من عجائب السياسة وما تحمله في صفحاتها المبهمة من غرائب قد تبدو للبعض مستحيلة، لكن للسلطة والثروة أثر كبير في تغيير الشخصية وتحولها لتكون سبباً في الكوارث.
مصطلح الحكم الرشيد صادفته في تقرير العقد الدولي، ولم نلاحظ أي ذرة توحي للرشد أو ما يلوح له المعنى بشيء بسيط.
الكارثة القادمة على العراق وشعبه بسبب تخبط الحكومة وتسرعها في اتخاذ القرارات ليس في مصلحة الشعب، تارةً وتعرجها لأخذ قرارات هي تصب في مصلحة العراق والعراقيين تارةً أخرى سيؤدي لا محال لهلاك العراقيين في حربٍ طويلة الأمد وكثيرة المخاطر…وهذه الحرب القادمة تكون على شكلين داخلي وخارجي. الخارجي وبصورة واضحة مع إيران ليس نيابةً عن الولايات المتحدة الأمريكية بل بمشاركة فعلية وقيادة موحدة بين الطرفين. والحرب الداخلية هي نتيجة لتقسيم العراقيين بين مؤيدين للطرف الإيراني والطرف الأمريكي ويتداخل بينهما من سُلبَ حقه.
هذه الصورة القاتمة ليست الوحيدة…بل هناك الأسوأ والأكثر شراسة حينما تقرر الولايات المتحدة الأمريكية بعد مجيء (أوباما) وتسلمه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وسحب جميع قواتها من العراق …وبدأ عملية سيطرة إيران عن طريق مؤيديها على مقاليد الحكم في العراق عندها يدخل العراق لحرب داخلي طويل الأمد.
لكن هذه المخاطر يمكن تجاوزها في حال رجوع القادة العراقيين لرشدهم بتكاتفهم للمضي في مشروع الوحدة الوطنية ونبذ جميع التدخلات الخارجية والتوصل لمشروع عقد أو معاهدة استراتيجية مع أمريكا على أساس المصلحة الوطنية العراقية بعد معرفة المصلحة الأمريكية ووضع تلك المصالح في ميزان المفيد من المضر…والسوء من الأسوأ…بشرط مشاركة جميع القوى في التوصل لقرار وطني مجمع عليه…وعرض المشروع لاستفتاء شعبي عراقي دون أي مؤثرات جانبية…يمكننا عبور المخاطر وتجاوز الكوارث.
هل هذه الاحتمالات واردة؟ هل من حق المراقب للوضع السياسي أن يطرح أي تساؤل عندما يرى ويلاحظ أن الحكومة العراقية لا تتبع أجنده وطنية …بل يملى عليها وتستجيب لضغوط خارجية…مرة أمريكية وأخرى عربية وثالثة إقليمية…فأين الصراع…وما هي المعوقات وكيف التوصل لسبل النجاة…هنا يأتي دور الحكم الرشيد. ولا أضن بالمقولة أن الإرادة الوطنية والشعارات التي تطلق للاستهلاك المحلي بينما يعرف العديد من المراقبين أن الأمر والنهي بيد الغرباء وليس بيد العراقيين.
حسب رأي البسيط أقترح أن تشكل لجنة بمسمى الراشدين…يعينون على أساس الخبرات المتنوعة والكفاءات والاستقلالية…وذلك بالرجوع لتاريخهم…ويكون الترشيح ذاتي وسري جداً ولا يتدخل فيها الأحزاب أو الرئاسات. المرشحين يرسلون جميع المعلومات دون ذكر أسمائهم أو ما يوحي لشخصهم…لمجلس النواب ويتم الفرز على أساس القدرة في فرز القرارات الصائبة من المخيبة ويكون رأي هذه اللجنة استشارية للحكومة في القرارات المصيرية مثل الاتفاقية الاستراتيجية الأمريكية العراقية…دون أي مؤثرات جانبية…ولا يتحدث مع هذه اللجنة طرف أو يراهم أحد…لكي لا تؤثر في نصائحها. مع طرح الآراء والأفكار للشعب العراقي لجس نبض رأي العموم.
لأنني أرى والكثير معي يتفق أن أمر العراق ليس بيد العراقيين، والقوى المتصارعة لنيل مآربهم وضمان مصالحهم هي أمريكا والدول المحيطة بالعراق. والسياسيين يعرفون ذلك جيداً، والجميع متفق أن لا قدرة لديهم لردع هذه التدخلات، لكن النقص في شجاعة مواجهة الواقع المفروض، وبيان الحقائق للشعب العراقي…والسبب يرجعوه للديمقراطية على أساس أن الحكومة منتخبة من قبل الشعب وهذا التفويض يعطيهم الحق في بيع العراق جملةً وتفصيلا…أو تمزيقه بين أطراف معينة.
في العراق أمور كثيرة مستعصية لا يمكن لهذه الحكومة ولا للتي تأتي من بعدها أن تضع حلول ناجعة ترضي جميع الأطراف المتسابقة على السلطة والثروات. ولقد توصل الإنسان العراقي لقناعة كاملة أن السياسيين ليس لديهم هم إلا أنفسهم والمقربين منهم. وستبقى الحالة على ما هو عليه بل قد يذهب نحو الأسوأ من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والخدمات…في بداية عام 2003 ولغاية نهاية 2005 لم تكن أسعار المواد الغذائية مرتفعة كما هو عليه الآن، والحصة التموينية كانت تحتوي على مواد غذائية لا بأس بها في حينه، لكن الآن جردت من أهم المواد…وأفضل وأهم مناطق العراق أصبح الماء الصالح للشرب في خبر كان…والكهرباء لم يتغير فيه أمر أو أي تطور ملحوظ إن لم نقل سار نحو …الهاوية.
والأمن والأمان…فقط في إعلاميات الحكومة، لكن وسائل الإعلام تنقل يومياً حوادث قتل وتفجير وظهور مقابر جماعية…وجثث مجهولة الهوية…واغتيالات وتفجيرات…والتقارير الناطقة باسم عملية فرض القانون تشير لتحسن أمني بنسبة 80%.
كان المتعارف عليه باللهجة العامية أن (العراقي إمفتح باللبن) يعني (يقرأ الممحي) ومعناه ( لا تعبر عليه شيء) أي أن العراقي من خلال التجارب المريرة التي تعايشها من الصعب تمرير عليه أمور غير صادقة وغير واقعية وغير منطقية… أما المثل الجديد أصبح ( أمفتح بالتيزاب) أي أفطن من ذي قبل… وأذكى…وليس فقط يقرأ ما بين السطور، وإنما يمكنه أن يعرف ماذا سوف يقول السياسي قبل أن ينطق…أي أن ملكة الإنسان العراقي من الفراسة قد فاقة التخيلات.
فلذلك، عند الحديث مع الإنسان العراقي عن المستقبل وأحلامه…تراه يقول لك شبعنا من هذا الكلام.
العراقي يبحث عن أمان وماء صالح للشرب وكهرباء… وكرامة.
وقد بدأ يفقد ثقته بالسياسيين، فلا تجعلوه يفقد ثقته بالله تعالى…فهي أم الكوارث.
المخلص
عباس النوري
12/06/08
[email protected]