هشام منور
أضحى الربط بين دوافع الإدارة الأمريكية وبواعثها لشن الحرب على العراق، في ضوء افتضاح أكاذيب امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، وبين ملفات الشرق الأوسط الرئيسية، وبالذات الصراع مع العدو الصهيوني، بادياً وواضحاً في ظل حثّ الكيان الصهيوني للولايات المتحدة وتشجيعها على غزو العراق، وتعزيز نفوذ الدولتين في المنطقة على حساب شعوبها وحكوماتها.
إلا أنه وعلى الرغم من فشل الحرب على العراق من تحقيق الأهداف الأمريكية (والصهيونية) بشكل كامل، فإن مسألة الوجود الأمريكي في المنطقة، وإن كان يحقق المصالح الإسرائيلية، ببسط مزيد من الهيمنة والاستعلاء على دول المنطقة، فإنه لم ينجح في التقليل من المخاطر الوجودية التي باتت تتهدد كلاً من الحليفتين الإستراتيجيتين (أميركا وإسرائيل).
ومع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وشعور الحزب الجمهوري ببوادر معاقبة الشعب الأمريكي له على غزو العراق أولاً، واستمراره تالياً، فإن دوائر صنع القرار في الحزب الجمهوري الحاكم باتت تراهن على تعديل خطط الحزب لضمان تكرار إنجاز بات في مهب الريح، بسبب الانسياق الأعمى وراء أطروحات المحافظين الجدد وحليفتهم “إسرائيل”.
وقد تبدت تلك “التعديلات” التكتيكية في إثارة التكهنات حول إمكانية الانسحاب من العراق، وتوقيتها الذي “قد” يتزامن الإعلان عنه مع اقتراب جولة الانتخابات الخريف القادم، الأمر الذي أثار من الهلع والذعر في الكيان الصهيوني، خشية فقدان المكاسب الإستراتيجية التي حققها، ولو حساب الولايات المتحدة ذاتها، فتعالت الأصوات لبحث آثار مثل هذه الخطوة ومنعكساتها على “إسرائيل”.
فالدراسة الصادرة عن مركز بيغن – السادات للأبحاث الإستراتيجية، على سبيل المثال، تندرج في هذا السياق وتروج له، إذ تبين المؤلفة (عوفرا بنجو) في مستهل بحثها، أهمية العراق الإستراتيجية، بوصفه واحداً من أكبر دول المنطقة وأغناها، وعليه، فإن خروج الولايات المتحدة منه سوف يقرب العراق من المحور الإيراني – السوري، الذي عملت الدوائر الغربية المقربة والحليفة من الكيان الصهيوني، على حد سواء، على تضخيم خطره على المصالح الغربية، مما يعني بدرجة تالية تقوية الجانب الفلسطيني – اللبناني (المقاوم منه على وجه الخصوص)، وتفاقم المخاطر التي قد يواجهها الكيان الصهيوني بناء على ذلك.
وفي نزعة لا تكاد تخلو من “طرافة”، تنهمك الدراسة في تعداد المخاطر التي سوف يواجهها (العراق) نفسه في حال انسحبت جحافل الولايات المتحدة منه، وكأن بقاءها فيه بات العامل الضروري لضمان عدم تمزق وانهيار العراق، ولو على حساب حريته وسيادته واستقلاله؟!
وترى الباحثة أن هناك ستة أخطار تحيق بالعراق فيما لو تحقق انسحاب أميركي مبكر منه، أولها: نشوب حرب أهلية تجر العراق والمنطقة بأسرها إلى حالة من الفوضى، وتقسيم العراق إلى ثلاث دول: سنية، وشيعية، وكردية متناحرة فيما بينها، استناداً إلى ما بثه الاحتلال خلال فترة وجوده من عوامل التشاحن والبغضاء، وتزايد احتمال هرب العراقيين الجماعي للدول المجاورة وارتفاع أعداد اللاجئين منهم داخل العراق وخارجه، أما الخطر الرابع، فيتمثل بدخول الدول المجاورة للعراق أو غزوها للعراق واحتمال نشوب حرب إقليمية، فضلاً عن تصدير ما سمته بـ”الإرهاب” وعدم الاستقرار من العراق إلى الدول المجاورة الموالية لأميركا، أما الخطر السادس فهو الإضرار بصورة أمريكا في العالم بوصفها راعية الحريات وحاملة لواء الديمقراطية.
والغريب أن الباحثة تؤكد أن الأخطار التي تتوقع حدوثها قد باتت ماثلة للعيان منذ زمن، إذ تقول في دراستها “تبين لنا نظرة خاطفة في السنين الخمسة الأخيرة، أن هذه الأخطار قد أصبحت منذ زمن حقيقة كاملة، على رغم وجود الولايات المتحدة المعزز، وربما بسبب ذلك”. ومع ذلك، فإنها لا تفتأ “تهول” من شأن هذه المخاطر بجانب أخطار أخرى يومية، تتعلق ببقاء القوات الأميركية في العراق، رادة إياها إلى احتكاك الجنود الأميركيين بالسكان مما يفضي إلى زيادة المقاومة للولايات المتحدة، وتحول صورتها في نظر الشارع العراقي من “محررة” إلى “محتل” جديد تجب مقاومته.
ولإبعاد “شبهة” تحقيق أي مكاسب من غزو العراق، لا تتورع الباحثة عن الدفاع عن فكرة عدم استفادة “إسرائيل” من هذا الغزو أصلاً، بل على العكس، فإن “إسرائيل” كانت واحدة من المتضررين المباشرين منه!؟ إذ أدى ذلك إلى تصدير “الإرهاب” إلى لبنان وغزة ومناطق أخرى في المنطقة.
وعلى الرغم من سمة الحرص على مصالح كل من الولايات المتحدة والشعب العراقي على حد سواء، البادية في ثنايا الدراسة، إلا أن الباحثة تتوقع استمرار عدم الاستقرار في العراق لمدة طويلة، وأنه سيواصل تصدير الاضطراب إلى جيرانه، الأمر الذي يمنح الولايات المتحدة، ويفرض عليها في الوقت نفسه، أن تستمر في إبقاء جنودها في العراق للحفاظ على الأمن والتمهيد لتحقيق الاستقرار، وهو ما يعني الدولة العبرية في نهاية المطاف، وتحرص عليه قبل كل شيء.
كاتب وباحث فلسطيني