مرة أخرى لا بد من القول بأن الدعوة للحوار ليست هي التي سوف تحل هذا الانقسام الحاصل بين الفلسطينيين، وانه يجب أن تتوفر الإرادة والنية لإنجاح الحوار الذي دعا إليه السيد محمود عباس، ذلك أن الدعوة أو الدعوات لإنهاء هذا الانقسام الذي حدث في الساحة الفلسطينية لم تتوقف منذ أن تخاصم وتقاتل كما و “تذابح” الفريقان الرئيسان في الساحة، وأدى ذلك الى ما أدى من آثار مدمرة على القضية والشعب لم تتركه أي خلافات كانت قد حصلت في الماضي بين الفصائل الفلسطينية وفي كافة أماكن تواجد تلك الفصائل على مدار سنوات نشأتها.
لست ابغي أن يكون ما أقوله مدعاة للتشاؤم بقدر ما أحاول أن اقنع نفسي بان الدعوة الى الحوار التي أطلقها السيد عباس سوف تجد الآذان الصاغية والقبول من السادة في حركة حماس وهنا لا أريد الإيحاء بان حركة حماس قد تضع العصي في الدواليب أو أنها قد تكون السبب في فشل هذه الدعوة إلا أن القبول أو الموافقة على دعوة عباس للدخول في حوار لا يعني بالضرورة أن قطار الاتفاق قد انطلق وان الأمور لا بد من أن تكون ذات نهايات سعيدة يتم بعدها توزيع الحلوى في شوارع قطاع غزة والضفة الغربية كما حدث بعد توقيع اتفاق مكة، وعلى هذا الأساس فإنني أدعوا الجميع الى توخي الحيطة والحذر من الإفراط في زرع الآمال في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني وذلك لان هؤلاء ليس بحاجة الى مزيد من الإحباط خاصة إذا ما تم الوصول الى نهايات فاشلة لسبب أو لغيره ولم يستطع طرفي المشكلة الوصول الى الحل الذي يرضي جميع الأطراف بما في ذلك الشعب الفلسطيني.
قضية الانقسام الذي بدأ كانت في الحقيقة فرصة تاريخية ربما لم تحدث أو تتوفر من قبل لمن يتربصون بالشعب والقضية وعلى هذا الأساس فلا يعتقدن احد بأن إنهاءها أو العودة الى الوحدة قد تكون بتلك السهولة التي يحاول البعض الترويج لها، المشكلة أكثر تعقيدا من كل ما يقال والسلطة الفلسطينية – بطرفيها في غزة والضفة- هي اضعف الأطراف في المنطقة، وأي محاولة للقفز عن ذلك لن تكون سوى محاولة أخرى للخداع.
لذلك لا بد من النظر الى المواقف المختلفة سواء في الداخل أو في الإقليم أو حتى ما هو ابعد من الإقليم، فمن يقول بان بعض الأطراف التي تورطت في الدم الفلسطيني من أبناء فلسطين ومن الحركتين سوف يقبل هكذا بكل سهولة أن تعود الأمور الى مجاريها وكأن شيئا لم يكن، ومن سوف يقنع أهالي الضحايا الذين سقطوا خلال الصراع الدامي بالتخلي عن طلب الثأر والملاحقة لكل من تسبب في هذا الفعل أو ذاك، ومن يقول بان من تسببوا في فعل هذا الذي حدث سوف يتم تقديمهم الى المحاكم حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر وهل فعلا سيتم استجلاب أي من هؤلاء الذين ارتكبوا الموبقات الى القضاء، هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى فمن يقول بأن إسرائيل سوف توافق على أن تقف هكذا متفرجة على المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وخاصة أنها كانت المستفيد الأكبر والأول من حالة الانقسام التي حدثت وهل ستستسلم لذلك بدون ممانعة أو مقاومة أو ممارسة ضغوط على أطراف الحوار، إسرائيل التي لم تتردد في حجز مستحقات أمول السلطة لمجرد أن قام السيد سلام فياض بإرسال رسالة للاتحاد الأوروبي لن تتردد بفعل أي شيء لمنع إتمام أي اتفاق وهي أعلنت وبدون مواربة بأنها لن تقبل بعودة العلاقة بين طرفي النزاع وصارت تروج مقولتها التافهة عن دولتين وليس دولة واحدة للفلسطينيين، وهي ظلت تسلط سيف التوقف عن المفاوضات التي يجمع الساسة الفلسطينيين على أنها عبثية وبلا أدنى فائدة وهي لن تتردد بفعل أي شيء في سبيل استمرار الحال من الانقسام لأنه يخدم مصالحها وأهدافها.
وماذا عن الولايات المتحدة الأميركية التي تصنف حركة حماس على أنها حركة إرهابية وهي تضع فيتو على أي اتصال معها وتهدد أبو مازن وتحرضه على عدم القيام بالمصالحة مع حركة حماس ولن تتردد بفعل أي شيء في حالة استمرار الاتصالات بين حماس وفتح من اجل المصالحة الوطنية وهي ستقوم بتحريض وتهديد العالم من اجل مقاطعة السلطة وتجويعها وعدم إدخال أية أموال إليها وهذا ما سيزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
أما العربان فهم بلا حول ولا قوة، ويأتمرون بأوامر الأجنبي سواء كان أميركيا أو غير أميركي وهم ربطوا مصالحهم ومصائرهم بالأجنبي وصار لديهم إحساس بالضعف والمهانة لم نعهده بقادة الدول وبالتالي فهم لن يشبوا عن الطوق الأميركي لان ليس بإمكانهم وليست لديهم الرغبة أو النية أو الإرادة لفعل ذلك.
إن محاولة تشبيه الوضع الفلسطيني بالوضع في لبنان فيه الكثير من المغالطات، ومحاولة البعض القول بأن هنالك إمكانية لتكرار المصالحة التي حدثت في لبنان واستنساخها لكي تطبق على الساحة الفلسطينية هي محاولة أخرى للخداع وذلك لاختلاف الكثير من الظروف والشروط، ونعتقد بان من يحاول القول أو الترويج بأن العربان هم من كان وراء المصالحة في لبنان إنما يحاول القفز عن الكير من الوقائع أو الحقائق لأننا نعتقد بان المصالحة كانت من إيحاء أميركي حيث شعرت أميركا بأنه إذا ما استمرت الحالة في لبنان على ما هي عليه فان لبنان سوف يفلت من بين يديها خاصة في ظل ما تبين من هشاشة ما يدعى بقوى الموالاة التي في حقيقة الأمر كانت جاهزة لمغادرة البلد تجر أذيال العار والهزيمة لولا أن المعارضة تصرفت بإحساس كان فيه الكثير من المسؤولية والانتماء الوطني.
الحقيقة أن إسرائيل نجحت وعلى مدار الأعوام الماضية من أن تخلق مجموعة من المنتفعين وأصحاب المصالح الذين كونوا لهم مصالح شخصية ارتبطت بشكل كبير بوجود السلطة ويمكن القول بان هنالك العديد من الذين استطاعت إسرائيل أن تحولهم من قادة ثوار إلى رجال أعمال تجار، وبالتالي صار الموضوع بالنسبة لهم هو كيفية المحافظة على الامتيازات التي تم تحقيقها على مدار سنوات عمر السلطة الفلسطينية، وهذا بالتالي أدى الى اعتماد السلطة بكل ما فيها على القرار الإسرائيلي، فلا يمكن أن يدخل حتى الهواء الى هذا الوطن إلا بموافقة إسرائيلية، وعلى ذلك أصبحت السلطة رهينة لا تستطيع الحراك أو الحياة إلا عندما تريد أو توافق إسرائيل على ذلك.
هذا الواقع الموجود في فلسطين لا يجب إنكاره عند الحديث عن أي شيء هنا في فلسطين، ومحاولة البعض تصوير الأمور على غير ما هي عليه إنما هي محاولة للخداع أيضا، وعلى ذلك فان ما حدث من انقسام في الساحة الفلسطينية وكان سببه ويتحمل مسؤوليته كلا فريقي الصراع بشكل أساسي وباقي الفصائل بشكل جزئي كان من المفروض ألا يقع، ومن هنا أيضا فان محاولات تصوير إنهاءه إنما هي بيد من كانوا وراءه أو سببه ليس سوى محاولات بائسة وغير منطقية، وكما يقول المثل المصري ” دخول الحمام ليس مثل الخروج منه” أو ” مجنون رمى حجر في بير … ” ، الموضوع أصبح في يد الآخر وخارج عن السيطرة لكل من فتح وحماس أو حتى منظمة التحرير أو الجامعة العربية.
إننا نعتقد بان الدعوة التي وجهها السيد عباس هي دعوة جيدة والاستجابة لها من قبل حماس وتفعيلها وتحويلها الى واقع هي أيضا كذلك برغم أن فريقي النزاع لا يجلسون في مواجهة بعضهم البعض أو على طاولة واحدة أو في قاعة واحدة، حيث إن المفاوضات فيما بينهم تمت في العاصمة السنغالية على سبيل المال من خلال الوسيط السنغالي أي بنفس الطريقة التي يتفاوض فيها السوري والإسرائيلي عبر الوسيط التركي، وهذا ما لا يدعوا الى التفاؤل بالنسبة لنا على الأقل، ونحن برغم اعتبارنا أن هذه المسائل ليست جوهرية إلا إننا نعتقد بأنها مؤشرات، ولكن ما هو أهم من ذلك لا بل هو الأهم هو توفر الإرادة التي كنا قد تحدثنا عنها في مقالات سابقة.
إن عدم توفر الإرادة والنوايا الطيبة لا يمكن أن يجلب مصالحة، وعندما نتحدث عن الإرادة هنا فإنما نعني بداية القفز على المصالح الفئوية الضيقة والعمل من اجل مصلحة الوطن والمواطن بشكل عام والتعامل مع الهم الوطني والابتعاد عن الهم الشخصي، كما أن الإرادة تعني قرار مواجهة الضغوط سواء الداخلية أو الإقليمية أو الدولية التي لا يسرها أن تتم المصالحة،كما أن الإرادة تعني القدرة على تحمل الحصار المالي والاقتصادي الذي قد تتم ممارسته على السلطة الفلسطينية، هذا من الناحية الفلسطينية.
أما من الناحية العربية فإن الإرادة تمتد لتشمل الجامعة العربية والدول العربية التي عليها أن تثبت بأنها معنية بالمصالحة وبالتالي أن تقف في وجه أية ضغوطات قد تمارسها الولايات المتحدة فيما يتعلق بمساعدة الفلسطينيين، وان هذه الدول هي فعلا من كان وراء المصالحة اللبنانية اللبنانية، وأن هذه الدول سوف تقف بقوة وراء السلطة والشعب الفلسطيني من اجل استعادة وحدة الأرض والشعب. ترى هل يملك الجميع هذه الإرادة التي أتحدث عنها بهذه المواصفات؟ نتمنى ذلك.
بيت لحم
12-6-008