للأسف – فإننا – أي – نحن العرب , لم نستطع بعد تجاوز عقدة التبعية التاريخية والرعب التقليدي في علاقاتنا مع من هم أقوى منا , وخصوصا القوى الكبرى في العالم , وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية , بالرغم من أن قوة من هم أقوى منا تحتمل أمرين , احدهما الإمكانيات التي تملكها تلك القوى الكبرى في العالم , وبالتالي فان الأمر الواقع والمنطق يفرضان على من هم اقل قوة , أن يكونوا في كثير من الأحيان تحت عباءة من هم أقوى منهم , أما الاحتمال الآخر , فهو نتاج خوفنا الدائم والمستمر من تلك القوى الكبرى ولأسباب كثيرة , منها من هو سياسي وآخر اقتصادي وربما سيكولوجي , وبالتالي فان بعض من قوة تلك القوى الكبرى على الساحة الدولية اليوم , هي نتاج طبيعي لخوفنا المستمر , ورعبنا المرضي من قوتهم تلك , والتي ربما لولا خوفنا نحن منهم بشكل مستمر ودائم , ما كانوا سيكونون على ما هم عليه من قوة وهيمنة وسيادة وجبروت في مختلف مجالات الحياة 0
وللعلم فان تلك القوى العظمى العالمية , تدرك تمام الإدراك مدى ما تملكه من مقدرة وإمكانيات , ولذلك فقد فهمت أن القوة في اغلب الأوقات لا تتولد من إرهاب الصواريخ النووية العابرة للقارات , بقدر إمكانية الحصول عليها من القوة الناعمة الطرية والمؤامرات السياسية الهدامة والتقسيم والتفرقة والدسائس , كذلك فان في الجانب الآخر من معادلة القوة , يكمن في الضعف , والذي يتولد في اغلب الأحيان من استمرار الخنوع والانكسار والتبعية وسوء التخطيط , وليس من قلة الحيلة وضعف الإمكانيات والثروات , او الافتقار الى القوة العسكرية والاقتصادية والدعم السياسي كما يدعي الكثيرون , وبمعنى آخر , فأن الضعف الحقيقي والذي أدركته تلك القوى فينا , هو ضعف كامن في نفوسنا وعزائمنا , بحيث تولد ذلك الرعب جراء خوف الكثير من قياداتنا ومخططينا ومن تولوا أمرنا في مختلف مجالات الحياة على كراسي السلطة والمناصب , او من جراء تخويف العرب من خلال تخوينهم , وغيرها من الأسباب التي لا يمكن إرجاعها الى عوامل طبيعية او تاريخية في اغلب الأوقات والأزمنة 0
وهو على وجه التحديد , ما نحاول توضيحه هنا , – أي – أننا كدول عربية , نملك كل أسباب القوة بلا استثناء , من الإنسان الى الموارد الطبيعية وغيرها من الإمكانيات السياسية والاقتصادية والتاريخية , ولكن – وللأسف – , كان لما سبق ذكره من أسباب التبعية والخوف والانكسار , دور كبير في ما نحن عليه اليوم من تراجع وضعف وترهل على مختلف المستويات , والدليل واضح من خلال عدد من القضايا العربية المصيرية التي لا زلنا الى يومنا هذا غير قادرين على حلها , بالرغم من مرور عقود طويلة عليها , او حتى من خلال الوصول الى نتيجة تضمن ابسط حقوقنا السياسية والتاريخية فيها , وعلى رأسها قضية الصراع العربي الإسرائيلي , بمختلف أبعادها وملفاتها , كملف الأسرى وحق العودة على سبيل المثال لا الحصر , وغيرها الكثير من القضايا والمسائل العالقة 0
والغريب في كل ذلك , هو تلك التبعية العمياء التي وصلت الى حدود السذاجة والجهل , وكان حل قضايانا معلق بتوقيع الغرب وموافقته , بحيث لا يمكن لنا اتخاذ أي قرار مصيري للإصلاح والتنمية , دون أن تكون فيه النكهة الاميركية او الغربية , والأغرب من كل ذلك , هو اللجوء لمن نحن على علم مسبق بأنهم سيكونون أول المتاجرين بقضايانا وحقوقنا , ورغم ذلك نتسابق لنيل رضاهم والحصول على مباركتهم لمساعينا , بل وأكثر من ذلك , فقد وصل بنا الأمر الى درجة المطالبة والإصرار على أن يكون لهم الرأي الأخير في حل جل قضايانا الداخلية منها والخارجية , فماذا يمكن أن نسمي ذلك التصرف ؟ وتحت أي بند من بنود العلاقات الدولية او السياسة الخارجية , يمكن أن نضع تلك المتاجرة الرخيصة بقضايانا العربية , وحقوقنا السيادية منها والقومية ؟
وفي هذا السياق يربط المفكر الدكتور برهان غليون , وهو مدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ في جامعة باريس الثالثة, تلك العلاقة ما بين العرب والغرب وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية , في قضايا كالإصلاح والتنمية , بجدلية العلاقة مع الخارج بقوله :- ( انه من مواجهة التحدي الإسرائيلي , الى مسائل التنمية الاقتصادية والاجتماعية , وتطوير نظم الحكم والإدارة , بل حتى الى تحرير المرأة , وإصلاح مناهج التعليم والتربية , نجحت الولايات المتحدة الاميركية بصرف النظر عن صور المقاومة , في موضعة نفسها في موقع الراعي , او الآمر الفعلي والوحيد تقريبا في المنطقة , 0000 ويأتي هذا الوضع ليتوج عقودا من السياسة العربية الوطنية والقومية الضعيفة واليائسة التي كرست عجز العرب , وتخليهم عن الاعتماد على أنفسهم في حل المشكلات التي تواجههم وطنيا وإقليميا ) 0
ويؤكد ذلك العديد من الحقائق والوقائع التي لا يمكن صم الآذان عنها , او تغطية العيون عن رؤيتها , فبداية من صور الديمقراطية الاميركية المزعومة التي بدأت تفرض بالقوة في جل دولنا العربية , الى برامج الإصلاح وحقوق الإنسان والحيوان , ومرورا بصور الاستنجاد والاستجداء العربي بالغرب لحل العديد من قضايا الأمة العالقة مع المستعمرة الإجرامية الإسرائيلية الكبرى وغيرها , وليس انتهاء بكل صور التبعية السياسية والاقتصادية وحتى الإيديولوجية , لدليل واضح على الوضع المتردي الذي تعيشه الأمة العربية الممثلة في دولها العربية هذه الأيام 0
نعم 000 إن اللجوء للغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية قد اضر بقضايانا العربية كثيرا , لدرجة أن يصل بهم الأمر الى المجاهرة والمقامرة علينا في أسواق التجارة العالمية , وإلا فما يعني أن يتعهد السيناتور الأمريكي باراك أوباما بضمان تفوق إسرائيل العسكري النوعي في الشرق الأوسط , وقدرتها على الدفاع عن نفسها من أية هجمات قد تتعرض لها من غزة إلى طهران، في حال فوزه بالرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل ؟ وقال أوباما في هذا السياق :- إن السلام يخدم مصلحة أمريكا وإسرائيل ، لكنه شدد على أن أي دولة فلسطينية يجب أن تضمن أمن إسرائيل , وأن تبقي عليها دولة يهودية عاصمتها القدس التي يجب أن تظل مدينة موحدة غير مقسمة , مؤكدا بذلك , أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتجاوز المصلحة الوطنية وتتجسد في القيم المشتركة التي تجمع البلدين , متجاهلا بذلك كل الثوابت التاريخية والسياسية والأعراف والاتفاقيات الدولية والقوانين الأممية المعمول بها في هذا الجانب , وضاربا عرض الحائط بكل علاقات بلده بالدول الإسلامية والعربية , وكان لسان حاله يقول : إن امن واستقرار إسرائيل فوق كل اعتبار , وذلك في سبيل نيل الأصوات الصهيونية في حملته الانتخابية0
وهكذا يتبين لنا حقيقة أن الاعتماد على الغرب , وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية , لحل قضايانا العربية المصيرية , او حتى المساعدة على تفعيلها , ليس أكثر من مجرد استظلال بشجرة يابسة في فصل الصيف , فلا هي قادرة على أن تقي نفسها الحر , ولا المستظلون تحتها بأفضل حال منها 0
الأستاذ / محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان