يبدو أن رايس تعود هذه المرة، وهي مصممة على تحقيق اتفاق نهاية الخدمة ،بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل،وحتى لو كان بشكل إعلان مبادئ غير ملزم، وقبل أن تخرج الأطراف ذات العلاقة في نهاية خدمتها ، فالإدارة الأمريكية الحالية والتي تمثلها رايس،هي واحدة من أكثر الإدارات الأمريكية دموية، وصاحبة نظريات الحروب الاستباقية والحرب على “الإرهاب” ونشر سياسة الفوضى الخلاقة، ونشر وتعميم ما يسمى بالديمقراطية الأمريكية، تريد أن تختتم عهدها في تشرين ثاني من العام الحالي باتفاق،قد يساعد الجمهوريين على الفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة، ويحد من الفشل المتواصل للسياسات الأمريكية الخارجية،”وأولمرت” المتخم بفضائح الفساد ولجان التحقيق بالفشل في الحرب العدوانية على لبنان تموز/2006 ، أصبح هو الآخر قريب جداً من نهاية الخدمة،وقد يستقيل أو يضطر للاستقالة ،ويريد أن يحقق اتفاقاً يبعد عنه شبح تلك الفضائح، وعباس وفريقه المفاوض وبعد أن أعلن مراراً وتكراراً أن المفاوضات،هي خياره الاستراتيجي، وجد بعد كل هذا الجهد المارثوني التفاوضي،انه لم يحقق شيئاً وهذا يجعله هو وطاقمه أيضاَ قريبون جداً من نهاية الخدمة، ونهاية الخدمة هذه قد تشمل العديد من قادة دول الاعتدال العربي المؤمنين بهذا الخيار.
وزيارة رايس هذه المرة جاءت لتحقيق جملة من الأهداف ذات الصلة والعلاقة باتفاق نهاية الخدمة هذا.
وفي صلبها الدعوة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للحوار الوطني وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، وهذه الدعوة حمالة أوجه وتحتمل أكثر من خيار وتفسير وتأويل، ويجب أخذها بعين الاعتبار عند مناقشة هذه الدعوة.
فالبعض يرى أنها جاءت بعد أن وصل عباس وفريقه التفاوضي،الى قناعات بأن أمريكيا وإسرائيل ،لم تقدما له شيئاً فيما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وأنه لا جدوى من الاستمرار في هذا الخيار،ولا بد من الالتفات والعودة لترتيب البيت والوضع الداخلي الفلسطيني،وخصوصاً أن البعض يقول أنه بعد أن نجحت قطر في حل مشكلة الاستعصاء اللبناني،فهناك ضغوط مصرية وسعودية وسورية،من اجل إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني،وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وحتى لو سلمنا بصحة هذا الخيار،فعلينا التنبيه للمسائل التالية:-
حتى اللحظة الراهنة لا توجد دلائل ومؤشرات جدية على قدرة دول الاعتدال العربي على التغريد خارج إطار الرؤيا والمواقف الأمريكية،وكذلك حتى لو اضطرت أمريكيا للموافقة على مسألة الحوار الداخلي الفلسطيني،وتشكيل حكومة وحدة وطنية،فمن معرفتنا وخبرتنا بالإدارة الأمريكية،والتي أفشلت الكثير من المحاولات والاتفاقيات لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني،بدءاً من اتفاق مكة وانتهاءا باتفاق صنعاء،لن تسلم بسهولة بإقامة مثل تلك الحكومة،إذا ما صح هذا التحليل،بل ستكبل هذا الاتفاق وهذه الحكومة بالكثير من الشروط التعجيزية،والتي ستضطر حماس وباقي القوى لرفضها،فمن غير الممكن أن توافق أمريكيا على حكومة رئيس وزرائها على سبيل المثال اسماعيل هنية،فهذا يعني رفع للحظر عن حركة حماس واعتراف بشرعيتها، وأمريكيا لن تتخلى عن فريقها في الحكومة الفلسطينية،وستصر على حكومة برئاسة فياض أو من هم ضمن الفريق الأمريكي في القيادة الفلسطينية، كما هو الحال عندما اضطرت لبلع اتفاق الدوحة،فعند تشكيل الحكومة اللبنانية أصرت على أن يتولى الياس المر وزارة الدفاع اللبنانية،حتى تضمن تغذيتها بالمعلومات أولاً بأول.
وهذا التحليل أنا لست من المتشجعين أو المقتنعين به، وأنا أرجح ،وبناء على ما تم تسريبه فلسطينياً وإسرائيليا،أن هناك اتفاق ما جرى الاتفاق عليه بين الطرفين، وهذا الاتفاق بحاجة لإخراج وتسويق وشرعنة،ومن هنا فإن دعوة الرئيس الفلسطيني عباس للحوار الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية جاءت في هذا السياق،وعند عرض هذا الاتفاق ورفض حماس له ،فإنه يجري تحميلها مسؤولية إفشال هذه المحادثات،ومن هنا يكون هناك مبرر وغطاء عربي رسمي،لشن عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة وتصفية حركة حماس وقوى المقاومة، ومن ثم يجري تسويق هذا الاتفاق،وأنا ليس مع وجهة النظر التي تقول أن رايس قادمة ،لمنع جموح القيادة الإسرائيلية من شن عدوان واسع على قطاع غزة،وبما يزيد من إحراج أنظمة الاعتدال العربي،والتي تلقت الكثير من الصفعات،فهذه الأنظمة منهارة ومعزولة وخارج المعادلات الإقليمية والدولية،وهذه الإدارة ستعتمد سياسة إطفاء الحرائق مؤقتاً،أي الموافقة على الحوار الداخلي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وباشتراطاتها،وبما يحمل حماس مسؤولية رفض الاتفاق الذي جرى الاتفاق علية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويشكل مبرراً وغطاءًً للقضاء عليها .
ومن هنا علينا أن نبقى حذرين من ما يجري رسمه ،من ترتيبات إقليمية ودولية،تطال مستقبل المنطقة بأكملها،فسياسة إطفاء الحرائق تلك،هي مقدمة لإشعال حريق كبير،فنحن نرى أن هناك محاولات إسرائيلية – أمريكية،تجري من أجل فك عرى التحالف بين سوريا وإيران وقوى المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية،عبر التلويح لسوريا بالاستعداد للانسحاب من الجولان مقابل ذلك،وبما يمهد لتوجيه ضربة قاصمة لإيران وقدراتها العسكرية،حيث نرى أن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين،صعدوا من حملاتهم ضد إيران، وقادة إسرائيل يهددون بشن عدوان عليها ولو بشكل منفرد .
ومن هنا فالزيارة الجديدة لوزيرة الخارجية الأمريكية،تأتي في إطار البحث عن إخراج جيد لتسويق اتفاق نهاية الخدمة،ولو كان هذا الاتفاق بشكل إعلان مبادئ،أي أوسلو بطبعة جديدة،وبما يخدم تقديم هدية للجمهوريين تساعدهم في تحقيق فوز أو نتائج ايجابية في الانتخابات،وبما ينقذ أو يبعد شبح السقوط والفضائح عن”أولمرت” والذي دخل حيز نهاية الخدمة،أو على الأقل منع حزب”كاديما” من الانهيار،وكذلك إنقاذ عباس وفريقه ومعهم العديد من قادة دول الاعتدال العربي،من الدخول في مرحلة نهاية الخدمة ،لأن دخول نهاية الخدمة لكل هؤلاء الفرقاء،دون أي اتفاق معناه،أن هذا النهج وهذا الرهان على أمريكيا ووعودها قد سقط كلياً،وبالتالي يفسح الطريق والمجال أمام نهج آخر،هو نهج المقاومة والتصدي للمشاريع الأمريكية في المنطقة،وبما يهدد مصالحها ووجودها في المنطقة،بما فيها حليفتها الإستراتيجية إسرائيل،وحتى لا ينجح ذلك فرايس قادمة لتسويق اتفاق نهاية الخدمة،وإخماد الحرائق المحلية في فلسطين ولبنان،تمهيداً لحريق شامل،يوجه ضربة قاصمة لكل حلقات المقاومة والمعارضة والممانعة العربية والإسلامية، وبما يعيد رسم خارطة وجغرافية المنطقة لعشرات السنين القادمة،وبما يضمن بقاءها تحت الهيمنة والسيطرة الأمريكية.
راسم عبيدات
القدس – فلسطين
9/6/2008