د. مضاوي الرشيد
بينما يرعي الملك عبد الله مؤتمر حوار الاديان في مكة المكرمة ويبدو محتضنا لشخصيتين
د. مضاوي الرشيد
بينما يرعي الملك عبد الله مؤتمر حوار الاديان في مكة المكرمة ويبدو محتضنا لشخصيتين علي طرفي نقيض اولهما رفسنجاني من جهة ومفتي المملكة آل الشيخ، من جهة اخري نجد ان مجموعة صغيرة من علماء المملكة لم تجد لها موقعا علي منصة حوار الأديان لذلك اطلقت بيانها الموقع من قبل اثنين وعشرين شخصية تتعاطي فيه بموضوع الخطر الشيعي تحت عنوان اعرفوهم واحذروهم والمقصود هنا ما سماه هؤلاء بالرافضة تلك الطائفة التي نبتت في جسم الامة بفعل بعض اليهود حسب تعبير ونص البيان الالكتروني.
تقوم المملكة الرسمية بجهود جبارة في مجال العلاقات العامة لتتخلص من تبعات الحملة الاعلامية العالمية ضدها وضد ما يسمي التطرف الوهابي ومؤتمر مكة هذا ما هو الا حلقة اخري في سلسلة حلقات طويلة بدأت منذ احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) هدفها ان تحطم الصورة القديمة عن الدولة وعلمائها وتستبدلها بصورة عصرية تستجدي الحوار والتسامح والقبول بالآخر تزامن بيان الكراهية مع مؤتمر حوار الاديان له دلالات عميقة تفضح الحملة الاعلامية السعودية الرسمية وتظهر الوجه الآخر لمملكة طالما حرصت القيادة السعودية ان يبقي خلف الكواليس.
حتي هذه اللحظة لم تتحرك الآلية الرسمية ووسائل قمعها المتعددة ضد أي من الشخصيات الموقعة علي بيان التحذير من الشيعة وخطرهم ربما من مبدأ ان السعودية اليوم دخلت بجدية في مرحلة احترام حرية الرأي والتعبير اذ انها لا تري حاجة ضرورية وملحة تستلزم اسكات علماء ابدوا رأيهم في طائفة لها اتباعها في المملكة ذاتها فبيانهم العقيم يظل يطوف في العوالم الافتراضية ولا يعبر الا عن رأي الموقعين ولكن لا يمكن ان يكون ذلك الحال والسعودية الرسمية نفسها تلاحق بيانات الكترونية اخري استعرضت الواقع المزري للسجون السعودية وسجنت كاتبها كما ذكرنا في مقال سابق. بيان التحذير من الشيعة لا يطال مسؤولين سعوديين ولا قيادة رسمية اما بيان التنبيه لوضع السجون فله دلالات تطول وتصل الي ابعد من الزنزانات واكتظاظها بالمساجين لذلك يظل المروجون للفتنة الطائفية احرارا طلقاء ويقبع داعية حقوق الانسان في السجن.
بيانات الكراهية الالكترونية وما اكثرها انما هي انعكاس لحالة فشل المشروع الاسلامي في السعودية والذي بدأ في التسعينات بشكل علني معروف. لقد افشلت السلطة السعودية مشروع الصحوة الاسلامية لأن مطالبه كانت تمس بشكل واضح وصريح شرعية الدولة ومسارها في مجالات كثيرة منها السياسة الخارجية والحكم الداخلي والاقتصاد والاعلام وهوية الدولة وبعد ذلك لم يجد مناصرو الصحوة من العلماء التقليديين سوي التقوقع خلف جدران عالية يحاولون بين الحين والحين القفز عليها ببيانات تحذيرية. يبدو ان هؤلاء بعد ان خسروا معركتهم الكبيرة مع الدولة دخلوا مرحلة الحروب الصغيرة والتي منها غزوات طائفية كالبيان الجديد المحرض علي فئات اجتماعية معروفة داخل المملكة. ووضع علماء السعودية ليس افضل من غيرهم في بلدان عربية اخري، حيث يدخل هؤلاء مرحلة التناحر والاقتتال الفقهي والشرعي علي خلفية انعدام قدرتهم علي التأثير علي مسار الدولة وسياستها في كافة المجالات.
بيانات التحريض الطائفي ونبش الماضي البعيد لاسقاطه علي الوضع السياسي الحالي هي محاولة اخيرة لانتشال انفسهم من غرق حتمي واندثار نهائي. لم يبق لهؤلاء المتقوقعين خلف نصوصهم سوي معارك صغيرة يخوضونها ضد المجتمع بعد ان انتصرت الدولة عليهم وهمشتهم تحت ستار التجاوب مع متطلبات العصر تماما كما حصل مع افتتاح مؤتمر حوار الاديان. بعد فشل هؤلاء العلماء في مشروع اسلمة الدولة بالاضافة الي فشلهم في اسلمة المجتمع حسب تصورهم للاسلام لم يبق لهم سوي حيز ضيق يحاولون من خلاله اللعب علي مسائل طائفية قديمة قد تهيج وجدان من كان قلبه يفيض بالحقد والكراهية ضد كل ما هو مختلف.
لا يستطيع احد من هؤلاء العلماء الموقعين علي بيان الكراهية ان ينطق بكلمة واحدة ضد ولي امرهم ولو حتي بالاشارة ولن يخطب احدهم خطبة جمعة تتعرض للشأن العام دون ان تمر هذه الخطبة علي مقص الرقابة ولن يفتح احدهم صناديق التبرعات للمسلمين المنكوبين في العراق وفلسطين دون ان يتعرض للمساءلة او حتي السجن لذلك يعرف هؤلاء العلماء حدود الحرية والتعبير والممارسة.
فبعد ان اغلقت الدولة منابرهم التقليدية لم يبق لهم الا حلقات درس خاصة في هذا المسجد او ذاك وبعد ان قصت ريشهم الطويل لم يبق لهم سوي موضوع واحد يتمرسون به وينشرونه علي الملأ بين الحين والحين.
هم يعلمون جيدا مدي التزام دولتهم بالشرع ومدي تقلص قدرتهم علي تغيير مسارها الحالي ويعلمون ايضا ان لا مانع للدولة ان يكرس هؤلاء انفسهم لمعارك صغيرة ولن تسجنهم او تنكل بهم ان هم صبوا اهتمامهم علي موضوعات لا تمس شرعية الدولة او تنتقد توجهها العام.
بعد خسارتهم للمعركة الكبيرة مع الدولة انصرفوا الي معارك صغيرة مع الكتاب والصحافيين والاعلاميين المدعومين من الدولة يكفرون هذا ويفسقون ذاك ويخرجون آخر من الاسلام وكأنهم لا يعلمون ان اقلام هؤلاء تلقي الدعم المالي والمؤسساتي من قبل الدولة. ولم تطح بياناتهم بوزير او مسؤول او حتي كاتب في جريدة ما.
ما ابشع ان يكون الحل للهزيمة بيانات حقد وكراهية وما اخطر هذه البيانات علي تعايش المجتمعات والعلاقات الاجتماعية بين اطياف المجتمع المختلفة. يظنون انهم ببياناتهم هذه يستطيعون ان ينتزعوا النصر من براثن الهزيمة ويعيدون لانفسهم بعض الاعتبار خاصة وان دولتهم قد تجاوزتهم تحت ضغط عالمي ورضخت لتوصيات خارجية من اهمها تقليص صلاحياتهم واغلاق منابرهم وتهميشهم. يعلمون جيدا كيف حاربت دولتهم مشروعين احدهما قومي والآخر اسلامي وها هم اليوم يروجون لمشروعهم الطائفي والذي تغض الدولة البصر عنه وتتجاهله اذ انه قد يستحضر في المستقبل حسب املاءات السياسة المتغيرة والمتحولة.
الدولة لا تعارض مثل هذه البيانات ليس لانها تؤمن بحرية التعبير وابداء الرأي، بل أنها قد تستفيد منه في المستقبل ان دعت الحاجة الي ذلك رغم انها اليوم تدعي مناصرة حوار الاديان والتقارب بين المذاهب والفرق. لقد قامت هذه الدولة منذ بدايتها علي مشروع علماء بيان التحذير ولكنها اليوم تتنصل منه لان الظروف السياسية تتطلب ذلك وان استدعت تقلبات السياسة في المستقبل استحضار الجني القديم فهذا ما سيكون وسيجد هؤلاء انفسهم في اروقة القصور والمؤسسات التعليمية وكتبها التي تحمل بصماتهم وحبر اقلامهم. الدولة وعلماؤها توأمان فصلتهما ظروف دولية اجبرت الاولي علي اتخاذ موقف من الثاني واليوم تبدو السياسة قادرة علي فصل التوأم المحرج في المنابر العالمية واغراقه في حروب ومعارك صغيرة تفقده مصداقيته من جهة وتظهر الدولة برموزها المعروفة وكأنها الكابح لخطر هؤلاء علي السلم الاجتماعي والتعايش السمح. مرة اخري انتصرت الدولة السعودية ذات التاريخ الطائفي علي علمائها الذين اوصلوها الي السلطة ومن ثم تنكرت هذه الدولة لخطابهم في المرحلة الحالية.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية