د/ نصار عبدالله
الدكتور وليم نصار اسم مجهول أو شبه مجهول لدى القارىء المصرى، وكذلك لدى المستمع المصرى، رغم أنه استطاع بفضل ألحانه المميزة أن يشق طريقه إلى العالمية، وأن يفوز بجائزة أفضل لحن فى مهرجان الموسيقى الذى أقيم فى كيبك بكندا فى الأسبوع الماضى ، لكن الجائزة وقدرها ستون ألف دولار سرعان ما سحبت منه، كما سحب منه كذلك مجسم من الذهب الخالص لآلة البيانو يحصل عليه عادة كل من يقدر له الفوز بالجائزة !! هل تعرفون لماذا ؟؟ .. لأنه رفض أن يصافح المؤلفة الموسيقية الإسرائيلية إيلينا أنحاييل رئيسة المهرجان التى كانت تقوم بتسليم الجوائز إلى الفائزين ،… وسواء كان ذلك المشهد المسرحى ( مشهد تسليم الجائزة من إسرائيلية إلى عربى) سواء كان ذلك المشهد مدبرا سلفا من قبل إدارة المهرجان أم غير مدبر فإن النتيجة النهائية واحدة ألا وهى : انظروا . ها هو ذا مؤلف موسيقى عربى يتسلم جائزته من مؤلفة موسيقية إسرائيلية ، وهذا فى حد ذاته دليل قاطع على إمكان نسيان ما فعله بعض الإسرائيليين ببعض العرب ، والتعايش معهم تحت مظلة العلم والفن والموسيقى !!! .. هذه هى الرسالة التى سينطوى عليها بالضرورة مشهد تسليم الجائزة ، وهذا هو ما فطن إليه وليم نصار فأعلنها بوضوح شديد : ” تقطع يدى ألف مرة ، ولا أصافح رمزا من رموز تلك الدولة التى ما زالت تغتصب أرضنا وتشرد شعبنا وتذبح أطفالنا “..خسر وليم نصار الجائزة وخسر أيضا ذلك القدر الهائل من التهليل الإعلامى الذى كان سوف ينهمر عليه من أدوات الإعلام الصهيونية والأمريكية لو أنه صافح الإسرائيلية أنحاييل واستلم منها جائزته ، لكنه فى المقابل كسب احترام كل أولئك الذين يؤمنون بأن قضايا الحق والعدل والحرية وحدة واحدة لا تتجزأ ، وكل أولئك الذين يرفضون توظيف أنفسهم لخدمة غرض دعائى أمريكى أو صهيونى فيهدرون بذلك ذكرى دماء الشهداء من أبناء أوطانهم وشعوبهم ، يرفضون ذلك حتى لو كان الثمن الذى سيتقاضونه ضخما من الناحية المادية وأكثر ضخامة من الناحية الإعلامية ، والحقيقة أنى عندما قرأت خبر ذلك الموقف للفنان اللبنانى “وليم نصار” وجدت نفسى رغما عنى أقارن بينه وبين موقف العالم الأمريكى الشهير ذى الأصل المصرى : أحمد زويل الذى بدأت الأضواء الإعلامية تسلط عليه فى أعقاب حصوله على جائزة وولف للعلوم ( الممولة أمريكيا)، والتى كان الإعلان عنها فى عام1992 قد صاحبه شرط غريب وهوألا تمنح الجائزة إلا لمن يقبل أن يحضر بنفسه حفل تكريمه فى إسرائيل!! ، …ورغم غرابة ذلك الشرط فإن المرء لا يحتاج إلى جهد على الإطلاق لكى يتبين أنه كان ينطوى على رسالة واضحة ، وأنها موجهة بشكل خاص للعلماء العرب أو للعلماء ذوى الأصل العربى ، تقول لهم :ـ ” نريدكم أن تحضروا حفل تكريمكم فى البيت الذى اغتصبناه منكم ومن ذويكم ثم جعلناه قلعة من قلاع العلم ، نريدكم أن تحضروا، لكى يكون هذا مباركة ضمنية من جانبكم لما فعلناه، واعترافا منكم برسالتنا الحضارية فى النهوض بالعلم والتكنولوجيا، وبالتالى إقرارا من جانبكم لحقنا أن نعيش فى بيتنا الجديد فى سلام بدلا من أولئك الإرهابيين الذين ما زالوا يتربصون بنا على الأبواب ويهددون أمننا وسلامنا، ويحاولون العودة مرة أخرى إلى ما يعتبرونه بيتهم لكى يملئوه تخلفا وظلاما بعد أن ملأناه نحنٍ نورا وعلما “، .. وجدت نفسى أقارن بين وليم نصار وأحمد زويل الذى وجد نفسه فى عام 1992 فى مواجهة ذلك الشرط الذى اشترطه معهد وولف، فهل عجز أحمد زويل يومها عن قراءة الرسالة الضمنية ومن ثم فقد وقع ـ بالتالى ـ فى الفخ الصهيونى ؟ ، أم أنه بذكائه المشهود قد قرأها، وقرأ ما هو أكثر مما هو مكتوب بين سطورها !، وقرر من ثم أن يقبل الصفقة المطروحة بين ثناياها والتى تقول : ـ ”إذا أبديت حماسك لحضور حفل التكريم فى إسرائيل فسوف تحصل على الجائزة ، وأهم من هذا فسوف تسلط الأضواء على أبحاثك القيمة! ،وسوف ينفتح أمامك الباب لجوائز أكبر ( نوبل مثلا)، وكل ما هو لازم لذلك ـ بالإضافة إلى نبوغك ـ هو قدر من الحماس للذهاب لإسرائيل والإشادة بفضلها ورسالتها”، وهذا هو بالضبط جوهر ما فعله أحمد زويل ، وهذا هو بالضبط أيضا جوهر ما رفض وليم نصار أن يفعله ، فيا أيها الفنان الوطنى العربى الكبير، وقبل ذلك يا يها الإنسان المناضل من أجل الحق والعدل والحرية، لك منا كل التحية … وكل التقدير