علي الكاش
هناك إجماع وطني على رفض اتفاقية الخزي والعار المزمع إعلانها بشكلها النهائي في نهاية شهر تموز القادم, وبعد أن فاحت رائحة عفونة الاتفاقية وتسرب بعض بنودها عن طريق صحيفة الغارديان البريطانية اضطرت حكومة الاحتلال الرابعة أن تعلن عن صحة التفاوض بشأنها دون أن تسمي الأطرف التي تقوم بعملية التفاوض لحين إعلانها من قبل المنسق الأول لوزيرة الخارجية الأميركية الخاص في العراق ديفيد ساترفيلد حيث تبين أن برهم صالح يترأس قطيع الأغنام عن الجانب العراقي والسفير رايان كروكر يترأس قطيع الذئاب عن الجانب الأمريكي, ومن هذا تبين دعوة برهم الأطراف السياسية العراقية إلى الكف عن المزايدات الكلامية بشأن الاتفاقية, و ترحيب الأكراد بعملية التفاوض واعتبارها التزام أخلاقي من العراق تجاه الولايات المتحدة كما عبر بعض مسئوليهم وتعبيرا عن الامتنان لما قدموه للعراق من قتل وتدمير وتخريب ونهب واغتصاب وتهجير وانتهاكات لا حصر لها, والحزبين الكرديين الرئيسيين لا عتب عليهما فهم غارقون في مستنقع العمالة حتى الرؤوس, وسبق أن تمسحوا ببساطيل قوات الاحتلال للبقاء قبل طرح موضوع الاتفاقية طويلة الأمد وناشدوهم بإقامة قواعد أمريكية ثابتة في إقليمهم المسخ متطوعين وليس مجبرين ودون أن يفاتحهم طرف ما حول إقامة قواعد, لأنهم على دراية وثقة أنه بدون قوات الاحتلال سوف لا تقوم لهم قائمة وسيؤذن لهم الرجوع ثانية إلى حياة الكهوف في الجبال.
وهنا لابد من التمييز بين موقفين رافضين للاتفاقية الأول يتجسد بالتيارات ذات الأجندة الوطنية المتمثلة بفصائل المقاومة العراقية المجاهدة والأحزاب الوطنية وأبناء الشعب العراقي الغيارى الذين يرفضون أقامة هذا النوع من الاتفاقيات المشبوهة مع قوات الاحتلال. وهذا موقف أصيل نابع عن أجندة وطنية مخلصة ترفض أي وجود للاحتلال وتنهي عن الارتباط بأحلاف ومعاهدات مع إدارة الاحتلال من شأنها أن تجعل العراق أسيرا لعقود في زنازين الاحتلال, مواقف هذه التيارات الوطنية أصيلة وليست وليدة اللحظة فمنذ الغزو البغيض لم تتغير ولم تهادن قوات الاحتلال لذلك من المنطقي أن ترفض الاتفاقية.
وهناك تيارات ذات أجندة غير وطنية والتي تتمثل بالأحزاب السياسية الحاكمة وهي رفضت أيضا الاتفاقية لأسباب رغم أنها كانت تتفاوض بشأنها منذ عام تقريبا, ولكن بعد أن تفجر بركان السخط الشعبي حاولت أن تمتصه بإعلانها رفض بعض البنود التي لا تتوافق مع سيادة العراق, وهو كلام فارغ فالسيادة والاحتلال كالأرض والسماء لا يمكن أن يجتمعا, ومن المعروف أن قادة هذه الكتل سبق أن تعهدوا للرئيس بوش خلال زياراتهم لواشنطن بتمرير الاتفاقية وان لهم ممثلين يتفاوضون مع إدارة الاحتلال بشأنها وكذب مسئول أمريكي قولهم بأنهم توقفوا عن المضي في مسيرة التفاوض مؤكدا بأن التفاوض مستمر ولم يتوقف أبدا! وهم ينطلقون من منطلق رد جميل الرئيس بوش الذي سلمهم دفة الحكم على العراق.
والسبب الآخر ينطلق من الحكمة القائلة لقد أنقلب السحر على الساحر بعد أن كشفت بنود الاتفاقية, فقد اكتوت هذه الأحزاب بين نارين هما الأمريكان والإيرانيين, ومشكلة هذه الاحزاب أنهما مرتبطة بهما ولكن كفة التوازن تتأرجح ولا تستقر عند نقطة محددة. لذلك فأن تباين موقفها بشأن الاتفاقية نجم عن العمالة إلى جهتين مختلفتين وأحيانا ولو في الظاهر متناقضتين. فهذه الاحزاب لم ترفض الاتفاقية برمتها ولكنها رفضت بعض البنود التي أزعجت أسيادهم الإيرانيين, لذلك جاء موقفهم بعد أن أعلنت إيران رفضها للاتفاقية! وأصبحت الولايات المتحدة لها حدود مباشرة مع إيران عبر قواتها في العراق وأفغانستان, وهي محسوبة وفق النظرة الأمريكية أحدى محاور الشر والمشجعة للإرهاب الدولي, وهنا لا بد من الإشارة بأن الضجة التي أثارتها إيران عبر مسئوليها لرفض الاتفاقية تثير الغرابة, فإيران قد ساهمت في حصر نفسها بين كماشتي العراق وأفغانستان باعتراف قادتها بأنه بدون إيران ما استطاعت الولايات المتحدة من احتلال البلدين! لذا فانه من المفترض أن تعي إيران بان الولايات المتحدة سيكون لها وجود طويل في العراق فهي لم تأت لجعل العراق يشع ديمقراطيا على دول الجوار أو البحث عن أسلحة الدمار في العراق أو علاقة العراق بالإرهاب الدولي! ومن غير المنطقي أن تضحي الولايات المتحدة بعشرات الألوف من جنودها وتنفق ما يقارب(400) بليون دولار وتعرض هيبتها إلى الحضيض لتقول بعد سنوات للعراق لقد حررناكم مع أطيب التمنيات وتغادره؟ لذلك فأن الوجود الطويل الأمد للقوات الأمريكية في العراق هو تحصيل حاصل ولا يحتاج إلى تفكير وبناء افتراضات. وهذا يعني أن إيران أما لديها قصر نظر سياسي في موضوع بقاء القوات الأمريكية في العراق وهذا الأمر سيجعلها في منتهى الغباء والحمق أو أن هناك اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة انتهى مفعوله أو تعرض للفشل أو أنها وقعت في شر أعمالها حيث شملتها لعنة العراق التي تصب على كل من ظلم شعبه واعتدى عليه!
مهما كانت الرؤى فأن الوضع الجديد يحتم عليها أن تكيف نفسها مع وجود(58) قاعدة عسكرية كما أعلنت صحيفة واشنطن تايمز ومن المؤكد إن بعضها ستكون متاخمة للحدود العراقية الإيرانية والعراقية السورية, وان تهيأ أجوائها لاستضافة الانتهاكات الجوية الأمريكية, وتؤمن بواخرها ضد الحجج الأمريكية القادمة للصدم! وهذا الأمر سيجعلها تندب حضها العاثر فقد أصبح الشيطان الأكبر ينام بجوارها ويعبث بها من جهتين! لذا نجد أنها أول من دعت العراقيين إلى رفض الاتفاقية من خلال التوجيهات التي قدمتها للسيد السيستاني باعتباره من أبرز و أهم مواطنيها في العراق وله ثقله السياسي والديني لذا فقد أخرجته الاتفاقية من غيبوبته الطويلة ليصرح بأنها لم تمض إلا على جثته, وكذلك عبر الأحزاب المنطوية تحت أجندتها السياسية وأبرزها حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري وبقية التنظيمات. فقد أعتبر النائب الطفيلي عن المجلس الأعلى جلال الدين الصغير الذي لا يرى إلا بالمجهر أن المطالب الأمريكية في الاتفاقية الأمنية أسوأ ولأكثر بغضا من الاحتلال, وأضاف البوق الإيراني علي الأديب زندي عن حزب الدعوة أن الاتفاقية تلحق أضرارا كبيرة بسيادة العراق.
وفي هذا السياق تأتي زيارة المالكي لطهران فقد سبقه في زيارتها نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي حيث التقى بالرئيس محمود نجادي ولم يفصح في حينها عن سبب الزيارة وكان موضوع الاتفاقية من أسبابها, ولكن شريعة مداري وصف الاتفاقية بأنها تمثل عودة الحرب الباردة بين العراق وإيران والغرض منها عزل بلده وإنها ستحول” العراق إلى قمر صناعي أمريكي” متجاهلا أن حكومته هي التي سهلت دخول هذا القمر في مدار الفلك الأمريكي, في حين وصفها هاشمي رفسنجاني بأنها ” تمثل احتلالا دائما للعراق وستحول العراقيين إلى عبيد للأمريكيين” متناسيا بأن بلاده هي التي أرست علاقة العبودية بين أمريكا والعراق! لكن الأمر الذي يدعو إلى الغرابة أن خامنئي خلال لقائه بالمالكي أعتبر أن أهم مشكلة يعاني منها العراق هي وجود قوات أجنبية على أرضه! ولم يسميها قوات احتلال؟ بمعنى أنه هناك أمرا ما يجري في الدهاليز الإيرانية الأمريكية ولم تسقط ورقة التوت نهائيا بين الطرفين! ومع هذا فأن وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي وقع اتفاقية دفاعية مع نظيره الإيراني مصطفى نجار زيادة في تطمين الجانب الإيراني وإزالة تخوفهم من الاتفاقية, ولكن هذه الاتفاقية لم يعلن كذلك عن تفصيلها ومن المؤكد أنها لن تكون ملزمة للقوات الأمريكية.
لذلك فأن مواقف الأحزاب الحاكمة على الساحة العراقية لا يمكن اعتبارها مواقف وطنية ألبته لأن هؤلاء لا يجرؤا أن يكونوا وطنيون حتى في أحلامهم, ومعاذ الله أن يلبسوا جلباب الوطنية بعد أن رهنوا أنفسهم وضمائرهم لعمائم الملالي في قم, ومن هنا ننطلق في تفسير زيارة المالكي لطهران ولقائه بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي حيث طمأنه بأن العراق سوف لا يكون قاعدة لانطلاق أعمال ضد دول الجوار!
و” لن نسمح بأن يصبح العراق مكانا (يستخدم) للإضرار بأمن إيران”. وهو أمر لا يثير الدهشة فحب بل السخرية أيضا فبأي قوة سيقوم المالكي بالوقوف تجاه القوات الأمريكية وهو خادمها المطيع, وسبق أن اعترف بنفسه بأنه لا يتمكن من تحريك قطعة من الجيش العراقي وليست أمريكية من مكان لآخر إلا بموافقة إدارة الاحتلال! وهل يستطيع فعلا المالكي وغيره من أقزام الاحتلال بأن يقولوا لا للإدارة الاحتلال, وهم يستذكرون غضب السفير السابق زلماي خليل زادة عليهم في أحدى المرات وهددهم بأنهم إذا لم يحترموا أنفسهم فأنه سيرجعهم إلى البلدان التي كانوا يتسكعون فيها! كما يبدو إن حمل تفاحتين بيد واحدة أمسى أمرا عسيرا على المالكي وأحزاب لعمالة وإحداهما مرشحة للسقوط حتما.
علي الكاش