بقلم: أنور مالك – باريس
هل نحن في حاجة لثورة من أجل ان نتحرر من الغزاة؟
بقلم: أنور مالك – باريس
هل نحن في حاجة لثورة من أجل ان نتحرر من الغزاة؟
هل نحن في حاجة إلى هذه الثورة حتى نصنع من هو جدير بتحرير أراضينا المغتصبة؟
هل المقاومة أشمل من الثورة أو الثورة أشمل من المقاومة؟
هل الذين يطلقون على ما يجري في فلسطين ولبنان والعراق من أنها مقاومة هم يقصدون المعنى أم الحدث؟
هل من الممكن ان نتحرر بالمقاومة ام بالثورة؟
هل يوجد أمة في التاريخ تحررت من الإحتلال سمت ما قامت به ثورة أم مقاومة؟
هل يمكن أن نسمي مجموعة من المسلحين الذين يمارسون حرب العصابات أنهم يقومون بالثورة أم يقومون بالمقاومة؟
هل المقاومة هي التي تهدد بنسف الغزاة وابادتهم أم الثورة؟
لماذا يخشى المحتلون الثوار ولا يخشون المقاومين؟
هل تقبل اسرائيل أن نسمي ما يجري في فلسطين أنه ثورة؟
لماذا يروج لمصطلح المقاومة كثيرا وتم نسيان الثورة؟
لماذا سمي ما جرى في الجزائر عام 1954 أنه ثورة ولم يطلق عليه أنه مقاومة بالرغم من تسمية ما قام به بوعمامة أو الأمير عبدالقادر بالمقاومة؟
هل الشعوب التي تحررت من الإحتلال كان بالمقاومة أم بالثورة؟
هل للمقاومة أبعاد تغيير عقدية وفكرية أم انها تقتصر على عمل مسلح؟
هل يقبل “حزب الله” أن يسمى ما يقوم به ثورة؟
لماذا الإصرار على المقاومة؟
لماذا سمى الخميني إنقلابه على الشاه ثورة ولم يفعل ذلك حسن نصرالله الذي يجابه كما يروج له الصهاينة؟
ماهي العوائق التي تعترضنا لأجل أن نصل إلى الثورة؟
هل إسقاط الأنظمة العربية تحتاج إلى ثورة أم إلى مقاومة أم إلى عصيان؟
أسئلة كثيرة جدا تحتاج إلى وقفات ووقفات، وخاصة أننا نغرق في الهزيمة بالرغم من الشعارات البراقة التي تحمل هنا وهناك، فقد فشلت الكثير من التجارب وباءت بالخسران والخيبة بدأ من الناصرية ووصولا للبعثية والصدامية، ثم بين هذا وذاك فشلت “القومية العربية” بتحقيق تلك الأماني الرنانة المزركشة، فهل السبب يعود إلى أنها لم تكن ثورة بل كانت مجرد حركات سياسية تتمسح بما تسميه مقاومة وتصنع لنفسها آفاقا بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش؟
الحقيقة أن تحرير فلسطين لم ولن يتحقق بالمقاومة على شكلها الآن والتي هي طبعا جزء بسيط ومهم من الثورة، ومادمنا لا نزال في بداية عمل لا يتعدى العصابات المدافعة وليست الغازية، ولهذا فضل لها هذه التسمية “المقاومة” وبصورة واضحة قد لا يتفطن لها الكثيرون من المسحورين بالفجر بعدما ملوا الظلام الداكن… من هنا يمكن ان نؤكد أن طريق التحرير بعيد وإسرائيل أو أمريكا أو بريطانيا أو بقية حلفائهم سيظلون جاثمين على صدورنا، بل ستسقط دول أخرى في براثن التقسيم والتجزئة والتفتيت والتخلف والهيمنة الأجنية، فعندما قلت على الجزيرة أنه يجب صناعة جيل يؤمن بالقضية ويقدسها، فأنا أقصد أيضا أنه يجب أن نرتقي بالمقاومة إلى ثورة، حينها بلا شك سندرك أننا بدأنا الخطوات على الدرب الصحيح…
إن شبابنا الذي نعول عليه في المقاومة كما يروج، تخنث – إلا من رحم ربك – وصار لا تهمه إلا أخبار المغنيات وأجسادهن وعطورهن ومواعيد حيضهن، فإن زار أي بلد عربي شخص أو مناضل حر لإلقاء محاضرة تتعلق بفلسطين أو العراق أو ما يجري في باقي البلاد العربية من القهر والتخلف والفساد والإحتلال والإستبداد، فلن تجد في القاعة التي خصصت له إلا المئات إن كان محظوظا بالدعم من طرف السلطة الحاكمة، ولكن لو نزل أحد المطربين أو المطربات أو الراقصات اللواتي ينشرن العهر والدعارة والرذيلة، فستجد الملايين ممن يتسابقون على حفلتها أو حفله، وان جاء أحدهم يحمل صندوقا لجمع التبرعات لأطفال غزة أو رام الله فإنك لن تجد إلا القلة القليلة ممن يتبرعون ببعض القروش، لكن رأيت بعيني كيف بنات أمتنا يرمين المجوهرات والماس والذهب في أحضان تامر حسني أو غيره… فهل هذا يحتاج إلى ثورة أم إلى مقاومة؟.
الثورة هي تغيير جذري في الذهنيات والمكونات الدينية والمراجعات الفكرية للأمة، والتي بلا شك ستحفز الناس على الجهاد والقتال وحماية الثغور والخنادق، الثورة هي ذلك الإنقلاب على القيم – ان كانت قيما بالفعل- التي يريد المحتلون ارساءها في اعماق امتنا، الثورة هي روحية وفكرية واقتصادية وعسكرية، ومن غير التكامل مع هذه المعاني سيكون المصير دوما هزيمة ترفس رؤوسنا إلى أن يشاء الله غيرها، لذلك فنحن في حاجة إلى ثورة حقيقية وليست شعاراتية مزيفة أو مدغدغة للمشاعر، حتى نصل إلى مبتغانا ونحقق أهدافنا ونتحرر من العبودية والتسلط، فالتجربة النبوية كانت ثورة على العقيدة الجاهلية وعبادة الأوثان والأصنام، كانت ثورة على التقاليد والأعراف غير السوية التي تنتشر بين القبائل العربية، كانت ثورة على الهمجية والظلم للآخرين، كانت ثورة على الرق والوأد وإستعباد الناس في ما بينهم… هكذا كانت وحققت النجاح وفتحت العالم، فقد تعرض الصحابة للظلم والإضطهاد والحصار والتجويع ولكن ظلوا شامخين يصنعون عقيدتهم، ولما أذن لهم القتال كانوا في قمة المقاومة ثم في قمة الجهاد والفتوحات… لهذا فالثورة هي الأشمل وما المقاومة إلا مرحلة بسيطة من مراحلها، وغالبا ما تعني الدفاع عن النفس والأهل والعرض، ولم تكن أبدا تعني غزو الآخرين فتلك ثورة تحتاج إلى شروط طويلة وعميقة يجب ترسيمها داخل أطرنا الفكرية والحضارية والعقائدية والعسكرية…
إن إستبعاد العامل العقدي في التغيير أو في التحرير هو خطأ جسيم يجب تجاوزه، وما سمي بالحرب على الإرهاب له تأثيرات سلبية على النهج الثوري الذي يبدأ من عقيدة وينتهي بمعارك طاحنة تدك حصون العدو والمحتل الغاشم، حتى صار البعض يريدون اقناع العالم أنهم مقاومة شرعية وليسوا إرهابيين، فتخلوا حينها عن كثير من مقومات الثورة الغراء وحادوا عن جادة الهدف المقدس… أيضا من دون التصحيح العقدي لا يمكن ابدا أن نصنع ثورة ومنها ندفع الناس للمقاومة والهجوم على العدو، فقد حاول المستدمر الفرنسي من قبل أن ينشر الفكر الصوفي بين الجزائريين والذي حول من المحتل مجرد قضاء سيزال بقدر الله، وقد إنتشر بين الزوايا وكاد أن ينغرس في أعماق الشعب الجزائري الثائر، ولكن تفطن له ورد كيده في نحره حينها وان عاد اليوم للبروز في صور مشبوهة للغاية نتكلم عليها في موضع اخر…
لما تحدثت على الجزيرة عن الشعوب التي لا تستطيع ان تزيل رئيس بلدية يسرقهم جهارا نهارا، لامني الكثيرون على ما سموها إساءة لشعوبنا المجاهدة، ولست اسيء في الحقيقة بل أتحدث عن الواقع، فالشعوب عندما تصنع ثورة داخلية وتتحرر من المستبدين والأنظمة الخائنة العميلة، يمكن أن نعول عليها بالزحف على إسرائيل وإبادتها وتحرير بيت المقدس، أما في وضعنا الحالي فنحن في أمس الحاجة لصناعة الشعوب اولا قبل ان نمضي بها في ثورة التغيير والتحرير، ومن لا يرفع عن نفسه ذل ذوي القربى – ان كانوا كذلك – فكيف يكون الحال مع الغزاة؟…
عندما اشاهد شبابنا الذي هو مستقبلنا يتهافت على كليبات ساخنة وملتهبة تثير فيه غرائزه الجنسية، وعندما أجد شبابنا يبكي بكاء النسوان لأن عشيقته قد تخلت عنه أو انها هددته بربط علاقة مع غيره، عندما أجد شبابنا يرقص في الكباريهات ويتخنث ويبرز مفاتنه على غرار الغواني والعاهرات، عندما أجد شبابنا لا يغار ولا تتحرك فيه النخوة وهو يشاهد أخته مع غيره في مواضع ساخنة ومثيرة ويدعي انها حرية شخصية، عندما أجد شبابنا وهو يدخل لبيته وشاب غريب في الصالون مع شقيقته تقدمه له فيسلم عليه ولا يسأله حتى عن سبب وجوده في حرم داره، عندما أجد شبابنا يتهافت على مقاهي الأنترنيت من أجل الإبحار في منتديات العشق والغرام والجنس، ولا يهتم بخبر عاجل عن مجزرة في غزة أو الفلوجة أو في قانا، عندما أجد شبابنا وقد تزين بالذهب والماس وصدره مرصع بشتى أنواع الياقوت والزبرجد، عندما أجد شبابنا يتسابق على شتى أنواع العطور ومواد الزينة ومراهم تبييض الوجه ونتف الحواجب أو تعديل الخصر والنهد… !!
في سياق آخر عندما اجد بناتنا بسراويل الجينز يبرزن مفاتنهن ويتباهين انهن مررن على شارع والهبن نار الشبق في شباب مترصد، عندما تجد فتياتنا يتشببن بفتيان بسبب الرقص الذي يتقنونه أو بسبب العطور والالبسة التي يظهرون بها وينسين في حمى الهوى تلك الرجولة التي هي الأصل، عندما اجد أمهاتنا يدارين على بناتهن وهن طول الليل يسهرن على انغام عاشق عبر الهاتف المحمول أو حتى هاتف البيت، أو انهن يعلمن بماهن عليه من الفساد الخلقي والعلاقات المحرمة والمشبوهة، ولا يحركن ساكنا على الشرف المبتذل… عندما أجد الفتاة تصطاد لنفسها عشيقات لأخوها حتى يستمتع بهن، والأخ بدوره يكافئها بصديقه أو شقيق فتاة ذهبت بلبه، عندما أجد بناتنا لا هم لهن سوى أخبار المطرب الفلاني والجنون به، فقد شاهدت ما حدث للشرف الجزائري، لما هب الفتيات يرمين انفسهن على تامر حسني بكل الجنون، بل وصل حد الاغماء عليهن من جراء رؤيتهن لفارسهن المغوار !! ولست ادري ما سيفعله شباب الجزائر لما تزورهم نانسي عجرم؟…
ربما يتعجب احدهم بتركيزي على هذا الجانب في المجتمع، اقول أن المقاومة هي انتفاضة على الشرف الممتهن والعرض المستباح من طرف المحتلين، الثورة هي رجولة وفحولة تجسدت في الفاروق عمر بن الخطاب الذي وقف شامخا في الهجرة وتحدى الجميع، وتجلت في حمزة بن عبدالمطلب الذي صفع ابا جهل واسال دمه لما تجرأ على إبن أخيه… لهذا اردت ان اؤكد انه من لا غيرة له على عرضه وشرفه الشخصي فكيف تكون له أدنى غيرة على عرض أمته أو شعبه؟ … الطريق للأقصى يبدأ من هنا وليس بشعارات فضفاضة تقال في المناسبات أو تحت تاثير الأخبار العاجلة، ومن لا رجولة له فلا تنتظر منه ابدا أن يقارع الأعداء في ميدان الشرف… وللحديث بقية عن جوانب اخرى لهذا الطريق الموعر في زمننا هذا.