات المسلحة كلها من صنع المخابرات كلام غير دقيق. و الحقيقة هي أن إرادة استعمال السلاح للرد على التعسف الدموي للنظام كانت قائمة لدى بعض الاسلاميين كالسعيد مخلوفي و عبد القادر شبوطي و بعة عز الدين و غيرهم، و بدلا من تعامل الدولة مع تلك الإرادة بحكمة كإزالة مبرراتها سلميا و التصرف مع الوضع بمسؤولية، اغترت القيادة العسكرية و من تواطأ معها من الذئاب السياسية بالحسابات الخاطئة وغلبت عليها الإرادات الشريرة فأعلنت حربا مفتوحة على الاسلاميين انزلقت فيها الأمور إلى ما يندى له الجبين من الفظاعات. و إذا كانت بعض المجموعات المسلحة و الجواسيس من صنع أجهزة الأمن، فإن الحركة الاسلامية المسلحة بقيادة شبوطي و حركة الدولة الاسلامية بقيادة السعيد مخلوفي و الباقون على العهد بقيادة عبد الرحمان ابو جميل و الدعوة و الجهاد بقيادة سيدعلي بلحجر و حماية الدعوة السلفية بقيادة رابح قطاف و الكتيبة الخضراء بقيادة عطية السايح و السلفية للدعوة و القتال بقيادة حسن حطاب كل هذه الجماعات المسلحة على الأقل و غيرها ربما لم يكن لأجهزة الأمن علاقة بنشأتها بكل تأكيد. و الموضوع يتطلب تفصيلا و دقة في البحث و الدراسة حتى تكون الإستفادة منه قائمة على الحقائق المجردة بعيدا عن الافراط و التفريط أو الحشو.
5) سمراوي في شهادته صرح انه الذراع الأيمن للجنرال اسماعين العماري، مما يعني دوره في كثير من الأحداث والمجازر التي يتهم بها الجنرال، الا يعتبر صمتكم عن شخص موجود في الخارج دليل على رضاكم حول دوره خلال التسعينات، أم ان شهادته قد رفعت عن كاهله الذنب المنسوب له؟
والأكثر ان هشام عبود صاحب كتاب “مافيا الجنرالات” قال بالحرف الواحد: (محمد سمراوي لمّا طلبت منه القيادة أن يدخل الجزائر
دخل الجزائر بمفرده مستغلا الفرصة لبيع الفيلا التي بناها في سرايدي بعنابة وهيأ كل ماكان يحتاج إليه ثم عاد إلى ألمانيا وبعدها كلّف محامي
ليطلب اللجوء السياسي فحصل على اللجوء السياسي في مدة أسبوع باعتبار أن المخابرات الألمانية ساعدته لأنه كان منتدبا رسميا لدى هذه الأجهزة.
وبمجرد أن توقفت أجرته الشهرية، فتح قاعة شاي ليرتزق منها، إذ كان بحسابه البنكي مالا يقل على 25 مليون سنتيم بالعملة النقدية الفرنسية
وهذا حسب ماصرّح لي به هو شخصيا وبعد إفلاس قاعة الشاي وعرف بعدها فترة صعبة ،وجدني أنا ،لأبعث إليه حوالات بمبالغ لاأريد ذكرها ولم يُسدد ديونه تجاهي إلى اليوم).
أنا لا أعرف عن سمراوي شيئا قبل أيام من ظهوره على شاشة قناة الجزيرة حيث التقيته في لندن مع منشط برنامج بلا حدود الصحفي أحمد منصور، و لذلك فإنني لن أعلق على ماضيه. أما كونه كان الذراع الأيمن للجنرال اسماعين العماري فهذا في نظري لا يستلزم دوره العيني في المجازر. فليس كل الضباط متورطون في المجازر حتى و لو بقوا في الخدمة أثناء الأزمة، و هذا أمر يجب الانتباه إليه عند الحكم على الناس في مثل الظروف التي مرت بها الجزائر. أما السكوت عليه أو على غيره فضابطه هو المصلحة. فهل ترى في كلام الرائد (1) هشام عبود نصرة لمظلوم أو تحقيقا لمصلحة عامة أو دفعا لمفسدة راجحة أو حتى توثيقا لحقيقة تاريخية تستحق الذكر؟ انا شخصيا لا أرى من ذلك شيئا. و لذلك أتساءل : لحساب من يتم التشهير بسمراوي في هذا الوقت؟
و في نظري يجب على الشهود أن يتجردوا من روح الانتقام و التشفي و تصفية الحسابات الشخصية أثناء الإدلاء بشهاداتهم و ليتركوا لأهل الاختصاص فرصة النظر في الأحداث على حقيقتها حتى تكون أحكامهم على الأمور صائبة ومنصفة و يستخلص الجميع منها العبر لبناء مستقبل أسعد.
6) يشكل موضوع العسكريين الذين تمت تصفيتهم من الطابوهات التي لم يطرق بابها الى الآن، فهل من حقائق جديدة لم يكشف عنها من قبل في مسيرة شوشان؟
هذه القضايا في الحقيقة ليست طابوهات بالنسبة لي و لكنها مناطق ملغمة يصعب التحرك فيها خاصة و أنها متعلقة بجرائم قتل مخططة بمكر شديد. و إفلات مجرم من العقاب أقل فظاعة من اتهام بريء بالقتل لأننا نعتقد بأن المجرم سينال عقابه كاملا غير منقوص إن عاجلا أو آجلا. و أنا أعلم بأن خمسة من الضباط المتهمين معي في القضية قتلوا غدرا بعد خروجهم من السجن و سمعت باغتيال آخرين و لا أستبعد تورط دوائر أمنية في المسؤولية على تلك الاغتيالات و لكنني أفضل ترك الكلمة الأخيرة لمن لهم علاقة قريبة بالموضوع، و إلى أن يتم التحقيق النزيه في تلك الاغتيالات من طرف محايد و تظهر الحقيقة كاملة فإن من حقنا أن نحمل المسؤولية لأجهزة الأمن، خاصة و أن أولئك الضباط كانوا بالتأكيد تحت المراقبة الأمنية القريبة بعد خروجهم من السجن العسكري.
7) لماذا لم تطلب الإستفادة من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية؟
أنا أول من حاول إخماد الفتنة قبل ظهورها و طالب بالمصالحة بين الجزائريين قبل أن تتفاقم الأمور في مارس 1992. و جددت موقفي الصريح من ميثاق السلم و المصالحة عبر رسالة إلى رئيس الجمهورية منشورة في موقع صوت الجزائر مند 3 مارس 2005. و مع أنني لست معنيا بإجراءات هدا الميثاق فقد وجهت رسالة إلى اللجنة الوطنية للمصالحة في جوان 2006 أكدت فيها مع اقتناعي بضرورة المصالحة الحقيقية على تمسكي بمواقفي المنشورة منذ اندلاع الأزمة. و تجدر الإشارة هنا إلى أنني من الناحية القانونية بريء الذمة من أي تهمة أو متابعة من طرف مؤسسات الدولة الجزائرية العسكرية والمدنية كما أن القنصلية الجزائرية بلندن وافقت على تسجيلي و منحي الجواز الجزائري مما يدل على أن ملفي الشخصي رسميا نظيف. و مع ذلك فإنني ما زلت و إلى هده اللحظة مستهدفا من طرف دوائر أمنية لم تعترف بسلطة الدولة الجزائرية بعد، و تجعل من صورتي دريئة للرمي أثناء تدريب الضباط في بعض أسلاك الأمن و تقدمني للجيل الصاعد من الشرطة و الدركيين بأنني عدو للوطن. و لذلك فأنا أعتقد أن أوان تحدي هذه الدوائر الحاقدة قد حان لأن السحر الذي بهروا به الناس في التسعينات قد زال أثره و أصبحوا اليوم بين خيارين لا ثالث لهما. فإما أن يعودوا إلى رشدهم و يقتنعوا بضرورة رد الاعتبار للجزائريين المخلصين والانخراط في مصالحة حقيقية ومخلصة تمهد لنهوض الجزائر من كبوتها و إما أن يظهروا الإصرار على الشر و يتمادوا في العدوان و عندها سيؤخدون بالأول و الآخر.
8) نعود بك الى موضوع الانقلاب الذي اتهمتم بتدبيره، فهل من الممكن ان تكشف لنا ما يتعلق بهذا الموضوع؟
تكلمت عن هدا الموضوع بتفصيل أثناء شهادتي على الأحداث و يمكنكم الاطلاع عليه بالعودة إلى الصفحة المخصصة لي على موقع صوت الجزائر الالكتروني.
9) التعديلات الدستورية على الأبواب، فكيف ترى مستقبل قضايا الحرب الأهلية في ظل التراكمات السياسية المختلفة التي حدثت وابرزها طبعا المصالحة الوطنية؟
الحرب الأهلية لن تتسبب فيها التعديلات الدستورية في نظري لأن المواثيق الوطنية بما فيها الدستور لم يكن لها اعتبار كبير في صناعة الحدث الوطني إلى حد الآن. فلا الدستور القديم كان سببا في الازمة السابقة و لا تعديله سيكون سببا في الازمة المقبلة. و الخطر الداهم في نظري هو التكالب على النفوذ بين أجهزة الدولة القائمة و التي أصبحت تتموقع حسب الموقف الفعلي لقيادتها من المصالحة. فأجهزة الأمن الآن مثلا بين من تحاول رد الاعتبار لمصداقيتها و تدارك خسائرها في الحرب القذرة بدفع عجلة المصالحة إلى أبعد الحدود و بين من يحاول المحافظة على غنائمه من تلك الحرب و تعزيز نفوده المكتسب على حساب المصالحة، لأنه يرفضها من الأساس. و التوتر الصامت بين الفريقين و حلفائهما في مؤسسات الإدارة و الدولة في تزايد مستمر و يوشك أن ينفجر في وجه الجميع، في الوقت الذي يغط فيه الشعب و من يدعي تمثيله في سبات عميق و تسبح النخبة السياسية في أوهامها و حساباتها الفارغة.
10) لكم علاقة متينة بسعيد مخلوفي فهل من الممكن ان تروي لنا خفايا تصفيته وتصفية الكثيرين من القيادات الأخرى؟
علاقتي بالسعيد مخلوفي كانت علاقة أخوية متينة مبنية على الثقة. و أنا أعتقد أن هذا الرجل كان مخلصا لدينه و وطنه و كان متفهما لخطورة الأزمة و مستعدا للتعامل معها بكل شجاعة. و لكنه رفض المساومة على الحق من جميع الاطراف ابتداء من حكومة غزالي إلى جماعة زيتوني مرورا بجماعة المراني والجيش الاسلامي. و قد طلبت مني دوائر أمنية المساعدة على تصفيته مرتين فرفضت عروضها رغم قدرتي على فعل ذلك، و عرضت عليهم في المقابل وساطتي من أجل حل شريف للأزمة فلجأوا إلى المراوغة.
أما بالنسبة لتصفية السعيد شخصيا فقد بلغني أنه بعد أن قضى على جماعة التكفير في بومرداس بقيادة عبد القادر حطاب و انسحب بأتباعه إلى منطقة بشار سنة 1994، انضم إليه أحد الجزائريين الأفغان من أبناء منطقة بشار يدعى عكاشة و كان أميرا على جماعة عين الصفراء و بايعه هو و جماعته. و بعد أن نفذوا معه عملية (بني ونيف) و تظاهروا بالإخلاص له، استدرجوه إلى كمين و غدروا به. و تبين بعد ذلك أنهم تابعين أوفياء لجماعة زيتوني.
و هنا تجدر الإشارة إلى أن تصفية القيادات الاسلامية المشهورة أمثال السعيد مخلوفي و و محمد السعيد و عبد الرزاق رجام و بعة عز الدين كانت محل تخطيط من طرف المخابرات الجزائرية وفق استراتيجية الفوضى الخلاقة سنة 1995. كما أن أمارة الجماعة الاسلامية المسلحة بقيادة جمال زيتوني كانت تحت السيطرة الكاملة لأجهزة الأمن. و الجميع يعلم أن تصفية تلك القيادات تمت في خطة واحدة تم تنفيدها من طرف أعوان زيتوني بين 1995 و 1996 و نشرت صور بعض تلك التصفيات و عرضت أشرطة فيديو توضح ذلك. ولكن ما ترتب على تلك التصفيات من تفكك في صفوف الجماعة الاسلامية أدى إلى اغتيال أميرها يدل على أن لجهاز المخابرات يد في تدبيرها.
11) ماهي اسباب اخفاق العمل المسلح في الجزائر؟
للإخفاق و الفشل مقدمات موضوعية أصرعلى التمسك بها طرفا النزاع المسلح في الجزائر إلى حد الآن. و لذلك كان من العبث المراهنة على طرف منها لتحقيق الاستقرار و الأمن في الجزائر. و قد كنت شخصياعلى تواصل بالطرفين على مدى سنوات و لكن الغرور و العنجهية الفارغة منعتهما من الانتفاع بالنصيحة. فالعمل المسلح لا ينفع فيه الكذب على النفس و الهروب إلى الأمام. فإما أن تأخذ بأسباب الانتصار كما هي فتحرز النصر كاملا نقدا بدون مؤخر و إما أن تكذب على نفسك وترضى بالهزيمة جملة أو على جرعات. و الطرفان يتجرعان مرارة الهزيمة قطرة قطرة مع مطلع كل شمس. و سيبقون على هذا الحال حتى يغيروا ما بأنفسهم أو يموتوا بغصتهم، لأن الشمس لن تطلع من المغرب من أجلهم. و يمكنني اختصار أسباب إخفاق الجماعات المسلحة في إشارات مجملة لأن المقام لا يتسع للتفصيل.
أ) أولا لا يوجد عمل مسلح بالمفهوم الاصطلاحي للكلمة في الجزائر لأن البداية كانت باستعمال السلاح من طرف الدولة ضد مواطنين مدنيين عزلا تماما ثم تطورت إلى عنف مسلح فظيع استعملت فيه وسائل همجية و بدائية جدا و انتهت مؤخرا إلى استعمال العبوات الناسفة للقتل بالجملة. فنحن أمام عنف مسلح عبثي و لسنا أمام عمل مسلح مدروس. و هذا تفسير كاف لحتمية الفشل.
ب) غموض الهوية: فمنذ نشأتها رفضت هذه الجماعات أن تفصح عن هويتها فهي مرة إسلامية سلفية تحارب البدع ولا تعترف بالحدود الجغرافية و لا تعترف بغير العلماء و مرة أخرى وطنية تريد تحرير الوطن و الدفاع عن حق الشعب و أحيانا تكفيرية تستبيح دماء الشعب بل و العلماء الدين استمدت شرعيتها منهم و هكذا تعلن الولاء و الطاعة في الصباح لمن تبيت لاغتيالهم في الليل. و لذلك تميزت بالانشطار المستمر و العمل العشوائي فكان مآلها الفشل.
ب) ضبابية الهدف: فالهدف العسكري استراتيجيا كان أو تكتيكيا يجب أن يكون محددا و يؤدي إلى تحقيق مكسب سياسي. و بناء على هذا الهدف تتحدد أبعاد المعركة من حيث المكان و الزمان و الوسائل و المهام و الآثار. والجماعات المسلحة ليس لها هدف عسكري محدد. بل إن غرضها السياسي المعلن نفسه غير ثابت. فهو يتراوح بين إقامة الخلافة الراشدة في الأرض و الانتقام لضحايا النظام المرتد في الجزائر، و لذلك عجزت هذه الجماعات عن تحقيق أي كسب عسكري معتبر في ميزان الحرب رغم مئات الآلاف من القتلى. و السبب هو غياب المرجعية الشرعية المؤهلة لقيادة العمل المسلح سياسيا و عسكريا وإسلاميا في صفوف هذه الجماعات منذ نشأتها.
ج) ضعف الاعداد: فالجماعات المسلحة المحسوبة على الاسلاميين نشأت كرد فعل على عنف الدولة و لذلك لم يسبق نشوءها تخطيط أو إعداد أو تنظيم يسمح لها بالقيام بعمل عسكري منظم و مدروس أو تفادي الاختراقات سواء من طرف الأجهزة الأمنية الجزائرية أو الدولية. كما أن كل عناصرها مدنيون لم يسبق لهم أن تلقوا تكوينا عسكريا يؤهلهم للعمل العسكري المنظم مما جعل الخلل في ميزان القوى بين هذه الجماعات و قوى النظام كبير فكان اداؤها العسكري عبثيا و متناقضا و مكلفا بغير فائدة. فتراجع عنها المؤيدون الاسلاميون بمرور الوقت و تنوعت مشارب الملتحقين بصفوفها مما اضطرها لإعلان فشلها عن طريق الانضمام إلى القاعدة.
ج) الموقف السلبي للمجتمع الدولي من العمل المسلح في الجزائر حيث تم التعتيم على الاسباب الحقيقية للأزمة مما أفقد العمل المسلح المشروع مصداقيته و جدواه و فتح المجال واسعا أمام عمليات الاجرام المنظم والانتقام الأعمى.
و هناك أسباب تفصيلية متعلقة بالعمل المسلح في الميدان ليس هدا مقام الكلام عنها.
12) كيف تنظر الان للمؤسسة العسكرية الجزائري في ظل شعارات التحديث والإحترافية التي رفعت من طرف بوتفليقة وحتى من طرف الجنرالات؟
عملية تحديث و احترافية المؤسسة العسكرية جزء من مشروع الاصلاح الباهت المعلن عنه من طرف النظام و لذلك فهي لم تتجاوز الجانب الشكلي إلى حد الآن. و سوف لن تكون هناك احترافية و لا حداثة لا في المؤسسة العسكرية و لا في غيرها ما دامت هوية النظام غير محسومة و الفصل بين السلطات غائب. و تغيير لباس الجند و نوعية المعدات أو الاجتماع مع قيادة الحلف الأطلسي أو غيره لن يغير من واقع الأمر شيئا. فالتحديث يبدأ من إعادة النظر في العقيدة العسكرية للجيش أو تغييرها. و هذا لم يحصل بالنسبة للجزائر. و لذلك فالمؤسسة العسكرية في الجزائر ستبقى تراوح مكانها إلى أجل غير مسمى رغم ما تتمتع به من إمكانيات نوعية هائلة تؤهلها للتطورو التحديث.
كيف تقيم واقع المعارضة الجزائرية في الداخل أو في الخارج؟
سئلت عن المعارضة في الجزائر قبل اليوم فقلت إنها شعار جميل و ليست واقعا معاشا و أنا ما زلت عند رأيي الأول. فالمعارضة في الداخل عبارة عن شريك كامل الحقوق مع النظام تأكل معه من نفس الإناء و لا يمكنها الاعتراض على رغبته أبدا. و لذلك فوجودها عمليا مثل عدمه بل إن غيابها في نظري أنفع للشعب لأنه سيمهد لظهور معارضة حقيقية على أسس صحيحة. أما المعارضة في الخارج فإنها لم تتشكل بعد رغم وجود أصوات جريئة و إرادة قوية لدى بعض الشخصيات لتحدى عنجهية النظام. و السبب في نظري هو الضعف الناتج عن التفاوت في القدرة على تشخيص الأزمة المتعددة الأوجه وغياب عامل الثقة الكافية بين عناصر هذه المعارضة.
14) نريد ان نعرف منكم علاقتكم بحركة الضباط الأحرار، واين هي الآن؟
سمعت بحركة الضباط الأحرار سنة 1999 و مازلت احتفظ بعلاقة أخوية حميمة مع بعض عناصرها و لكنني فضلت الاستقلال بموقفي منذ البداية من باب التحفظ لأنني لم أسهم في تأسيسها و اقتصرت علاقتي بالحركة على نشر بعض مواقفي على موقعها الإلكتروني دون التدخل في شؤون هده الحركة. و لذلك لا يسعني إلا ان أحيلكم على موقع الحركة لطلب المزيد من المعلومات عنها.
15) تفجيرات تضرب من حين لآخر الجزائر وآخرها انتحاري ضرب ثكنة الحرس الجمهوري والذي صادف عزل بوتفليقة للجنرال العياشي غريد، فكيف تفسرون هذا التصادف ام أن لكم قراءات أخرى؟
لا شك أن الرئيس بوتفليقة يتعرض لضغوط كبيرة من طرف دوائر ترفض مشروع المصالحة الذي تبناه و أن هده الدوائر تشجع بطرق متعددة كل الأعمال التي تعرقل مساعيه و من بينها تأزيم الوضع الإجتماعي والأمني. إلا أن إعفاء ضابط في الجيش من الخدمة حتى لو كان برتبة جنرال لا يعتبر في نظري حدثا يتطلب التوقف عنده أو التساؤل حوله، إلا إدا كان هذا الضابط شخصيا ذا سلطة فعلية أو صاحب نفوذ كبير في النظام مثل ما كان عليه اللواء خالد نزار أو الفريق محمد العماري. و لا أعتقد أن للجنرال المعزول وزن من هذا القبيل. و حتى إذا كان عزله في إطار العقوبة على تعرض ثكنته لتفجير انتحاري فقد لا يكون ذلك بأمر الرئيس نفسه كما لا أعتقد ان يكون لذلك دلالة خاصة لأن من يخلف العياشي لن يمنع تفجيرا مماثلا من الحصول مرة أخرى.
أما التفجيرات فهي في نظري تطور طبيعي للأزمة الأمنية المتفاقمة. و قد سبق لي التأكيد على أن هذه التفجيرات ستتزايد بمناسبة التعليق على تفجير مقر الحكومة في كلمة منشورة بموقع صوت الجزائر منذ أكثر من سنة. و لذلك فلست أرى أي علاقة بين الحدثين المشار إليهما في سؤالك و الله أعلم.
16) سؤال تتمنى ان نطرحه عليكم ولم نوفق؟
بارك الله فيكم