دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتحقيق المصالحة الوطنية كانت بمثابة الضوء في نهاية النفق، فرحب فيها الجميع من فصائل ومن مؤسسات مجتمع مدني وشخصيات سياسية واجتماعية من كافة أرجاء الوطن المحتل والشتات، وبتنا بعدها ننتظر الخطوة التالية لهذه الدعوة، أو بالأحرى خطوات من شأنها أن تخفف الاحتقان والتوتر بين طرفي الصراع الداخلي الفلسطيني، كأن يعلن عن إطلاق سراح معتقلين سياسيين لدى الطرفين، وأن تبدأ وسائل الإعلام التابعة لفتح وحماس بموجات مفتوحة تدعو لتكريس وتعزيز الوحدة الوطنية مع أهمية خطوة وقف اللغة الإعلامية التحريضية بين الطرفين، وإن يعاد فتح العديد من المؤسسات المغلقة في الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من الخطوات التي ستعمل على توحيد الشارع الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية الفتحاوية منها والحمساوية، وإلى جانبها بقية فصائل العمل الوطني كعامل يفترض أن يكون معزز للوحدة الداخلية.
ولكن مع الأسف لم نرى أو نسمع بأية خطوات جدية يمكن التفاؤل بها لمستقبل وواقع أفضل، فغير حوارات دكار لم نسمع عن أية خطوة في فعلية باتجاه المصالحة، مع أن هذه الحوارات في دكار كانت قائمة قبل دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمصالحة، مما يعطي انطباع للمواطن في الشارع الفلسطيني أن التيارات المتطرفة في طرفي الصراع لهم الغلبة والسلطة على أولئك الداعين للوحدة الوطنية، وهذا ما يفسر جمود الوضع واستمراره على ما هو عليه رغم دعوة الرئيس للمصالحة الوطنية.
وقد يكون صمت بعض السياسيين من الطرفين وعدم تقدمهم قيد أنملة للأمام نابع من تخوفهم من الغياب عن الساحة السياسية كونهم لا يمكنهم العيش في ظل أجواء الوحدة والمصالحة الوطنية، ولكن الشيء غير المفهوم وغير المستوعب هو صمت الشارع المطبق تجاه مبادرة الرئيس، وعدم وقوفه وراء هذه المبادرة عبر التحركات اليومية والمظاهرات الشعبية والاعتصامات طويلة الأجل إن أحوج الأمر حتى تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية الشاملة من أجل النهوض بالواقع المر والمأساوي الذي نعيش على المستوى الداخلي، وإنقاذ قضيتنا الوطنية من طريق الضياع التائهة بها نتيجة تغير أولويات تنظيماتنا السياسية لصالح أهداف فئوية ضيقة مما جعل القضية الوطنية في الدرك الأسفل من سلم الأولويات.
ورغم كل هذا لا زالت الفرصة أمام الشارع الفلسطيني قائمة لتدفع طرفي الصراع للتقدم خطوة إلى الإمام، وعلى الجماهير أن لا تتردد في اتخاذ خطوات احتاجيه سلمية فيها نوع من التطرف كالإضرابات الشاملة وإغلاق الشوارع وخيم الاعتصامات في الميادين العامة، ولا ضير حتى في تشكيل سلاسل بشرية أمام الوزارات والمؤسسات الحكومية في شقي الوطن لمنع الوزراء والوكلاء من دخول هذه المؤسسات حتى تؤول هذه المؤسسات للشعب الفلسطيني عبر توحيدها لتخدم كل فلسطيني لا أن يتحول الوطن المحتل لسفينة نوح فيه من كل زوج اثنين، وبغير هذا سيكون الشعب الفلسطيني قد أدمن حياة الانقسام والتشرذم مما سيوصلنا وقضينا إلى طريق لا رجعة فيه وستكون نتائجه في أحسن الأحوال تحول قطاع غزة لقُطر شقيق، وهذا ما يطمح ويسعى لتحقيقيه أعداء الشعب الفلسطيني الإقليمين منهم والدوليين.