تعكس تعهدات دول الخليج بإحياء العلاقات الدبلوماسية رفيعة المستوى مع العراق وعيا متزايدا بأن التعامل مع الحكومة التى يقودها الشيعة هو السبيل الوحيد لمواجهة النفوذ المتزايد الانتشار لايران الشيعية. وأحجمت الحكومات العربية السنية التى مولت ذات يوم حرب العراق ضد ايران والتى استمرت منذ عام 1980 وحتى عام 1988 عن اقامة علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى مع بغداد منذ الغزو الذى قادته الولايات المتحدة للاطاحة بالرئيس العراقى الراحل صدام حسين عام 2003 متذرعة بالمخاوف الأمنية والنفوذ الايرانى الواسع.
ولم يتم تعيين سفير عربى فى العراق منذ خطف السفير المصرى وقتله بعد وصوله فى عام 2005.
لكن فى خطوة نحو تخفيف حدة العزلة الدبلوماسية للعراق أصبح وزير خارجية الامارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان أول وزير خارجية من احدى دول الخليج يزور العراق منذ بدء الحرب.
وتعهدت الامارات والسعودية والبحرين بإعادة فتح سفاراتها وتعيين سفراء فى بغداد وسط ضغوط أمريكية لدعم الحكومة العراقية.
ولم يعين سفراء بعد كما أن دول الخليج تباطأت فى تنفيذ وعود بإسقاط الديون لكن محللين يقولون ان هذه الدول تدرك أن عليها لعب دور اكثر نشاطا فى العراق اذا كانت تريد أن تميل كفة الميزان السياسى فى اتجاهها مرة أخرى.
وقال كريستيان كوتش مدير الدراسات الدولية بمركز أبحاث الخليج ومقره دبى “هناك تقييم خليجى عربى بأن الحكومة لم تبذل ما يكفى من الجهد فيما يتعلق بالمصالحة السياسية ونزع سلاح الميليشيات واعادة عناصر سنية الى الهيكل الحاكم”.
ومضى يقول “فى الوقت نفسه هناك تسليم بأن لدول الخليج دور تلعبه فى العراق وأنه بغيابها عن الطاولة فإنها تترك الأمور برمتها للإيرانيين”.
وهدد الاقتتال الطائفى بين العرب السنة والشيعة بالتحول الى حرب أهلية عام 2006 مما دفع الولايات المتحدة الى زيادة وجود قواتها فى اعادة للتفكير فى استراتيجيتها كما ألهب الرأى العام فى بعض الدول العربية السنية.
وقالت المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى انها تريد أن تشهد انخراط حكومة نورى المالكى فى مزيد من المصالحة السياسية مع الاقلية العربية السنية التى تتطلع بطبيعة الحال الى جيران العراق من العرب السنة من أجل الحصول على الدعم.
ومنذ توليه رئاسة الوزراء فى مايو ايار 2006 واجه المالكى انتقادات من قبل الاقلية العربية السنية بالعراق بأنه قدم مصالح الاغلبية الشيعية على مصالح الاخرين.
لكنه امتدح ايضا لشنه حملة صارمة ضد الميليشيات الشيعية فى بغداد ومدينة البصرة الغنية بالنفط الواقعة فى جنوب العراق كما بدأت الحكومة الافراج عن السجناء من العرب السنة بموجب قانون جديد للعفو مما سيخفف من حدة المخاوف الخليجية العربية.
وقال المحلل السياسى نيل باتريك ومقره دبى “بالرغم من كل التحفظات على المالكى فإن الامور تمضى قدما فى العراق. كما بدأ العرب السنة فى الاندماج بطريقة طبيعية اكثر… حيث يعارضون تنظيم القاعدة… فيما يريد البعض الانضمام الى التيار السياسى السائد”.
وأضاف “ليسوا بهذه الدرجة من السذاجة ليعتقدوا أن حكومة المالكى تغيرت 180 درجة لكنهم يدركون أنه تم احراز تقدم”.
لكن فيما عدا الوعود بإعادة فتح السفارات والتعهدات المبهمة ببحث تخفيض الديون لم يحرز تقدم ملموس يذكر.
ومارس ساسة عراقيون وامريكيون ضغوطا على دول الخليج العربية خلال مؤتمر عقد فى ستوكهولم الشهر الماضى لاسقاط نحو 60 مليار دولار من ديون العراق حتى يستطيع تركيز موارده فى اعادة الاعمار.
لكن اكبر مقرضتين للعراق وهما الكويت والسعودية لم ترسلا مسؤولين رفيعى المستوى للاجتماع مما يعتبر مؤشرا على عدم توفر النية للمضى قدما فى اسقاط الديون.
وذكرت البحرين الاحد أنها عثرت على موقع لسفارتها فى بغداد وأنها ستعين سفيرا عما قريب. ووعدت الامارات بتعيين سفيرها فى غضون ايام من زيارة الشيخ عبد الله لكن مصادر خليجية تقول انه لن يصل اى سفراء قبل عدة أشهر.
وقالت مصادر سياسية خليجية أنه من المرجح أن تنفذ الامارات تعهداتها أسرع من الدول العربية الاخرى حيث انها بدأت بالفعل فى تقديم مساعدات انسانية للعراق فى هدوء وتوسطت فى عمليات افراج عن رهائن كما تحاول المساعدة فى تحقيق المصالحة مع العرب السنة.
وأضاف باتريك “تبدر من الامارات رغبة حقيقية فى اعادة فتح السفارة التى كانت تعمل حتى عامين ماضيين. مسألة ذهاب الشيخ عبد الله الى هناك تضع اهتمام الامارات ضمن اطار يختلف عن الاخرين”.
ومضى يقول “ليسوا سجناء للحساسية السياسية تجاه العراق مثل الكويت… ولا يشبه موقفهم موقف السعودية التى أغلقت سفارتها منذ عام 2003”.
السعودية التى تعتبر نفسها الممثل الابرز للمذهب السنى لا تزال تجد من الصعب اقامة علاقات وثيقة مع حكومة المالكى التى يقودها الشيعة.واعادة احياء العلاقات مع العراق قضية حساسة بالنسبة للكويت حيث يتذكر مواطنوها بمرارة الغزو الذى قاده صدام حسين لبلادهم فى عام 1990 وما زالوا حذرين بشأن طموحات جارتهم الأكبر.
وتعنى التحفظات أنه من المرجح أن تتحرك دول الخليج العربية بحذر بشأن العراق لكن حتى هذه الخطوات المترددة هى أكثر من مجرد ايماءة فارغة لواشنطن.
وقال كوتش “لو كانت مسألة مجرد ضغوط أمريكية لكانت هذه الخطوات قد اتخذت فى وقت سابق بكثير”.
وأضاف “هناك تسليم بأن الامن العراقى له تأثير مباشر على أمن الخليج والقرارات الحالية تتخذ مع وضع هذه المصالح القومية فى الاعتبار”.