” يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان ” قول مأثور نكرره على مسامع أولادنا.. هكذا هو حديث الناس، وخصوصا الأمهات والآباء شبه اليومي وقت حلول الامتحانات النهائية في كل عام .. إلى جانب حديثهم عن شغف العيش وقسوة الحياة في ظل حصار خانق لا يُحتمل. مع علمنا المسبق بأنه لن يقتصر الصيف على أجواء الامتحانات وإنما ستكون متاعبهم جما هذا الصيف، فالمخيمات الصيفية قد انتهى دورها في غزة ولم تعد قائمة ؟؟ كما الموافقة عليها ليس بالشيء البسيط في ظل أحكام تعسفية، ففي العام المنصرم أبدت بعض الجماعات السلفية هنا رفضها بالقوة للمخيمات الصيفية بحجة الاختلاط للمراحل الابتدائية لمنع التطبيع بعادات الغرب! هكذا هم بعض جهابذة الفكر والعلم عندما يُمسكون بالسمكة من ذيلها !!
لا نعلم أي مستقبل ينتظر فلذات أكبادنا فلا معابر مفتوحة لإكمال تعليمهم خارج البلاد.. ولا كليات متقدمة هنا ستسمح بنسب معقولة للقبول، هذا إن لم تُغلق أبوابها للتسجيل فيها نظرا لتراكم الطلاب على مدار عامين متتاليين .. فهل سيأخذون حقهم في التعليم كباقي البشر ؟ فهو أحد حقوق الإنسان الأساسية ونصوص معاهدات جنيف، فحتى المتفوقين فقدوا المنح الدراسية التى هي من حقهم بسبب إغلاق المعابر للعام المنصرم والمستمر إلى اليوم وغد وبعد غد ؟؟.
فهذا هو حالنا من سيء إلى أسوأ هنا في غزة الجاثمة تحت وقع الحصار اللعين من جهة وعدم اكتراث أولى الأمر هنا من جهة ثانية ، وصمت العالم على استحياء من جهة ثالثة !!.
فإليك يا ولدى وصاياي من قلب أب ينفطر في غزة :
يا والدي .. ماذا سيكون مستقبلك الذي يبدو واضحا وجليا، فلسنا بحاجة إلى طلاسم سحرية لفهمه، فالأحداث تشرح نفسها بنفسها، وأنت لا تستوعب بعدك هذا الشيء، وحتى تدركه قد يكون الله قد بعث لنا مخرجا حسنا، أو خُسفا فيريحنا من حياة عبثية لا يحتملها بشر..
يا ولدى .. أخشى عليك أن تنتهي في طوابير طويلة أمام توظيف لدكاكين حملة البنادق !لا تحمل علما نافعا وإنما أحقادا ليست من طباع البشر، في أرض طيبة هي أرض الرسالات السماوية.. وأخشى عليك من ضيق الحياة وقسوتها فنحن لسنا مخلدين لك على هذه الدنيا الفانية فالإنسان رسالة يؤديها قبل أن تنفذ أيامه على وجه الأرض، ويحين قضاء الله المحتوم وهنا نخشى أن نسلمك الأمانة ناقصة غير مكتملة، وعندها لن نجد من يترحم علينا أو يقرأ الفاتحة على أرواحنا فلن يكون لنا ولد صالح فقد قصرنا في حقهم وطفولتهم وتعليمهم ورعايتهم حيث سنكون وقتها في أمس الحاجة نبحث عن حسنة من هنا أو من هناك ولا نجدها.. فلا نريد أن نكون كأصحاب الأحقاف ..
يا ولدى .. لا تسامح من يستمر في امتهان كرامتك ، ولا يبالى بمستقبلك ،وأدعوك من قلب الظلم أن انتفض..من قلب العبث أن انطلق..من قلب الجرح أن انبعث.. ولا تلتفت إلى قدميك وعلى من داست نِعالك حتى لا يحن قلبك أو ينفطر، فتهون عليك نفسك وشغف وعذابات والديك وأهلك..
يا ولدى .. لا تعبه من كثرة الركام وغباره المتطاير ، ولا من زحام الكلام التافه المتقاطر من جنون الخيبة، و لا من العفن ورائحته التى تزكم الأنوف في كل مكان ..
يا ولدى.. أرادوك أن تمضى نحو غايتهم التى رسموها لك بعقولهم القاصرة ، وبأيادي لن تكون عليك بالتأكيد رحيمة ، فدفاعك عن نفسك حق مشروع كفلته لك قوانين السماء والأرض..
يا ولدى .. اعزم وتوكل على الله واجعله حسبك وحسيبك، وكن مستعدا ليوم الحساب ، وكن مع إشراقه الشمس الأولى ، وبزوغ نهار حتما مختلف بمشيئة رب رحيم لا يغفل ولا ينام ،جبار ذو انتقام ..
يومها يا مُهجة الروح تذكر قول نوح لولده “لا عاصم اليوم من أمر الله ” وإياك أن يرمش لك جفن أو تدمع لك عين، فكن كمن سُحبت منه كل الأقلام والصحف !!
إلى اللقاء…