وجدان عبدالعزيز
دائما اللغة الشعرية تمتلك المستوى الأشاري الذي يكون العلاقات الدلالية والأيقاعية في النص كي يمتلك القدرة في تشكيل رؤيا جمالية للحياة حتى في أحلك الضروف قساوة على الإنسان الشاعر . كوباء الحروب القذر الذي يفتك بالأنسان جسدا وروحا فنلاحظ الروح الجمالية تتلبس الشاعر لتستنهض اللغة الشعرية بطاقة تجديدية تلائم موقف الأنسان الآخر في استدعاء الأمل والتفائل واللقاء من جديد بأيحاء الحب والتمسك بالحياة وهنا تتخلق اشكالية الشاعر خالد خشان في إدامة البداية بقولة :
( من ثقب رصاصة في القلب
تركته لي الحرب
أنصب بؤبؤ العين
وأتركه في حقول روحي
طفولة
ب ع ي د ة
يلفها قوس قزح
تمازحها الفراشات)ص9
شكل هنا الشاعر حضورا بالطفولة مقابل غيابا بالرصاصة من خلال ثقب صغير وخلق اشكالية فنية بأشاراته كي يمد حالةالتوتر بين هذا وذاك ، وجعل المتلقي يقرأ مؤخرة ديوانه بنفس سياق ووقت قراءة بدايته أي افتراض قراءة ديوان (طفولة آدم) بداية ونهاية بنفس همة السياق الجمالي كي يتم ترتيب رؤية الشاعر بالحرب والحياة وهكذا شكل بالقصيدة الاولى من الديوان البداية عمقّها بالاشارة الاولى في نهاية الديوان اشارة رقم 1
(من ابواب الطفولة
المغلقة بوجوهنا
الى قمة المنحدر
متراصف
دروب اعاليك
ايها الفرح)ص59
اذن قصيدة طفولة بداية الديوان واشارة رقم واحد نهاية الديوان هي وحدة جمالية واحدة ، فعل خيرا الشاعر حينما تركها اخر محطاته في ديوانه الشعري ، حتى لايقع في اضطراب الخط الرتيب ، واظن فعل الشاعر هذا في مساحة الوعي لان وهو في اللاوعي على اعتبار لحظة فلتت كلون واخذت حيزها ، لتأتي مساحة الوعي لمليء فراغات اللحظة بالنسق ، فخاتمة الاشارات منفعلة منفلتة من اخلاقية الانتماء لولا قصيدة طفولة (يلفها قوس قزح
تمازحها الفراشات)
بينما خاتمة الاشارات تقول:
(هذه البلاد
لاتستحق ان ارمي
على قبرها وردة)
اذن سبقت عملية امتصاص الانفعال قبل الانفعال نفسه وهذه اشكالية خلقها الشاعر في مساحة الوعي البعدية لا القبلية والا من الذي دفع الشاعر بقوله :
(الناصرية عرش آدم
ونحن المنبثقون
من نسغ الارض
صولجان حكمته القويم
الوارثون تيجان الضوء
واكاليل الماء) ص11
كي يعادل عربات الغربة بالسقوط في هاوية الحنين وهنا القصيدة والاشارة شكلت اخلاقية انتماء برغم نسب الاشارة 2 نهاية الديوان التي تقول:
(سوف انام بعين واحدة
خوفا من الشيخوخة)
ماذا اخافه الشاعر من الشيخوخة ، الحقيقة ثيمة ادامة البداية أي التمسك بالطفولة والضياء وتلاعب الشاعر بلحظات اللاوعي بوعي اللحظات وخلق اشكالية العنونة(طفولة آدم)، فحتى شجره الراكض نحو الذبول ، يتوسله كي يقف خالد خشان ويحدق بالعابرين ليكون احدهم فهو شغف بالحركة شغف بالحياة متعجبا من وضع علامات التوقف وهذا يعادل ما تبغيه الحرب من تعطيل لمناسك الحياة كالعاصفة التي تلغي اثر الرسائل ..
هنا عمق الشاعر اثر الحرب بمقابل الامساك بخيط الوجود ..
(الآن حتما
ستولد امرأة) ص 17
(و ت د خ ل )
هذا الاصرار على البقاء والتجدد لايتركه الشاعر سدى امام كشف اثام الحرب التي جعلته يقول:
(نسينا كل الارقام
وتشبثنا بالصفر)ص19
وجلى اثار غياب الوعي بحضور الحانة والخمر والصعاليك والخراب ، لكنه يُعتم على هذه الاثار بايجاد دالة الجنوب كي ..
(يوزع دفئا
وحلوى الطفولة)ص21
حتى(اورقت رؤياك زنابقي)ص22
ثم يقول:
(روحي غيمة زرقاء
تمطر ربيع شوق
لعشب نهديك)ص25
وهذه ركيزة الانثى الاهم بين ركائز الامساك بالحياة وباشارة من الشاعر:
(اقصى ما ابتغيه
ان اترك
قلبي على بابكم
يتدلى
كنجمة صبح)ص26
لو لم يقل (كنجمة صبح)لضاع برهان التمسك بالثيمة الذي عمقها بقوله:
(امحو عثراتي بقماط طفولتي)
(ولاني احلم بالموج والنوارس
تستكين عربات حزني
فالوذ بطفولتي)
ثم جاء مسرعا ليقول (نجوم)ص31 كعنونة مستقلة يردفها بعنونة الصحو(ساسكر
حتى
اعثر
على صحوي)ص33
الحقيقة عمق ثيمته الشاعر بايجاد دالة لاتعرف النهاية الحاسمة للحياة ولانها في دوران الكون اللانهائي ..
(انهض من موتي
اسحب جثتي خلفي
واعلق عيوني
على بوابة الافق)ص36
ولوكان الشاعر مهزوما بالافتراض السطحي لما كان ..
(تلميذا وحيدا عند “آيوب” )ص37
ويعمق مكوثه في ارضه وحياته من خلال نادية امرأة العمق في داخله الامل والطفولة ..
(تلك هي روحي الوجلة)
…………….
(هذا نايك الحنون
يوقظ وردة عشقي
بعد ان غطتها الرمال)ص43
فبيدها البيضاء الناصعة البريئة اوقظته عاشقا ونفضت عنه رمال الحرب ، انه شاعر انسان تركت له الحرب ثقب رصاصة هو ثقب التمسك بالحياة واعادة ترتيبها ، وحبيبة تركن في مغرب القلب بانتظار الناي الحنون الذي هو الشاعر الملطخ بامجاد الطفولة ..
(طفولتي كانت بحجم القمر)
ويؤكد خالد خشان بقوله:
(انا ابحث عن اسمي
في قوائم الموتى
كل يوم)ص54
فهولم يمت بعد وادار ظهره للشيخوخة وادام باشارات شعرية جمالية من خلال ثقب رصاصة اكسير الحياة وتمسك بالبداية ..
(ثم اشير باصبعي
الى جمالك
ايتها الايام الاتية)ص56_57
وظل الشاعر يعزف على جسد الطفولة طوال رحلته الشعرية في (طفولة ادم) تصريحا وتلميحا ..
(آه
لو ان العمر
كان بالمقلوب
لكانت الطفولة
اجمل خاتمة)ص58
هكذا ثبت الشاعر بانه غير مهزوم البتة رغم ويلات الحروب وغربة الروح وابتعاد الحبيبة ، واضاف بديوانه بصمة امل شعرية على جبين المكتبة العربية …
/ديوان(طفولة آدم ) شعر خالد خشان
دار ميريت/القاهرة/لسنة 2007