((مابين السطور))
سأُجهِزْ بطليعة كلماتي على ثابت يحاول البعض تحميله كل إرهاصات ونتائج الفشل, في محاولة لعزل العناصر المتشابكة, كي نتمكن من وضع النقاط على الحروف, وأقول هنا متشابكة حتى لايقال عبثا عدم إمكانية الفصل, وذلك لخدمة مآرب شخصية أو حزبية من خلف حجاب الثابت البغيض المتمثل في((الاحتلال)), كما لو حاولنا في معامل متخصصة فصل عناصر المادة البيولوجية, بتركيز شديد وقدر الإمكان, في محاولة للوقوف عند حقيقة تداعيات الثابت السرطاني على باقي العناصر, أو ربما نكتشف بالحجة والدليل المخبري السياسي وليس بالمصادفة, أن هناك عناصر تساعد الخلايا السرطانية “الاحتلال” في تحقيق اكبر نسبة تدمير في باقي خلايا المؤسسة السياسية والاجتماعية, وما لذلك التعقيد من تداعيات خطيرة على باقي الجسد المجتمعي بشكل عام.
الاحتلال بغيض ؟نعم ولعين ومدمر وهذه مهمته الأساسية لاغرابة!!! وما أود الحديث به هنا وربما تجربتنا الفلسطينية في ظل وجود الاحتلال والسلطة, لاتختلف كثيرا عن محيطنا العربي في ظل عدم وجود احتلال مباشر, وذلك في الصراع مابين تسلط الحزب في الاستئثار بالسلطة ولا خلاف في ذلك, ومابين قيام مؤسسات السلطة على ركائز”تكنوقراطية” سليمة من شانها أن تؤدي إلى السلامة الداخلية للنسيج الاجتماعي والسياسي لأي مجتمع, ومن هنا نلمس الفرق في أصول اللعبة الديمقراطية والمقاربات بين مجتمعات مستقرة قائمة على معايير وأسس سليمة, ومجتمعات ربما تكون إمكانياتها اكبر لكنها مرتبكة ونسيجها مهتك نتيجة, انتهاج معايير الحزب الواحد الذي يطغى ليس في المؤسسات الحكومية فقط, بل تسحب هيمنة الحزب الحاكم الواحد بمعاييره الحزبية الضيقة, على باقي أجزاء وعناصر المؤسسة حتى المدنية منها, فيكون الفرق والمفارقة بين الشمولية وأحيانا إن جاز التعبير”دكتاتورية الحزب الواحد” أو كما أطلقت عليها إجرائيا في عنوان مقالتي”الحزبقراطية” وما بين أصول اللعبة الديمقراطية التي تنتج مؤسسة تؤدي إلى الرضا العام بعيدا عن أصول معايير الأحزاب العمياء, والتي لاترى غير مصالحها الفئوية الضيقة, ومن بعدها الطوفان, وإذا ما طفا للسطح عملية الفشل والتذمر العام في حالتنا الفلسطينية خاصة, فسرعان ما يستل عرابي”الحزبقراط” سيوف التبرير وإلقاء كل العبث “الحزبقراطي” على شماعة الاحتلال, لايستطيع احد إنكار ما للاحتلال من تداعيات تدميرية على المؤسسة خاصة فيما يتعلق بسلوكها الخارجي الوارد والصادر, ولكن الاطلاقية في فشل المؤسسة لتحقيق أدنى حالات الرضا العام, لابد لنا من رفع وتيرة المصداقية مع الذات, لنرقى بمفهوم وتطوير المؤسسة, والسعي لنيل رضى الجماهير, إلى تسمية الأشياء بمسمياتها حتى بمعزل عن شماعة الاحتلال.
فقد ثبت في تجربتنا الفلسطينية وبكل صدق, أن نموذج هيمنة الحزب الواحد على المؤسسة بشكل مطلق, المدنية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية, إنما افرز لنا مزيدا من المعاناة والانهيار, جزء كبير من هذا نعم بسبب الاحتلال, ولكن من الجريمة أن نتهرب من الإشارة إلى عين الحقيقة التي لاتحتاج إلى عناء كبير في التشخيص, فجزء ليس بسيط من الإخفاق في تحقيق السلامة الاجتماعية والرضا العام, تعود إلى صبغة المعايير بألوان حزبية صرفة وتفرديه.
ومهما بلغ الشعار من صور شاعرية ورومانسية فان الشمس لاتغطى بغربال كم تقول أمثالنا الشعبية, لقد تخضرم هذا الشعب في المراوحة مابين الماضي والحاضر, في ادلجة المعايير لمؤسساتنا التي تحتضر بفعل ضربات الاحتلال في الخاصرة أولا, وبفعل ادلجتها باللون الحزبي الصرف, وهنا تدخل عملية التدمير والاحتضار إلى مرحلة التراشق مابين حزب ذاهب وآخر حاضر للهيمنة على ربوع تلك المؤسسة من منبت رأس هرمها, حتى أخمص قدمها, بحجج”ثيوقراطية المؤسسة” و”علمانيتها” في حين أن تلك المؤسسة في غنى عن تلك التجاذبيات الأيدلوجية, لأننا ببساطة نمتلك مايشابه السلطة وليس سلطة كاملة, فعندما يصل ذروة الصراع الاقصائي والهيمنة على كل خلايا المؤسسة وجعلها عبد صابئ للون الحزبي, فان الفشل هو تحصيل حاصل, وبالتأكيد كل حزب يدعي الكمال , وان معاييره اقرب إلى الخط البياني” التكنوقراطي” وكلها ادعاءات لاتمت للواقع بصلة سواء في المرحلة السابقة أو المرحلة الحالية, لقد تشابهت المعايير بنسب ناقصة أو زائدة بعض الشيء إلا أن مؤسستنا الوليدة والتي تعاني ظلم وجبروت الحصار والاحتلال, مازالت أسيرة أيدلوجية”الحزبقراط الواحد”.
وان كان التنافس والصراع باتجاه منحنيات الوصول إلى السلطة, هو احد اظلاع اللعبة الديمقراطية الشرعية, إلا أن ادلجة المؤسسة بلون الانتماء السياسي للحزب الحاكم فهذه مصيبة وكارثة مؤسسية, وحتما طالما كانت الأولوية بل ربما أحيانا الاطلاقية إلى لون الانتماء السياسي المتفرد, بعيدا عن المعايير المجردة والنزيهة المؤسسية المبنية على”تكنوقراطية” طبيعية تتحرى معايير الكفاءة والتخصص حتى لو لم يكن العنصر البشري ذات لون انتماء سياسي لإحدى قطبي التنافس السلطوي, فان المؤسسة تصبح عاقرا تراوح مكانها, وليس أسهل من تعزية الذات أو مغالطتها, أن نعزي مرد ذلك إلى غير أهله والى غير أسبابه الحقيقية, حتى لايقال فشل الحزب هذا أو ذاك, فسرعان ما يصل حزب إلى سدة كابينة القيادة, حتى تبدأ المناكفات والتشكيك لان أصول العملية فئوية قائمة على الإقصاء لا على المشاركة السليمة, وتلك البدايات تنبئ بإرهاصات تدمير المؤسسة على جميع المستويات, والأغرب من ذلك عندما يصبح فرقاء التنافس والذين يسعون للسلطة بكل الوسائل الديمقراطية والدكتاتورية للأسف, فإذا ما وصل غيرهم إلى إدارة جزء من تلك المؤسسة, أو حتى في وضع استثنائي طارئ, إلى أعلى هرم القيادة المؤسساتية الحكومية, فان الفرقاء وبشكل غير مباشر ينبرون في الطعن بمصداقية ووطنية ذلك الغريب الوافد من خارج الأغلبية والأقلية التقليدية, فنرى فرقاء الأمس بل فرقاء اليوم, يستقطعون جزء من أولوياتهم لمحاربة أي إدارة “تكنوقراطية” متخصصة بعيدا عن الهيمنة الحزبية, حتى لو كان في ذلك خيرا لروح المؤسسة بعيدا عن المعايير الحزبية العمياء, فتجد المستوزرين وجماعات المصالح التي تنطلق من رحم الحزب, قد تضررت جراء ابتعاد القرار عن القبضة”الحزبقراطية” وعندها تصبح الحرب التشكيكية مفتوحة على مصراعيها, رغم عملية الإصلاح التي تتم في المؤسسة إداريا واقتصاديا وامنيا, فليس بالضرورة أن تخضع المؤسسة الأمنية والاقتصادية والسياسية ,لتكون أسيرة المصير الذي تخطه أيدلوجية التجاذب مابين أقلية وأغلبية, أو حتى أغلبية متفردة في الماضي والحاضر, فقد تدمرت المؤسسة بسبب تجييرها بالمطلق لخدمة توجهات الحزب على حساب خدمة الجماهير العامة, بغض النظر عن انتماءاتها السياسية, وفي حالتنا الفلسطينية كذلك ثبت بالدليل العملي أن حكومات والوحدة الوطنية سريعة الانهيار لان الاعتقاد الخاطئ والسائد, أن لابد في حالة ائتلاف يدير السلطة أو المؤسسات, أن تخضع الأقلية للأغلبية حتى وان كانت الأغلبية على خطأ, يعني عدم التحرر من روح التفرد والإقصاء البغيض والمتجذر في التكوينة الاجتماعية السياسية الفلسطينية, والذي كان من تداعياته الحالة الانقسامية الدموية في مجتمعنا الذي كان بالأمس القريب مع عدم وجود سلطة في خندق واحد يجمع كل أطياف العمل الوطني.
وفي المحصلة فان روح”الحزبقراطية” المتفردة عنصرا هداما إلى جانب الثابت الاحتلالي السرطاني, وان الأيدلوجية “التكنوقراطية” هي أنجع الطرق المتجردة والحيادية, للأخذ بيد المؤسسة من كبواتها وعثراتها المتراكمة, مع الأخذ بعين الاعتبار ما للبرلمان والذي هو أهم المؤسسات السيادية المتحكمة بسير إدارات الوطن بالكامل, وللأسف هو الآخر تم إدخاله إلى محرقة”الحزبقراطية” وفقد صلاحياته العملية, أو فقد سلطته في تطويع ألوان العمل السياسي بداخله, حتى أصبح معطلا وطاولته عملية الانقسام والشرذمة”الحزبقراطية” حتى تم تعطيله بالكامل بسبب ضربات الاحتلال في الخاصرة, وبسبب روح”الحزبقراطية التفردية” من جهة أخرى, في حين أن دور هذا البرلمان الأساسي في حال التجرد وتقديم المصلحة العليا على المصالح”الحزبقراطية” لمراقبة ومحاسبة الإدارة الحكومية للمؤسسة حتى وان كانت من غير لون الصراع”الحز بجي الثنائي” بالتوافق, ويبقى دور المجلس التشريعي حين افتراض سلامته من وباء”الحزبقراطية” سيفا مشرعا لتقويم عمل المؤسسة بالكامل, واهم مايميزه في حال حادت الحكومات أي كان لونها السياسي هو التلويح بإسقاطها وحجب الثقة عنها فيما لو حادت عن الاستراتيجيات الوطنية, لكن أن يكون مهمته انطلاقا من أيدلوجية”الحزبقراطية” هو تثبيت القيادة المؤسسية والحيلولة دون المس بها, حتى في حال فشلها في إدارة العملية السياسية أو الاقتصادية فيدخل بذلك البرلمان إلى العناية المركزة ليس بسبب الاحتلال فقط كثابت بغيض, وإنما بسبب روح التفرد”الحزبقراطي” المقيت, وهذا ما كان في الفترة الحزبقراطية السابقة والفترة الحزبقراطية اللاحقة , ولا خلاص لمؤسساتنا أو تجنيبها مزيدا من الطعنات الوطنية غير طعنات الاحتلال المتوقعة, إلا بان يزال منها كما الزيوان من القمح, معايير “البيروقراطية الحزبقراطية” وتقديم معايير التوافق”التكنوقراطي المتخصص” عندها يكون لتلك المؤسسة تداعيات ايجابية تخفف على مجتمعنا هول الغول الاحتلالي قدر الإمكان, فهل نتدارك وننعتق من روح دفع المؤسسة بالكامل قسرا لتعتنق أيدلوجية”الحزبقراطية التفردية , السياسية والاجتماعية” أم نجعل المؤسسة وإدارتها تحتكم إلى”كنترول التكنوقراطية” بعيدا عن القسمة الحزبقراطية, ومعايير المحسوبية, التي من شانها ليس فقط تدمير المؤسسة المدمرة بل لتدمير سلامة النسيج السيكولوجي الاجتماعي بالكامل, ولن يتآتى ذلك والتجربة القديمة الحديثة حاضرة, من اجل مستقبل كضوء شمعة في نفق مظلم بسبب الاحتلال, إلا بخلع النظارات “الحزبقراطية المقعرة” وارتداء النظارات “التكنوقراطية المحدبة” التي تعالج الانحراف المؤسسي, ويكون ذلك في مصلحة الكل السياسي, والكل الاجتماعي, والكل الاقتصادي, وبالتالي الكل”الحزبقراطي”. وفي المحصلة بعد تخصيص الجزء الأكبر من تدمير مؤسساتنا لمبررات الاحتلال, فان الجزء الآخر الهام التدميري أو الإصلاحي بيدنا لابيد عمر.
والله من وراء القصد