مع حلول موسم امتحانات نهاية العام الدراسي تتصاعد الحملة الأمنية المعتادة في تونس ضد الطالبات المحجبات، لدرجة إخراجهن من قاعات الامتحان، غير أن الجديد هذا العام هو أنها لم تعد تقتصر على المحجبات فقط، بل نالت أقاربهن والمدافعين عنهن أيضا.
فخالد ساسي وجمال الرحماني ليسا بالطبع بفتاتين محجبتين، ورغم ذلك نالتهما حملة قمع الحجاب؛ لأن أولهما قريب لمحجبة ومؤيد لها، والأخير يدافع عن المحجبات في منظمته الحقوقية.
وبعد دفاعه عن قريبتين له محجبتين قبل أسبوعين، فإن خالد ساسي يقبع حاليا رهن الإيقاف في انتظار محاكمة قد تصل عقوبتها إلى السجن لأكثر من عام.
قصة خالد يرويها أقاربه لـ”إسلام أون لاين.نت”، قائلين: إن “أعوانا (رجال شرطة) بالزي المدني بجهة حي الخضراء (قرب العاصمة) قاموا يوم 27-5-2008 بإيقاف فتاتين مرتديتين للخمار، وحاولوا إجبارهما على كشف رأسيهما أمام المارة، وسط تهديد ووعيد بنزع حجابهما بالقوة، غير آبهين لتوسلاتهما وانخراطهما في البكاء.. أحد أقربائهما، وهو ساسي (22 سنة) تدخل وطالب الأعوان بإخلاء سبيلهما وهو ما تم بالفعل”.
غير أنّ تعزيزات أمنية حضرت إلى المكان، وجرى البحث عن ساسي، ثم اعتقاله والاعتداء عليه بدنيا، وتلفيق تهم له لا علاقة له بها، منها التعدي على الأخلاق الحميدة، وتعطيل أعوان الأمن عن أداء مهامهم.
وبعد ذلك بأيام قليلة استدعت السلطات الأمنية جمال الرحماني، الناشط الحقوقي، وعضو الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض، للتوقيع على التزام بعدم الدفاع عن المحجبات، وعدم العمل لصالح اللجنة التي شكلت للدفاع عنهن.
نفس الأمر تعرض له وسام عثمان، الطالب بكلية العلوم السياسية والقانونية، وزياد بومخلة، الطالب بكلية العلوم؛ حيث استدعتهما السلطات من أجل السؤال عن علاقتهما بلجنة الدفاع عن المحجبات.
وتتواصل الحملة الشرسة على الحجاب في تونس منذ عام 1981؛ حيث يعتبر القانون رقم 108، الصادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الحجاب “زيًّا طائفيًّا”، وليس فريضة دينية، ومن ثَمَّ يحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
الحرمان من الامتحان
وفي أحدث فصول تلك الحملة بالنسبة للمحجبات، قام مدير المعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية في جهة سيدي بوزيد (جنوب غرب العاصمة) بمنع الطالبات المحجبات من حضور امتحانات نهاية العام.
وبحسب ما نقلته مصادر داخل المعهد لـ”إسلام أون لاين.نت” فإن مدير المعهد، محمد صغير زعفوري، تجول على الأقسام قبل انطلاق الامتحان بخمس دقائق، وأخرج الطالبات المحجبات واحدة تلو الأخرى بشكل استعراضي؛ بغية التنكيل بهن نفسيا أمام زملائهن.
وقال شهود عيان: إن “الفتيات تجمعن أمام المعهد في حالة يرثى لها متحسرين على عدم السماح لهن بحضور الامتحان، وانخرط عدد منهن في البكاء”.
وتساءلت إحدى الطالبات المطرودات باستنكار: “لماذا كل هذا الحقد على الحجاب؟! لماذا كل هذا التنكيل بنا؟!”.
وأضافت في اتصال هاتفي مع “إسلام أون لاين.نت”: “الذين طردونا اليوم من مقاعد الامتحان هم الذين يرددون صباح مساء في وسائل الإعلام الأكاذيب عن حرية المرأة وحرية التعبير، وأن تونس تراهن على مجتمع المعرفة”.
ولم يشفع لبعض الطالبات المطرودات أنهن من بين المتفوقات، حتى إن بعضهن كنَّ مرشحات لنيل جوائز أفضل الطلاب في المعهد هذا العام.
شهادة التخرج
وفي واقعة أخرى رفض المندوب الجهوي (المحلي) للفلاحة بمحافظة قبلي جنوب العاصمة، تسليم آمال بن رحومة، الطالبة بالمدرسة العليا لمهندسي التجهيز الريفي، شهادة الحضور التي تمهد حصولها على شهادة النجاح والتخرج، وفقا لـ”لجنة الدفاع عن المحجبات” في تونس.
وقالت آمال إن المندوب اشترط عليها كشف شعر رأسها لتحصل على الشهادة، وإنه كان يقول لها “أنت مخالفة للقانون بارتدائك غطاء فوق رأسك، والتزاما مني بالتعليمات فإنه لا يمكنني إعطاؤك هذه الشهادة ما لم تكشفي عن شعرك”.
ويبرر المسئولون بالإدارات التعليمية إجراءاتهم ضد المحجبات في هذا الوقت الحساس من العام الدراسي، بصدور منشور هذا العام يمنع ارتداء الحجاب بمختلف أشكاله، بما فيها “المناديل والمحارم والقبعات”، وهو ما يناقض ما تكرره السلطات من أنها لا تمنع إلا “الأشكال المتطرفة” من أغطية الرأس، وتسمح بارتداء المنديل التونسي.
وطالب الدكتور زياد الدولاتلي، القيادي بحركة النهضة الإسلامية، في تصريح لـ”إسلام أون لاين.نت”، الدولة بالالتزام بحكم أصدرته المحكمة الإدارية العليا في ديسمبر 2006، قضى بأن المناشير التي تمنع ارتداء الحجاب في تونس غير شرعية وغير قانونية؛ لأنها تخالف الدستور.